مجرد ذكرى عابرة.. نورالدين بن صالح الزرفاوي خريبكة //المغرب
مجرد ذكرى عابرة..
نورالدين بن صالح الزرفاوي
خريبكة //المغرب
استرقت إليه النظر ثانية.. نظارتاه الشمسية أضفتا عليه أناقة وجاذبية.. وقميصه خاكي اللون يشتعل نظافة ويفوح عطرا زكيا.. هممت أن أسأله - وقد غلبني فضولي الشديد- عن وجهته.. ألفيته هادئا مستغرقا في القيادة، فأرجأت السؤال إلى حين.. إنه يستمتع بسماع الموسيقى تنساب هادئة من المذياع، ويتلذذ نشوة الجلوس وراء مقود السيارة.. وأنا كذلك أحب أن أستمتع - ما وسعني - بتلك اللحظات التي ستستغرقها السيارة وهي تجتاز بنا الطريق ما بين "دوارنا" والمدرسة.. ولم لا ما بين "الدوار" والمدينة؟.."دوارنا" حيث الحياة رتيبة عقيمة.. والمدينة اللغز.. "خريبكة"، المدينة الأم.. " خريبكة"، المدينة الحلم... كالحلم، كان ميلادك جميلا .. متعة كان الحمل بك، ولذة كانت ولادتك على يد طبيبة نصرانية مستعربة. يقال بأنها أسلمت..نعم، لقد بسملت في البداية. وعندما صرخت أنت باكيا، فرحة صاحت هي بلكنة عجيبة: "الله أكبر! ..ما شاء الله! ".. دون جميع إخوانك، ولدت بالمستشفى التابع للمنجم بالمدينة. ويوم ميلادك صادف عيد عرش السلطان محمد الخامس.. كانت أصوات الطبول، والمزامير، وزغاريد النساء تتعالى في الخارج، وكأن "خريبكة" كلها ترحب بمقدمك. والحفلات دامت أياما متواصلة، وكأن "خريبكة" كلها تحتفل بمولدك.. نعم، لقد استمرت الحفلات طيلة سبعة أيام، لا تكاد تتوقف ليل نهار... وتوقفت السيارة أخيرا أمام بوابة المدرسة.. فتح والدي الباب لأنزل، فلم أبد أنا أدنى رغبة في النزول.
ممتعضا، سألته بصوت يكاد يكون همسا:
- هل أنت ذاهب إلى المدينة؟..
أصغى إلي باهتمام فائق، ثم أجابني والبسمة ترقص على شفتيه، وكأنه قد أدرك سر ما أرمي إليه:
- نعم!.. ولم؟..
قلت مستجديا بعد صمت وجيز:
- لأذهبن معك..
سألني في عتاب، وقد اكتسى ملامح وجهه حزم طارئ:
- وماذا عن الدراسة ؟!!..
ترجلت من السيارة، والدموع تملأ مقلتي...
نورالدين بن صالح زرفاوي
تعليقات
إرسال تعليق