مجرّد ذكرى عابرة..!! نورالدين بن صالح الزرفاوي خريبكة - المغرب

   مجرّد ذكرى عابرة..!!

نورالدين بن صالح الزرفاوي

خريبكة -  المغرب

   كنت أسير  جنبا إلى جنب  وصاحب البذلة الرمادية والطربوش ذي النجمة الذهبية، والفخر يساورني من الأعماق.. كان الرجل يأخذ بيدي في رفق وحنان وكأني ابنه.. وهو، كان في مثل سنّ والدي.. صديقه ورفيقه في جولات القنص أيام العطل والآحاد.. كنا نسير نحث الخطى باتجاه مكتب مدير المدرسة الذي كان قد رفضني مرتين: الأولى بدعوى عدم بلوغي السن القانوني للتمدرس.. والثانية - سنة من بعد- بحجة العكس.. وعندما ولجنا باب الإدارة، استقبلتنا الكاتبة  بابتسامة لامعة.. بدا لي فمها المصبوغ بأحمر الشفاه كجرح غائر لا يبدو أنه سيلتئم يوما.. فتحت باب مكتب السيد المدير، وأفسحت لنا الطريق في احترام..

   القاعة تغمرها رائحة زكية، ويرين عليها صمت لذيذ.. كان السيد المدير قد أعلن حالة استنفار قصوى فور دخولنا، فهرع من خلف مكتبه الخشبي العريض الممتلئ بالأوراق والملفات المتكدسة يستقبلنا بوجه ينضح بشاشة، وبصوت يفوح تبجيلا.. مدّ يده إلى الدركي مرحبا في حرارة.. تجاهلني أنا، وكأني غير موجود.. دعا الدركي إلى الجلوس، في حين بقيت أنا واقفا محتشما لا أكاد أتحرك كتمثال صغير..  تجاهلاني لمدة ظلا يتجاذبان فيها أطراف الحديث كصديقين حميمين.. تخللت حديثهما كلمات لم أتبينها.. لغة غريبة عنِّي تماما.. أدركت بعد سنوات وسنوات من الدراسة والتحصيل أنها لن تكون غير فرنسية.. ثم أخيرا رأيت جدا طارئا يكتسي ملامح وجهه.. وعلى مهل – كأنما على مضض- تناول قلما وسجلا، وتوجه إلي بوابل من الأسئلة:

                 -   ما اسمك؟..

                 -   اسم أبيك ؟..

                 -   اسم أمك؟..

                 -    مكان، وتاريخ ازديادك؟..

   كنت كل مرة أردُّ عليه بصوت خافت، خجول، متهدج من الفرح الممزوج بالارتباك.. وعند سؤاله الأخير توقفت مشدوها، حائرا، لا أدري بما أجيب.. فأنا لا أعرف تاريخ ومكان ازديادي.. لا أمي، ولا أبي  كلّماني يوما عن تاريخ ومكان ازديادي.. لاحظت أن القلم توقف أيضا بين أنامله المكتنزة.. نظر إليَّ بعينين جاحظتين ينتظر ردي، فلم أملك إلا أن أجبته بعفوية وفي اضطراب شديد:

               -   لا أعلم!!.. اسأل أبي!!..

   التفت إلى الدركي فجأة، وانفجر ضاحكا.. انضمَّ إليه الدركي في ضحكه أيضا.. ضحكا معا.. طويلا.. احمرت وجنتيّ أنا خجلا.. من شدّة الضحك رأيت الدموع تنساب على خديه، فاستل منديله من جيبه وشرع ينشفهما.. تساءلت أنا في نفسي، وفي شيء من التحدّي الطفولي:  "لماذا هو هكذا بشوش ضحوك مع الدركي، وقاس متجهم مع أبي" ؟!!..

02 شتنبر 

 

تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى