جان فالجان بخريبكة.. بؤساء القرن 21 قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى خريبكة اليوم المغرب
جان فالجان بخريبكة..
بؤساء القرن 21
قصة قصيرة
عادة ما يرى الكاتب الأشياء بنوع من الأحاسيس وبجمالية و التي يحكمها الخيال أكثر من الواقعية… ويمشي وعيونه على كل شيء يتحرك أمامه يتم الاحتفاظ به في ذاكرته حتى يحين وقته ليطفو في وقت من الأوقات على وجه صفحات بيضاء عبارة عن نصوص أدبية منتقاة و بلبوس ثقافية من الواقع المعيش للمجتمع..!
خرج جان فالجان في طريقه إلى الله كي يزوره في بيته ..فوجد أمام منزل من منازل الحي الذي قطنه رجلا بئيسا بملابسه الرثة .. وأسمال يحملها معه في كيس،لا تفارقه.. وقد رمى بجسده على الأرض مباشرة يبحث له عن برودة في ظل قرب الجدران . وقد وضع مرفقه تحت رأسه كما ألف واعتاد ذلك من زمن بعيد في نومه في الخلاء الذي يسكن كيانه عبر تقلبات فصول السنة ..
ورمى أشباه ألبسة بالية بالقرب منه..!
لا أحد ينظر لجهته..!
ولا أحد يعتبره من المارين بالقرب منه بما فيهم أثقياء بين قوسين بلباسهم الأبيض ومشيتهم التي تعني ما تعنيه في عالم تعبدهم الخاص في كل زمان ..
ولاأحد يمر بالقرب منه ويردد ماغنته الغيوان عن أمثال هؤلاء البؤساء في وطنهم :
كـــان مفرش الحصيرة واليــــوم هــي غطـــاه
لاغـى الهموم بالجـمـلـــة والغــنـي ساكـن حــداه
خويـا وظــلام القــــبـــــر مـــع لميســر ســــاوا
ولامن يتألم لبئيس مثله ..!
لا فرق له بين الليل والنهار..والغنى والفقر..القصر والبيت الخرب..الملايير والسفريات والفنادق المصنفة وهدايا باريز وجزر فلوريدا والرحلات الجوية عبر طوكيو وبرازافيل..!
المهم من هذا وذاك في قاموس عاميتنا 👍
" شلا ما يقال عن لسان ثقال ..!!! "
كلنا لها فقراء ومساكين إلا أصحاب الملايير لأنهم لايريدون من قاموسنا نحن الشعب بأن يسمعوا كلمات مضجرة تعكر عنهم رفاهيتهم وثرائهم الفاحش ،و بلغة الغيوان "الغني فرحان معري قومان " مثل الموت والقبر..وزلازل تصيب البورصات ..!
حاول جان فالجان أن يقترب من عالم البؤس أكثر واللاحياة لصاحبنا،و الذي تعرفه كل أزقة و دروب وشوارع مدينة المنجم والفوسفاط والتران والانتظار.. كي يدون في شأنه حروفه الجارفة لأحاسيس الإنسان وكرامته ..إن البئيس لا يملك قاموسه اللغوي ، ولا ينطق ..ولا يتكلم لأن ما يحمله في صدره من جبال وأكوام من الهموم والأحزان عطلت لسانه بالمرة ،وجوارحه تستعمل فيما هو بيولوجي لا غير ..
هام بجسده واقفا لما طلب منه الوقوف فوقف..
ولما طلب منه المسير سار..
ولما طلب منه الجلوس جلس ..
وكله بشكل اللاإرادي حتى ظن جان فالجان أن هذا المخلوق يعيش عالمه الخاص بطريقة بعيدة عن المعتاد..
ناوله جان فالجان بعض الحاجيات الضرورية بما فيها قنينة ماء والطعام يتقوى به كي يستمر حيا يمشي كجسم أنهكه الزمان في أثرى مدينة مغربية..
دخل جان فالجان لبيته وترك صاحبنا في عالمه الخاص..
ويتناول طعامه كما يريد..
ويغير من ثيابه على راحته ..
وبعد برهة خرج لتوه كي يلحق بالمصلين ..لكنه لم يجد البئيس في مكانه، وقد ترك صندالته بعدما جمع كل أشيائه..
ظل جان فالجان بين سين وجيم حتى اقترب من باب المسجد..فوجده جالسا،وهو يعيش عالمه، وقد غير ثيابه ووضع على رأسه" ترازة " بعدما عصب رأسه بعمامة بيضاء "رزة " لربما رأسه يؤلمه، أو لربما كذلك يكون قد بدأ لجان فالجان..
نظر إليه نظرة الأب الذي فقد طفله ..وما طفق يكلمه.. يسأله ..
لقد نسيت صندالتك في المكان الذي كنت جالسا فيه..سمعه..لكنه لم يجبه ببنت شفة إلا بلغة البصر..!
تفاهما هذان العبدان بالإشارة..!
أدلف جان فالجان بروحه لمناجاة ربه بحب وإيمان وتقوى ..!
خرج جان فالجان ووجده ماكثا في مكانه قرب باب المسجد، وكأنه يعرف بأن هذا المكان هو بيت خاص بالرحمن..!
ولكل داخل إليه له قدر من الإيمان..!
ولكل واحد له نيته..!
أعاد تذكيره بصندالته التي احتفظ له بها في بيته،ولا بأس بأن يرافقه..وأدلفا عائدان لبيته كي يناوله حاجته..وكي يقترب منه أكثرفأكثر ،إذ ظل يسأله عن أشياءه،لعله يتعرف عليه أكثر، لكن الأحجار تتحمل الضرب والعواصف صابرة لا تتكلم ولا تتكلم.. !
وفي طريقهما صادفا صورة من الصور التي ألفناها لعقود بهذا الوطن،وتكون دخيلة على زينا المغربي الأصيل ،لكنه يدخل في الحريات الشخصية للأفراد بالطبع،وقد يتخذ أصحابها عدة صيغ تعبدية ويبقى للزي مكانته وتواجده في الشارع العام..بلباسه الأبيض والعمامة من الزي الآسيوي(باكستاني وأفغانستاني وهندي وأندونيسي وماليزي)ويبقى البياض يتحكم في المظاهر الخارجية في غياب معرفة الألوان الأخرى المتحكمة في القلوب والمعاملات بروح دين الإسلام "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"وتبسم جان فالجان ضاحكا عن منظر أثاره وكتمه في أعماقه وهو يقول :
- انظر يا صاح وهو يخاطب ظل الرجل البئيس الذي يتهادى ماشيا بالقرب منه ..!
هاهي مظاهر من الإسلام باللباس والزي وصور من طيف خيال تصاحب مكفوف، وتمد له يد العون للذهاب للمسجد لحضورالصلاة مع جماعة المسلمين..في وقت تقاطع المبصرين ولو أقرب المقربين منه حتى عبر مشاركة التحية والسلام بروح الإسلام الذي عند كثير يعيشونه كعبادات طاغية.. لا تنال لا حقا ولا باطلا من سلوكياتنا ومعاملاتنا في حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية..!!!
وصل جان فالجان لبيته صحبة الرجل البئيس وأمده بصندالته، وطلب منه أن يأتي في زيارته كلما كان في حاجة إليه..!
وأدلف لبيته،وهو يحمل في كيانه قصة من قصص الحياة التي نعيشها بكل تفاصيلها وتحتاج منا كي نسميها ونسجلها في دفتر الحالة المدنية كمولود جديد ..
تعليقات
إرسال تعليق