قراءة بين ثنايا سطور مجموعة قصصية لمحمود تيمور تحت عنوان "قال الراوي" عبد الرحيم هريوى المفاسيس (خريبكة ) المغرب


 قراءة بين ثنايا سطور  مجموعة قصصية 

      لمحمود تيمور

    تحت عنوان "قال الراوي" 



 عبد الرحيم هريوى

المفاسيس (خريبكة ) المغرب 



01 //  الاستهلال  :



هذه المرة سنحط رحالنا بالديار المصرية وسننزل ضيوفا على كاتب مصري كبير اسمه غني عن كل تعريف ، فرض اسمه في زمان النهضة الفكرية والثقافية للمجتمع المصري ، إنه القاص والروائي المصري "محمود تيمور "و لا بأس أن نعطي في أول هذه القراءة نبدة موجزة عن حياته.


 محمود تيمور ازداد سنة  1894 وتوفي  في 25 يوليوز  1973 عاش طفولته بحي طرب سعادة الشعبي بالقاهرة ، وترعرع في و سط أسرة تضم أدباء بارزين والده أحمد تيمور وأخيه محمد تيمور .


أصيب بمرض خطير "التيفويد" و هو ابن العشرين ورغم شفائه منه ظل تحت رقابة طبية مشددة ، مما منعه من اتمام تعليمه الجامعي فتفرغ للمطالعة وتكوين ذاته بنفسه. و أصدر أول مجموعة قصصية له تحت عنوان "الشيخ جمعة "سنة 1925 كما أصدر ما يزيد عن 70 كتابا في الأقصوصة والرواية والدراسة والرحلة.



 02 // قراءة أدبية وفنية عن المجموعة القصصية لمحمود تيمور في زمن النهضة الأدبية والفكرية التي عرفتها مصر.



في مقدمة لعميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور طه حسين يقول في حق هذه المجموعة القصصية "قال الروي "

" إنها مقطوعات جميلة يسيرة من النثر :  فيها الوصف 'وفيعا النقد ،وفيها الوعظ ،وفيها التأديب ،وفيها تصوير الأشخاص والجماعات و كثير من مظاهر الطبيعة المصرية في الريف و في المدن ، و فيها من أجل هذا كله دروس قيمة لشباب المتعلمين يتعلمون منها في غيرملل ولا جهد كيف ينظرون، وكيف يفكرون ، وكيف يصورون ويعبرون "


 لقد عاش محمود تيمور في أوج العطاء الأدبي والفني والثقافي للمفكرين المصرييين في ذلك الزمان . لما كنا نرفع شعارنا سواء كحداثيين أو يسارييين أو كقوميين ، في زمن عباس محمود العقاد وطه حسين وهيكل وأحمد شوقي " لا سلام بدون سوريا ولا حرب بدون مصر"

كانت مصر القلب النابض بالنسبة للجسم العربي ، و الفاعل القوي في الشرق . و منها كنا نتعلم ونقرأ ؛ ونستورد مدخراتنا الثقافية الحديثة في مجالي المعرفة والفكر ، و نصير أدباء و متقفين في ذلك الزمان الشرقي الجميل والمعطاء !! 


فقد هيمنت مصر على عوالم المسرح والسينما والثقافة و الأدب وفنونه و كان لا ينافسها أي أحد من باقي الأقطار العربية. التي كانت لا تنتج إلا اللمم من الأفلام التلفزيونية والسينمائية والمسرحيات... كما أن عالم النشر ودوره ظل تابعا لدار بيروت بلبنان " حيث كان جل المصريين ينشرون من هناك منشوراتهم الجديدة ، و بعدها سيتم إحداث مكتبات كبرى لدور النشر والتوزيع بالقاهرة.


تلك هي مصر ، أم الدنيا في العلم والمعرفة والثقافة . وكان لابد أن ننبش في عالم كتابة القصة ونختار أحد رواد القصة القصيرة " "الأقصوصة " لمحمود  تيمور عنوانها " قال الراوي "و هي مجموعة قصصية رائعة تصب كلها في قالب قصصي رائع و جميل. يظهر من خلالها  التمكن الكبير للراوي على الحكي والسرد بطريقة فنية تكسوها لمسة أدبية و فنية، تعطينا تصورا عاما لحياة الشعب المصري، بحيث استطاع بنجاح تعرية المجتمع المصري ، و الكشف عن الزيف فيه ، من خلال مواقفه التي نلمسها في أكثر من أقصوصة، من المنظومة الأخلاقية السائدة في مجتمعه.


وسعى إلى الخروج، على أن لا تبقى تشمل الأقصوصة قصة واحدة فقط إذ يعتبر في نظر النقاد هذا من قبل الإبداع في هذا المجال الفني  ، الذي يعرف تطورا دائما، ولا يمكن حصره في تعريف جامع ومانع للقصة ، لأن جميع أنواع وأشكال الأدب في تطور دائم . ولأن الأدب يعتبر نشاط إنساني يساير تطور الإنسان نفسه، ويتماشى مع  سيرورة البحث عن الأجود والأفضل والأحسن. 


إن القصة دائما وفي إطار البناء السردي للنص ، تعبر عن موقف معين في حياة الفرد كاملة . و لم تخرج الهندسة القصصية لمحمود تيمور عن هذا البناء المألوف لدى أشهر الكتاب في هذا الفن ، سواء من تعبير عن موقف معين من حياة الفرد الكاملة ، أو سمة الوحدة المتماسكة للنص القصصصي مع تفاعل الحادثة أو الأحداث مع الشخصية المحورية في النص ذاته ، في بناء محكم وثابت.. حتى لا تمسي في غياب هذا التفاعل مجرد " حكاية لا فن فيها ولا أصالة ".. 

بالإضافة للمسة التركيز مع الإيجاز والحوار المدعم ، في كل أجزائها دون اطناب أو اسراف في التعبير..

 وفي النهاية  أو ختام  القصة ، أو التوازن الجديد للقصة ، أو ما يسميه عبدالله خليفة ركيبي عن خصائص الأقصوصة "بلحظة التنوير " وتبقى النهاية لها ارتباطها العضوي ببدايتها حتى لا تفقد القصة روح الارتباط العضوي لبنائها وتماسكها ولا يتفكك نسيجها طبعا.


فجل القصص التي أتحفنا بها محمود تيمور كانت تعبر بصدق عن حياة المصريين في الأرياف والحاضرة ، من خلال استعماله لأسماء من البيئة الاجتماعية لبلده ، كالحاج متولي وأم سحلول والحاج شلبي و أفندم و البيه والباشا وأم هاني ...

 وتركيزه على العلاقات الاجتماعية في زمن الاقطاع ، و معاناة الغلابة في بلده و ظاهرة التسول واللباس التقليدي المصري، و التقاليد والطقوس في حياة البدو في الأرياف ومقارنتها بالحياة في القاهرة ، حيث هناك العصرنة والحداثة في كل شيء وحب المصري لأرضه وترابها، والعيش قرب النيل وسط عوالم الطبيعة والمواشي والعيش الأصيل والبسيط للفلاح المصري ، حيث يتعب طيلة النهار وهو في سعادة وراحة دائمة.!!


استطاع محمود تيمور فعلا حملنا صحبته ، بأن نعيش معه الحياة الاجتماعية المصرية بعمق أحداثها وتناقضاتها. بلمسة فنية رائعة وبغنى ثقافي وأدبي ولغوي عبر مجموعة قصصية جيدة جدا ، تناول فيها التخلف الإداري ، التسلط والقهر والظلم في زمن الاقطاع وسلطة الرجل في المجتمع . معاناة المرأة وقهرها واعتبارها سوى مرضعة ومربية و كائن مفروض عليه خدمة البيه، وقضاء أغراضه، وإسعاده ومؤانسته في وحشته ، والمعاناة من أجل الحصول على لقمة العيش اليومي لفئة الفقراء و ضعفاء الحال ببلده ، و دور التعلم والتعليم في الترقية الاجتماعية للمصري والرقي في الهرم الاجتماعي من أبناء طبقة الغلابة والفقراء إلى عالم الأكابر و العيش الكريم .



03. //  الخاتمة :


فعلا عشنا لحظات جميلة و ممتعة ، و نحن نتنقل بخيالنا إلى عوالم  أرياف مصر وشوارعها  بالقاهرة من خلال مجموعته القصصية وكأننا نتابع مجموعة من الأشرطة التلفزيونية المصرية التي كانت تدمن على بثها قناة "إثم "المغربية في زماننا ، في غياب المنتوج الوطني في مجال الإنتاج السينمائي والتلفزي.

تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى