كابوس قبل الزواج ..! قصة قصيرة عبد الرحيم هريوى



 كابوس قبل الزواج ..!


قصة قصيرة


عبد الرحيم هريوى



شاءت الأقدار أن تلتقي سعاد برشيد في إحدى الأيام الصيفية الجميلة بشاطئ السعيدية... تبادلا النظرات في أول وهلة وكأن كل واحد منهما يبحث له عن نصفه الآخر الضائع ..و لربما القضاء والقدر سيجمع بين قلبين من مدينتين بعيدتين عن بعضهما البعض بمسافات طويلة جدا.. فرشيد ابن المدينة القديمة بفاس و خريج مدرسة المهندسين ويشرف على تسيير  إحدى الشركات الصناعية للإسمنت لعائلته، بإحدى الضواحي المجاورة لفاس ..وما زال شابا في مقتبل العمر ومن خلال ملامحه يظهر عليه بأنه من أسرة ثرية ، و تغلب عليه اللكنة الفاسية ...شاب وسيم ذو شعر رطب يظهرعليه أنه يعتني به جيدا ، كما أنه يمتلك سيارة فارهة وجميلة من نوع* جاغوار* آخر موديل . وهذا النوع من السيارات لا يملكه في المغرب إلا أبناء العائلات الثرية ببلدنا المغرب.


كل هذا البريستيج  يجعله محط الأنظار.. وكم من شابة تتمناه فارس أحلامها .. ولن يرد له طلب إذا ما تقدم لخطبة سعاد من أسرتها مستقبلا ...رشيد هذا ابن مدينة فاس تعلق قلبه بجمال هذه الفتاة وافتتن بها، لذلك  ظل طيلة النهار يتابع خطواتها وهو يقول في قرارة نفسه: سأعمل المستحيل حتى أتعرف عليها وعلى أسرتها لتكون من نصيبي ..إنني تمنيتها أن تكون رفيقة عمري ...تلك هي الفتاة التي كان يتمناها...!! فلا شك بأنه سيفعل المستحيل كي يقدم نفسه لها كطالب ليدها بلا لف ولا دوران؛وسيتقدم لأسرتها في أقرب الآجال إن هي قبلت الزواج منه... وكذلك كان انتظر فرصة رجوعها خلال هذا اليوم مع إحدى قريباتها، وهما عائدتان إلى المدينة حيث اقترب منهما بسيارته الفارهة وهو يسوقها ببطء على الطريق الساحلي... وكان ذلك وقت مجيء الغروب ..فاتها ببضع أمتار؛ ليركن سيارته ويترجل نحوها ،فأوقفها فجأة وكأنه يريد أن يسألها عن شيء يخصه !!!... يريدها أن تساعده فيه ..سلم عليهما ..قدم نفسه لها ... تكلم مخاطبا: أريدك خطيبة لي. فماذا تقولين أيتها الحسناء؟؟ إن كان ذلك ممكنا... فقلبي أشعر به والله لقد تعلق  بك في أول نظرة ...وبدأ يظهر من خلال كلامه بأنه بالفعل صادق فيما يقوله...لذلك صدقته سعاد وتلون وجهها واحمر لونه بشدة الخجل وشعرت بسعادة لم تشعر بمثلها في حياتها...وكلمت نفسها حينها قائلة : إن هذا ربما رزقي أنزله لي ربي من السماء اليوم...!!! فكيف أضيعه ؟؟..تجاوبت معه في الحين وعرفته بنفسها كما فعل هو أيضا فيما قبل...طلب منهما أن يرافقانه إلى أقرب مقهى قرب الشاطيء لينهيا كلامهما. ويتكلمان بهدوء في كل التفاصيل الأخرى وبشكل دقيق جدا، والعمل على المزيد من التعرف على بعضهما البعض...عرف رشيد بأن سعاد أستاذة بوجدة ومن أسرة محافظة حاصلة على دبلوم الدراسات العليا في مادة الرياضيات..جاءت خلال هذه العطلة الصيفية عند خالتها أمينة المتواجدة بالحسيمة من أجل الاستجمام..شربوا قهوتهم تكلموا بما فيه الكفاية ..طلبت منه أن يعطيها مهلة كي تعيد التفكير مليا و تخبر خالتها وتناقش الموضوع مع عائلتها. وتبادلا أرقام هواتفهما ليضربا لهما موعدا في الغد. ما دام رشيد قد أشرفت زيارته للحسيمة على نهايتها...انطلقت سعاد مسرعة بعد توديعه والأرض لا تكاد تسعها من شدة الفرح رغم اتساعها..شعرت شعورا غريبا وجميلا في دواخلها..غمرتها سعادة لا تطاق ولا حد لها...ظلت صورة الفتى الوسيم تحملها في أعماقها... ما صدقت بأن نصيبها جاءها حتى وهي بعيدة عن أسرتها. سارعت الخطى أدلفت بجسمها الرشيق ، لما فتحت لها خالتها الباب..رأت أن هناك شيء جميل تحمله معها...بعدها نطقت باسمه ..سارعت في إخراج كل شيء عاشته لحظتها مع رشيد...خالتها كانت مهتمة بكل كلمة تتفوه بها... ولما انتهت من حكايتها سمعت خالتها تقول لها ألف مبروك عليك  يا ابنتي .وأتمنى من الله أن يكون من نصيبك وأن يسعدكما..لم تتمالك بعد سعاد أعصابها...شعورها ...أحاسيسها الجميلة وهي لا تدري ماذا ستفعل؟؟...فراحت تسأل خالتها..قلت لي مبروك..وكيف عرفت بأنني قد قبلت الزواج منه؟؟ أجابتها خالتها :فحالتك وكلامك يعبران أكثر من لسانك...حينها ردت سعاد : فعلا خالتي ..إن قلبي لم أشعر به يوما تحرك بعواطف جياشة مثل اليوم...لكن بهذه السرعة وهي تتساءل مع الخالة...أجابت الأستاذة : هناك خالتي مثل فرنسي يقول الحب لا يخبر عن وقت مجيئه...فعلا لا يعرف حقيقة ذلك إلا من تعلق قلبه بإنسان وعاش لحظات جميلة مما تقولينه يا ابنة أختي...أتمنى لك كل السعادة من قلبي...استشارة مع خالتها في باقي الخطوات التي يمكن أن تقدم عليها حتى إتمام هذه الرحلة لبر الأمان مع فارس أحلامها رشيد...أخبرتها خالتها بأنها تتكلف بأمها وتهاتفها في الموضوع لتعرف رأيها بعدما تتشاور مع والدك هذه الليلة ... وفي المساء وصل الخبر عاجلا إلى مدينة وجدة. وهناك جرى حديث آخر وبشكل مطول بين الأختين واتفقنا على أن سعاد هي الآن  في سن الزواج والأرزاق لا تأتي تباعا وهي فرصتها في الحياة : 

  • وإلى كان هذا الشاب ولد الناس مرحبا بيه عا خصنا نعرفوه ونعرفو عايلتوا قبل ما نوافقوا على هاذ الزواج.

نزل الخبر كقطعة ثلج باردة على قلب العاشقة التي ارتبط قلبها بسرعة فائقة جدا بالشاب الوسيم... ولم تنم ليلتها إلا في وقت متأخر من الليل، وهي قد بدأت في وضع جميع السيناريوهات المحتملة متمنية أن يكون من نصيبها في القريب العاجل... لم ترد أن تتصل به عبر هاتفه لأن هناك عدة أشياء كثيرة ما زالت تحتاج إلى ترتيبها مع نفسها قبل اتخاذ القرار الأخير... ظلت على حالها حتى غلبها النوم وهامت في أحلام وردية لنهاية قصتها مع رشيد في عالم الأحلام..


تزوجت سعاد في عالم الأحلام ، وكان رشيد من نصيبها ..بعدما تقدم لخطبتها وبحضور والديه إلى مدينة وجدة، بحيث يظهر عليهم الترف ونعيم الدنيا من خلال متاعهم ..سيارات ..ألبسة..هواتف نقالة باهظة الثمن. أحذية ... ساعات ذهبية ... ها هنا كل المظاهر تقول بأن أسرة رشيد ثرية جدا إن لم نقل عائلة فاسية من أصحاب المليارات .

وأقام لها زفافا حضره مشاهير الثقافة والفن والسينبما والمسرح والإعلام والسياسة ..كما أن الهدايا فاقت كل توقعات سعاد من ذهب وألماس وأواني فاخرة جدا..سعاد اليوم جد سعيدة. وفرحتها كبيرة بما تراه وتشاهده من نعيم دنيوي... نزل عليها فجأة من السماء.. كل أفراد أسرة سعاد حضروا لتهنئتها...الجميع يشاركها هذا الفرح..ستنتقل لتعيش في أحد الفيلات الفخمة بأحد الأحياء الفاسية الراقية ، لا يسكنه إلا أغنياء فاس منذ زمان بعيد...لم تكن تظن يوما بأن حظها سيكون هو ما تراه وتشاهده وتعيشه الآن...فهي تعيش ألف ليلة وليلة بكل تجلياتها و أحداثها... نعم تعيشها سعاد اليوم...وهي تقول في نفسها، هل أنا في حلم الآن لما أعيشه ؟؟ ولما  أراه  ؟؟ نعم إن الحظ لما يبتسم وينقلك من حال إلي حال، لتنعم بأشياء لم تكن في الحسبان... !!! سافرت سعاد ورشيد إلي إحدى دول شرق آسيا لقضاء شهر العسل وهي التي لم يسبق لها أن ركبت طائرة ولا سافرت خارج الوطن. واليوم تجد نفسها وقد نزلت في فندق سياحي رائع جدا ، ويتوفر على كل شيء يمتع البال والحال ...ازداد فرحها وارتباط قلبها بهذا الزوج الثري...الذي أحبها هو أيضا من كل قلبه...وجعل ثروته التي يملكها مع عائلته تتنعم بها هي كذلك ، وأمست واحدة من أفراد الأسرة... تمتعت سعاد بحياتها قرب زوجها في هذا الشهر بكامله وذاقت طعم السعادة وحلاوة الحياة والبذخ...وكل ما تطلبه أو تتفوه به تجده أمامها...عاد العروسان لفاس لإتمام الرحلة بالقرب من بعضهما البعض..فكر رشيد بكل الطرق كي يسهل عليها الانتقال لفاس ولتدرس بإحدى الثانويات التأهيلية القريبة من مسكنهما...اقترب الموسم الدراسي الجديد .. أحضر رشيد المفاجأة السارة لرفيقة عمره...انتقالها من وجدة إلى فاس...لتعيش قرب زوجها وتنعم بالاستقرار النفسي، وهي تحت سقف واحد مع فارس الأحلام...أضيفت فرحة الانتقال إلى الفرحة الكبرى المتمثلة في هذا النعيم والثراء الدنيوي الذي لا حد لها ... تتساءل سعاد وهي نائمة هل هي في حلم؟؟ أم ما تعيشه أمسى حقيقة تعيشها ابنة شارع الموحدين بوجدة التي كابد والدها الأمرين من أجل تربيتها هي وثمانية من إخوتها وأخواتها وهو سوى موظف بسيط في إحدى المقاطعات الإدارية بالمدينة...انطلقت السنة الدراسية الجديدة التحقت بالثانوية التي لا تبعد عن الفيلا إلا بكيلومترات معدودة، ويتكلف بإيصالها سائق الأسرة في سيارة خاصة ويعود إليها عندما تتصل به لتجده ينتظرها أمام الثانوية...وكلما خرجت أثارت انتباه و أنظار الحاضرين من تلاميذ وتلميذات وآباء وأساتذة وأستاذات . والسائق يفتح لها الباب الخلفي وهو بلباس أنيقة وينتظرها حتى تركب ليغلق الباب خلفها ،لتتحرك العجلات صوب سكناها وهي تعيش الآن عيشة الأمراء والأميرات بين عشية وضحاها ...قضت سعاد ثمانية سنوات كاملة وهي نائمة في العسل، تتلذذ بلحظاتها وسط حياة البذخ والترف..أنجبت لرشيد لمياء وعبد القدوس لم تعاني في تربيتهما ما دام لها خدم ومن يقوم بالرعاية والاهتمام بهما...المهم كما يقول العامة من أبناء الشعب في  هذه الحالة

       "متتغطش يديها في الماء..كلشي تيجيها بارد".


وبين عشية وضحاها انقلبت حياة سعاد 180درجة بسبب وفاة والد رشيد وقد تم تقسيم تركته فيما بعد بين إخوته وأخواته... وإفلاس شركة الإسمنت التي كان يسيرها وتراكمت الديون ...مما جعله يبيعها في المزاد العلني لتسديد ديونه.. ودفعه ذلك أيضا لبيع كل العقارات التي ورثها عن أبيه... بل أكثرمن ذلك باع الفيلا وانتقلت سعاد لتعيش في بيت متواضع هي وابنيها عبد القدوس ولمياء..ولم يبق رشيد يظهر له أثر إلا عبر زيارات خفيفة و خاطفة وهو يتظاهر بأنه مشغول وليست له وقت للبقاء...أو إنه مسافر للرباط أو الدار البيضاء لشغل ما...وهي طريقة للهروب بسبب الأزمة الخانقة التي يمر منها... وظلت سعاد في حيرة من أمرها... وكل الظروف التي تعيشها تنذر بقدوم العاصفة. وكل ذلك أمست تشعر به في دواخلها...وكذلك كان، لقد تغيرت معاملة رشيد لها بشكل مفاجيء وبدأ ينهرها ويسبها ويأتي في كل مرة إلى البيت سكران لا يقدر على ضبط حركاته والتحكم في نفسه..ومع توالي الشهور ومعاناة سعاد وابنيها مع هذه الأجواء المرعبة كلما قدم الزوج للبيت وهو في هذه الحالة...لتتطور الأمور للضرب والسب وتكسير كل ما يصادفه أمامه، مما جعل سعاد تفكر في إنهاء مشوار عذابها بطلب الطلاق من زوجها لأن حالتها النفسية تدهورت بشكل خطير، وبمساعدة والدها نالت سعاد حريتها وكان لا بد أن تفكر في نقل ابنيها عبد القدوس ولمياء عند جدهم بوجدة.

  

وإتمام حياتهما بشكل طبيعي وخروجهما من هذه الأجواء المرعبة التي أثرت في نفسيتها لا محالة...سعاد ستبقى تعيش لوحدها في شقة ريثما تحصل على انتقالها لتعود للمدينة التي احتضنتها وعرفت فيها الأمن والأمان...وتغادر مدينة فاس التي أمست كابوسا في حياتها...عاشت المسكينة ورضت بقسمتها...عاشت الوحدة بجل تمظهراتها...لا حبيب ولا قريب ولا من يطرق بابها ...وفي إحدى الليالي الباردة بفاس عادت لبيتها بعد إتمام حصة المساء بالثانوية...حملت معها ما تحتاجه  لوجبة عشائها كعادتها و أدلفت بجسمها المنهك من الباب لتتوجه مباشرة إلى المطبخ لتضع ما في يديها من طعام...وسمعت خشخشة ظننتها سوى قطة الجيران في السطح دون أن تليها أدنى اعتبار...رمت محفظتها جانب السرير لتغيير ثيابها والاستحمام لإزالة تعب وإرهاق العمل المضني . خاصة وسط حجرات الدرس الباردة وخاصة بالنسبة للمرأة ، وهي تدرس في إحدى الشعب العلمية وبأقسام الثانوية التأهيلية والتي تتطلب جهدا خاصا وتحمل كبير ومضاعف ...وبعدها هيأت لها إبريقا من القهوة تعيد من خلاله توازن ضغطها وهي تستمع لموسيقى هادئة تحبها منذ زمان الدراسة ...ألقت بجسدها المتعب على أريكة ببهو المنزل وأخذتها غفلة لم تستيقظ إلا على أذان صلاة العشاء ما دام المسجد قريب جدا من محل سكناها...قامت لتهيئ لها لقمة تسد بها رمقها خلال وجبة العشاء وتقوم بتهييء دروس الغد وتصحيح أوراق بعض الفروض ما دامت سعاد مخلصة في عملها. وجاءت لقطاع التعليم عن حب ورغبة ولها سمعة جيدة لما تبدله من تضحية ونكران للذات من أجل أبناء الشعب بثانويتها..ظلت ساهرة تلك الليلة وعم السكون ما عدا بعض المقاطع الموسيقية لعبد الهادي بلخياط في أغنيته المشهورة( قطار الحياة)..


سمعت خشخشة أخرى تحركت في سطح منزلها لكنها هذه المرة أحدثت صوتا مخيفا ...تجمدت في مكانها ...لعلها تنتظر الرعب الهابط عبر الدرج من السطح...تذكرت بأن باب السطح مقفل ولم يتم فتحه منذ طلاقها من زوجها رشيد...عم السكون مرة أخرى..!! أم هو ذاك السكون الذي تتبعه العاصفة.؟؟..المسكينة تمر بأحلك لحظات  في عمرها...فهي تتخيل بأن هناك مكروه قادم من الأعلى، لكنها لا تعرف لا شكله ولا لونه ولا مصدره.!!! أسئلة كثيرة في مثل هذه اللحظات تتصارع في دواخل سعاد...أجمعت قواها لتنهض هاربة نحو الباب ...لبست بسرعة فائقة ما صادفته أمامها من ثياب وهي ترتعش خوفا من خطر مبهم يهدد مصير حياتها ...تقدمت نحو الباب وهي تتسلل دون أن تحدث أي صوت، لتترك البيت وما فيه خلفها...ولتبحث لها عن معين أو من يقف معها مؤنسا حتى تتأكد من وراء هذا الصوت ...أم هي تخيلات أمست ترافقها بسبب عيشها في منزل واسع وكبير لوحدها...وضعت يدها حول مقبض الباب لتفتحه ويدها ترتعد من شدة الخوف...وفي تلك اللحظة وقع ما لم يكن في الحسبان.. يد من الخلف جمعت شعرها بقوة وجرته بقوة للخلف لتسقطها أرضا.. المسكينة يكاد قلبها يتوقف من شدة الخوف ...وهول ما وقع لها ...صاحت بكل ما أوتيت من قوة.. والليل قد أسدل سواده القاتم...وقد عم السكون القاتل في هذا الحي. ما دام الجو جد بارد في الخارج والناس يخلدون إلى النوم باكرا...رفعت رأسها لتعرف من يكون هذا الغريب الذي اقتحم عليها بيتها في غفلة منها...وكيف دخل؟؟ أو من أين نزل ؟؟ لكن المفاجأة الكبرى كانت أكبر مما كانت تظن...إنه زوجها رشيد عاد لينتقم منها لأنها طلقته بطريقتها الخاصة، وبعد إفلاسه شعر بالإهانة والدونية أمامها ...وعاد متسللا ويعنفها بطريقته الخاصة ...ظل يجرها في بهو المنزل وصراخها يكسر سكون الليل وبرودته..وهو يحمل سكينا طويلة في يده..ظنت المسكينة أنه يوم نهايتها..ظل يهددها بالسكين ويركلها في جميع أنحاء من جسمها..(فين ما جات الضربة) .لايهم !!تمالكت نفسها ...جمعت قواها...وقفت ..تماسكت ..كبقرة يتم جرها نحو المجزرة...ولم ترد أن تستسلم لمصيرها المحتوم..عليها أن تدافع عن روحها إلى آخر رمق من عمرها..زوجها رشيد بدأت تظهر عليه بعض علامات السكر..فهو الآن بدا يتمايل في وقفته وبالكاد يستطيع تعنيفها...جرته إلى الأرض من ثيابه...فقد توازنه..سقط على السكين..وبسرعة فائقة ..تلطخ المكان بالدماء...فتحت المسكينة الباب..والخوف يتبعها..جرت وسط الأزقة امرأة مجنونة فاقدة لوعيها.حتى الطاكسيات لم تتوقف لها...لمنظرها...لصياحها...وعويلها..ولم تنتبه لثيابها الملطخة بالدماء...فعلا إنه منظر مرعب جدا...لا يتصوره عقل بشري...قصدت المحطة...دلفت بجسمها في أول حافلة كانت خارجة من المدينة...لا تعرف إلى أين هي متجهة ؟؟ المهم عندها أن تشعر بالأمن...أن تهرب من الموت الذي تركته وراءها..في بيتها..لم يهتم بها أحد لأن أكثر المسافرين نائمون...حاولت أن تستر الدماء التي تظهر على ثيابها، حتى لا يفتضح أمرها...أخذت لها مكانا فارغا في الخلف.. انكمشت كقطة جائعة خائفة...وجمعت ركبتيها إلى صدرها وخلدت إلى النوم..وبعد ساعات قضتها نائمة في الحافلة لم يشعر بمرورها بسبب حالتها المضنية...أيقظها مساعد السائق، وطلب منها التذكرة. ردت عليه بأنها ركبت دون أن تدخل إلى المحطة...سألها عن المكان الذي ركبت منه . أجابته : من فاس. طلب منها أن تدفع له مقابل رحلتها إلى تازة وسلمها تذكرتها ...وطلبت منه أن تنزل الآن قبل وصولها إلى المدينة..تعجب الرجل لطلبها..!وفي هذا الظلام...قالت له لا يهم..أريد النزول هنا...فالموت تركته في فاس ...وبعدها طلب المساعد من السائق أن يتوقف...نزلت المسكينة في الطريق، وهي لا تعرف أين هي ؟؟ المهم عندها أن تهرب من ساعة الجحيم...رأت بناية وسط ضيعة بالقرب من الطريق الرئيسية.تسلقت الحائط نزلت لبهوه المكسو بنوع من أشجار المنطقة ...حامت حول البيت كالبلهاء، والذي يظهر أن فيه سكان .طرقت الباب لم يجبها أحد..


في هذا البيت امرأة مسنة تسكن لوحدها منذ سنين طوال ،ولم يسبق لأحد أن طرق بابها...استيقظت من سباتها...سمعت الطرقات مرة أخرى...شعرت المرأة بالخوف...تساءلت من سيطرق بابها في هذا الوقت المتأخر من الليل؟؟ لم تشعل الضوء حينها، خوفا من الخطر. رأت جسما يمر أمام الزجاج...تأكدت أن أحدا دخل ضيعتها...لم تعهد لصوصا ولا قطاع طرق ببلدتها... الكل ها هنا يعيش في أمن وسلام...ظلت المرأة العجوز تضرب الأخماس في الأسداس...لم ترد أن تزعج أولادها..كلهم تزوجوا و غادروها...ولا تدب الحركة في هذه الضيعة إلا صيفا،حيث يأتي أبناؤها وأحفادها ليقضوا عندها عطلة الصيف...وبعدها يعم السكون وتتوقف الحركة في محيط الضيعة... فلا طائر طائر. ويظن الغريب عن البلدة بأنها غير مسكونة أصلا...تشجعت العجوز.وخرجت ،حملقت بعينيها في جنبات المنزل.. لا أثر لوجود أي أدمي..رأت رمادا لنار قرب قبوها الذي تجمع فيه قشها...و بعض المتلاشيات والأغطية القديمة...فتحته...وتفاجأت..إنه جسم إنسان يفترش الكارتون وقد غطى نفسه ببطانية قديمة..تشجعت العجوز وهي تصيح في وجهه، وتحمل في يدها قضيبا من الحديد..انهض..انهض ...من تكون ؟؟ من سمح لك بأن تقتحم علي بيتي ليلا ؟؟رفعت الغطاء على رأسها...رأت العجوز وجها نسائيا جميلا و تعجبت ..تسمرت في مكانها ...سعاد أجهشت بالبكاء.مباشرة بعدها ..أحست العجوز بأن وراء ما تراه الآن  قصة غريبة، ويجب أن تعرف تفاصيلها ثم تحكم بعدها عن هذه المسكينة التي رمتها الأقدار لتصل إلى ضيعتها في هذا الوقت المتأخر من الليل والذي يشتد فيه البرد والصقيع..حكت لها قصتها بالتفصيل...هدأت العجوز من روعها..ضمتها إلى صدرها كأم ثانية لها...أدخلتها بيتها...لتعد لها الفطور...وتكرمها...وتطعمها...هيأت لها فطورا شهيا...وأتممت لها القصة وهي ترتعد...أكلت حتى شبعت...أدفأت جسمها...لكن المفاجأة ستأتي من العحوز... لما أخبرتها بأن لها حفيدها ضابطا بالشرطة القضائية بفاس. وسترافقها هناك كي تساعدها والوقوف إلى جانبها في محنتها..شعرت سعاد بشيء من الأمن والارتياح، وهي قرب هذه المرأة التي يظهر عليها الوقار...رافقتها لبيت حفيدها في نفس اليوم...تعجب الضابط و تساءل عن سبب زيارة جدته في هذا اليوم...ومن هذه المرأة بصحبتها ؟؟ وهو لا يعرفها...المهم تمت الزيارة و بعدما تناولوا وجبة الغذاء تم فتحت جدته الموضوع مع حفيدها الذي أخبرها بأنه لحسن حظ زوجها رشيد تم انقاذه في آخر لحظة من الموت..رغم كثرة الدماء التي فقدها جسمه...أخذها معه صحبة جدته إلى مركز الشرطة لإتمام البحث والإجراءات وكتابة التقرير الكامل لوكيل الملك محملا فيه المسؤولية القانونية لزوجها ، والهجوم عليها في بيتها بعد تطليقها وتعنيفها وتعريض حياتها للخطر... وبعدها وقعت على أقوالها ...وتم إرجاعها لبيتها وهي تقول في نفسها:حسبي الله ونعم الوكيل...وبعدها سيتم متابعة زوجها رهن الاعتقال بعدما تتحسن صحته... لتتم محاكمته فيما بعد بما نسب إليه خلال متابعته بملف ثقيل جدا، و كانت العقوبة ثقيلة ثقل جرم ما اقترفته يداه في حق هذه المسكينه التي عاشت هذا الكابوس قبل الزواج به وهي نائمة تتلوى في فراشها..ولما استيقظت من نومها تلمست وجهها وشعرت بالدموع تنزل من عينيها طيلة هذا الكابوس الطويل الذي جعلها تجزم بكل قواها العقلية على أن لا تفكر في زواج أو على الأقل لا تلتقي بهذا الشاب كيفما كانت الظروف والأحوال.. وقررت أن تكتب قصتها هذه وتحتفظ بها كذكرى من الذكريات بمدينة الحسيمة صيفا..!


تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى