قصة قصيرة : الطائر المهاجر " مسيسي " ( ذعرة بيضاء ) عبد الرحيم هريوى خريبكة / المغرب



قصة قصيرة

الطائر المهاجر " مسيسي "

ذعرة بيضاء

عبد الرحيم هريوى

خريبكة / المغرب


وأنا عائد في هذا اليوم إلى بيتي من المسجد بعد صلاة العصر ،وقد أثارني منظر رهيب تقشعر له القلوب والأبدان ،وبسرعة شدني إلى طفولتي، وأنا لا أعرف من العالم الشاسع غير دوارنا بولاد أعمر بجماعة المفاسيس ناحية المدينة الثرية خريبكة بما في جوفها من فوسفاط ..تذكرت ما تذكرته ..

هناك بالبادية وعالم الدشر الذي تقام فيه السوق الأسبوعي ،نسميها من زمانى "بالجمعة" ولا أدري كيف تم اختيار ذاك الاسم:

- فهل هو اليوم الذي فضله إسلامنا الحنيف عن باقي أيام الأسبوع..!؟

- أم هو ذاك اسم من الأسماء، والتي كان للأجداد معها بركة ونعمة.. وصاروا بعدها يسمون بها بناتهم في ذلك الزمان ..!؟

لا أري بالفعل، من ذلك أي شيء يذكر..!

المهم هو أنه مكان السوق، يرتاده أهل القبيلة وجل الساكنة المجاورة في يوم الجمعة..!

الدشر ..!

تلك المعلمة التاريخية الشاهدة على حياة من كانوا هناك ورحلوا..وفي تربة المفاسيس قد دفنوا..

ودفنوا معهم بؤسهم..

ودفنوا معهم قهرهم ..

ومن يدري لعلهم قد ارتاحوا اليوم.. وهم صاروا لما صاروا إليه من ساكنة المقابر حيث هناك يتوحد ويتساوى بني البشر في كل شيء ..

- في برودة الأرض وظلمتها..

- في السكن الموحد تراب وحجر ..

-سكون دائم ومطبق وهدوء يهيمن على المكان..

- هم الآن في احترام و تقدير متبادل لبعضهم البعض

- هناك ؛ فلا ظلم ولا جور ..ولا تكبر ..ولا أنانية.. ولا ترفع ..ولا ما يفسد عنهم أجواء سكون عالمهم تحت باطن الأرض، عكس هؤلاء الذين ما زالوا يصارعون زمانهم ولا يتوقفون لا بالليل ولا بالنهار..

- وهم المسافرون غدا عند إخوانهم الذين سبقوهم في باطن الأرض..!

- الموتى ،موتى تحت الأرض..!

- الموتى، أحياء فوق الأرض..!


معلمة الدشر التي بناها الأجداد القدماء ،وقد أحاطوها بسور عالي جدا،وذلك لحمايتهم من هجمات القبائل المجاورة إذا ما هي غارت عليهم فجأة ..وكان ذلك يقع بالفعل في أيام السيبة والصراعات القبلية في ذاك الزمان الغابر، والذي بدا لنا اليوم وكأنه أسطورة من أساطير الإغريق واليونان ..أو كأنه يشبه أي أسطورة من بين الأساطير القديمة، التي لا يتقبلها العقل والمنطق البشريين، في زمن الجيل الرابع والخامس من الأسلحة الذكية والمدمرة والمرعبة والتي لا تبقي ولا تذر.. والتي تبيد كل شيء حي فوق هذا الكون ..!


ولولا أن الحائط ما زال في مكانه وقد تهرأت جنباته، وما زالت بعض الأدرج شاهدة على أن الأجداد قد مروا من هناك ..وقد كانوا يصعدون للدفاع عن ممتلكاتهم وأعراضهم من ثقب كثيرة متواجدة به بواسطة سلاح ناري كانوا يسمونه (( ساسبو )) ..!

ولكل ذلك وقد مر وأمسى مسجلا عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى سبحانه وتعالى عما يشركون .. ولقلنا ما قلناه ..!

وقالوا كما سنقول هي سوى حكايات وخرافات وتعاويذ..!

وكما يقال عن أهل التاريخ ‘فهم الذين ألفوا بأن يجرون خلف البدايات وأهل الرواية يجرون خلف النهايات ،ولذلك كتب ميلر إرنست هيمنغواي الأمريكي خاتمة روايته "وداعا للسلاح " عشر مرات..!

وأعود للمنظر والمشهد القصصي المثير..والذي شدتي شدا بالمفعول المطلق ها هنا .. كما سبق أن قلت لكم.. هو شد كهربائي مفاجئ، ولم يطلقني إلا وأنا أمام مشاهد من الزمن الطفولي الذي احتفظت به ذاكرتي الفردية ، وذلك حينما لمحت عيناي طائرا كنا نسميه في زماننا الطفولي بطائر مسيسي، وليس بميسي اللاعب في فريق كاتالونيا و الذي أحبه بعض العرب، ولم يبادلهم بنفس الإحساس ،بل اعتبر ما اعتبره بعجرفة زائدة وأنانية ونرجسية بأنه لا يتحمس لقوم يحبون اسمه ..
..اسمهم العربان..!

ولعله اشتقاق لغوي من مسيسي ومن يدري..؟!؟!

هو ذاك الطائر المهاجر عبر فضاءات دول وقارات عبر العالم ،والذي نكون قد ألفناه ولا يحط رحاله في ديارنا إلا بحلول " إخراج موسم الحرث "كما كنا نسميه، حينما كان يخرج عمي محمد عتاده من محراث خشبي وسكة، ويهيئ حماره الأشهب الذي عاش معه دهرا طويلا ..والذي يقوم بكل الأشغال الشاقة…!

وكنا نجتمع حوله زرافات من أطفال الدوار، وهو يفتت لنا رمانة كبيرة على مقبض المحراث ، ويقسمها على كل الأطفال الذين حضروا مراسيم الافتتاح ،وكذلك يفعل بخبزة من الشعير، وكنا نشعر بسعادة لا مثيل لها، ونحن نعيش صحبة بويا الهروي كما كنا نسميه لطيبوبته و قفشاته وصفاء قلبه مع الجميع رحمة الله تعالى عليه، وصرنا لا نعرف قدوم مسيسي الطائر العجيب إلا بواقعة الحرث تلك، وهو يحيط بنا..يتنقل كطفل صغير يلعب أمام باب بيتهم في الدوار..!

مسيسي صديق طفولتنا لا يقدم عندنا في كل سنة إلا وقد بدأ الفلاحون يقلبون الأرض، كي يبحث له عن غذائه بين ما يرسمه محراث بويا الهروي الخشبي من خطوط ، لكنه الآن وقد تغير المناخ ومعه الأرض و البشر..وصار الكون لما صار إليه من تغييرات خطيرة تهدد وجودنا كبشر، ووجود باقي الكائنات الأخرى بسبب ٱنعدام القطر وامتداد المزيد من مساحات التصحر وغياب التغذية الصحية..

وتناسل الفيروسات والأمراض الجديدة..

وسفينة الكرة الأرضية هي الآن على شفا حفرة..

وهي تغوص في بحر من الظلمات.ولا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون..حتى صارت المخلوقات الأخرى تتبرأ من بني الإنسان ، والتي بأنانية يحملها.. وقع الفساد في البر ،وفي البحر بما كسبت يديه ...


مررت بالقرب من الطائر المعلوم صديق الطفولة.. وشعرت بألم وهو يمشي مشيته السريعة، وفي نفس الوقت يتوقف ..يحرك ذيله الطويل ..لكنه يتواجد اليوم في القرن 21 بهذه الأرض.. لم يصادف عندنا تربة الحرث برائحتها الندية.. والسماء الملبدة بالغيوم والجو البارد.. بل صادف الطائر مسيسي عندنا، وكأن الخريف أطال أمده بطقس الصيف و بشمسه،وحرارته.. في انتظار الغيث النافع الذي تأخر قدومه، في وقت يكون مسيسي قطع أميالا و شهورا من التجوال والطيران الطويلة، كي يحل عندنا ضيفا حزينا باكيا متألما ..

ولا أدل على ذلك هو مكوته بالمدينة.. !

ولم يفكر في ذهابه للبادية..!

لربما قد علم أن الطبيعة لم تعد كما كانت ..!

وبأن المدن امتدت بغزوها لكل أرض خصبة ..!

والإنسان لم يعد نفسه هو الإنسان بتاع زمان..!

ولا البيئة بقيت كما كانت ..!

كل شيء اتخذ مساره نحو الأسوأ ..!

وصار مسيسي يساير زمان البشر بجنون وحمق ..

ورأيته يمشي على الزفت وهو ينقب نقبة هنا وأخرى هناك..

لا أعلم بالضبط ماذا ينقب في ذاك المكان..

وتساءلت الحمق هو

والجنون هو

أصاب الإنسان وانتقل الوباء الفيروسي إلى باقي الكائنات الحية ..؟!؟!

فلا حرج على مسيسي إنه قد تلف ليه الشقف بالمرة، واختلطت عليه الأمكنة والأزمنة بتغيير المناخ والأجواء والفصول..!

وقال له ناس الغيوان من زمان

سبحان الله
سبحــان الله صيفنا ولـى شـتــــــــوة

وارجع فصل الربيع ف البلدان خريف

ومضات أيامنا سرقــتـنـا سهــــــــوة

وتخـلطــت لـديان شلى ليك نصيــــف

قلت أعجبي اضحات ف الدين الرخوة

تعليقات

  1. تحية طيبة.ما تكتبه في طريقه إلى جادة الصواب.فلا تفسده باقحام لغة غريبة عن الفصيحة وأسلوب هو اقرب الى العامية وتجنب الاخطاء الاعرابية التي تفسد المعنى المراد. أرجو لك التوفيق والنجاح فأفكارك وخواطرك تستحق القراءة لذلك تستحق لغتها التهذيب والتعذيب.ولا تنس أن الفارق بين اسم الطائر واصل كاتب هذه القصة هي حرف الفاء.

    ردحذف

إرسال تعليق

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى