الناقد والكاتب والشاعر المغربي صلاح بوسريف، إنه الإنسان الذي تشبع بفكر وثقافة اليسار في عالم الأدب وفنونه..! عبد الرحيم هريوى
▪️فهو لا يرى في اليسار توجها سياسيا بالمطلق كما يظنه البعض،بل هو تيار فكري و ثقافي وأدبي وفني لم ينزل من الفضاء،بل جاء نتيجة مخاض سياسي وثقافي وأيديولوجي عميق عاشوه في عصرهم،كنخب يسارية مثقفة ومتشبعة بلغة الحجاج والسؤال ويحملون قناعات فكرية بديلة لواقع مجتمعي وثقافي وسياسي ظلوا يعيشونه في زمن الجمر الرصاص،أما اليسار كتوجه سياسي مغربي بين قوسين فهو سوى اختيار من الاختيارات السياسية الحزبية والذي يتبدل حسب لغة المصالح و المواقع في المستقبل ولنا في حكومة التناوب والإخوان، كأكبر دليل منطقي وتاريخي على الواقع الحي..!؟!
إنه؛ ليس بالصدفة؛ ولن تكون كذلك من جانبي أبدا ، أي حينما أخوض في مثل هكذا كتابات في مواضيع أعتبرها خاصة، و أكثر من مهمة بالنسبة لي، بل يمكن أن نجيز القول، فنضعها في خانة المواضيع الشائكة ،وذلك لاعتبارات عدة منها المعرفية والثقافية الخالصة،لأن كثيرا من النقاط لم يحسم في أمرها بعد،وذلك لاختلاف الرؤى،واختلاف التوجهات الأدبية والتحليلية، واختلاف المصطلحات والمفاهيم نفسها، وما تحمله من أكثر من معنى ومفهوم كثيف، وذلك لعدم الاتفاق العام في مجال الترجمة لدى كل العرب، حينما يكون الأمر متعلقا بنظرية ما خارج محيطنا الجغرافي والتاريخي، أو في إطار ما هو حديث وجديد بالنسبة لثقافتنا الأدبية (الحداثة واشكالاتها مثلا ..!؟!) ونخص بالذكر ذاك الآخر، الذي اهتم بثراتنا الثقافي والأدبي الإنساني، وترجمه وحلله وناقشه، واستفاد منه أكثر من أهل الدار أنفسهم ألا وهو الغرب..! ومن ناب عنه في فترات معينة من المستشرقين ..!
▪️ مصطلح الشعر المنثور في العالم العربي مصطلح يحتاج إلى مراجعة لأن الفهم الخاطئ للمصطلح قد يؤدي إلى الفهم الخاطئ لمعناه،وهذا ناتج عن عدم التواصل بين الشعراء العرب في مسألة ترجمة المصطلحات،إذ ينبغي أن يكون هناك شبه إجماع بين الشعراء والباحثين العرب لقبول مصطلح ورفض آخر أو إحلال مصطلح محل آخر، فالقصيدة الواحدة تخضع لتصنيفات متعددة في كل من مجلة ((أبوللو )) ومجلة (( الرسالة)) ومجلة ((الأديب)) وهي أبرز المجلات الأدبية التي واكبت ظهور هذا الشعر المنثور وهذا مصطلح في العالم العربي مصطلح كثيف يحتاج إلى مراجعة..
الشعر المنثور والتحديث الشعري/حرية الخمليشي
▪️ بعد كل هذا الكلام الذي يعتبر بداية البداية ،فبيت القصيد عندنا هاهنا، هو مثقف وشاعر وكاتب وناقد مغربي جاء من اللاشئ،وقهر كل القهر أي شئ آخر أراد أن يحبطه في حياته مستقبلا، كي ينتصر لذاته ولفكره ولوعيه الشقي أولا ، ثم للشعر والقصيدة عموما ثانيا ، كأديب وشاعر عصره الحديث قلبا وقالبا..!!
إنه؛ الشاعر صالح بوسريف، الذي طرد من قسم الشهادة حينذاك، وهو طفل صغير لا ولم يفهم لماذا طرد أصلا،حينما نزل قانون وزاري من سماء الرباط فجأة، وشمله إلى جانب من كانوا في وضعيته الإدارية حينذاك، وحرموه كطفل مغربي صغير لأسباب يراها الآخرون بعيونهم لا بعيون أطفال زمانهم ،وها هنا تذكرت أبيات لجبران خليل جبران وهو يعطي للطفل العربي حقه في التربية والتعليم ويكتب بلغة عصره ويقول لأمثال هؤلاء بلغة الشعر المنثور ،اقتبسنا فيه هذه المقاطع :
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.
وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكم لأجسادكم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.
لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء, ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.
أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم.
▪️وبعد طرده ركب حافلة الحياة مع من يسافرون حتى آخر محطة مهما كلفه ذلك من تضحية وثمن، ولو كان السائق مزاجي وعصبي على حد قول محمود درويش..ويرسب صلاح أبوسريف في شهادة البكالوريا مرة ثانية، وما أدراك ما شهادة البكالوريا في زماننا الصعب والشاق للذكرى، وتلك فترته العصيبة و التي نكون قد عشنا محنتها العصيبة أجمعين..وكأنهم يريدون منا أن نكون خريجي المدارس العتيقة بهذا الوطن ، علماء الفقه يعني،وقد حشو عقولنا بدروس شاقة وطويلة، كانتقام منا بطريقة سريالية ما،ونحن ندرس كل شئ ولا شئ، و بمسافات كيلومترية طويلة جدا، وهذا" هو التعليم ولا فلا" وخاصة إذا ما كنت تلميذا شقيا في شعبة الآدب العصرية المزدوجة حينها، وتهضم ما لا تهضمه معدتك من اقتصاديات غربية وشرقية وتاريخ وجغرافيا ولغات أجنبية حية ورياضيات وهلم جرا ..والداخل منا لاجتياز امتحان الباكالوريا مفقود، والناجح فيها مولود ..وعلى سلامته حينما لا يصاب بالحمق والجنون،ويقولون حينذاك صطاتو البكالوريا وهو التائه بين فجوة جبلين مرتفعين ..!؟!
▪️نعم رسب الشاعر المقتدر صالح بوسريف في البكالوريا، وهو ما يزال ضمن ركاب "لوبيسLe Bus الكبير" ولا يأبى النزول حتى آخر محطة..وغضب غضبه الشديد.. ودَوَّنَ له أول قصيدة شعرية،بلغة الغضب والتحدي لكل الإكراهات تحت عنوان" لن أركع..! " وبالفعل صدق فيه قول المغاربة باللغة الدارجة :
(( يكون قد لسانك قد ذراعك ..! ))
سافر عبر حافلته المعلومة إلى العراق لإتمام دراسته الجامعية..
وسافر بعدها إلى جامعة فاس لنيل شهادة الدكتورة ..!
▪️ وهو الذي يجعل الحجر يتكلم، وينطق ويحتج ويتكلم لغة الشعر،الذي يجعل منه صلاح بوسريف هواءا يتنفسه..!
- وهو يراه في المستقبل وليس ها هنا في الحاضر..!
- وهو الذي يقول عن نفسه بأنه قد أتى من القديم،لأنه بنى ثقافته الأدبية من جذورها الأصلية.. مما جعله مؤهلا كي يعيد كتابة الأدب والشعر العربي بالخصوص بنظرة الألفية الثالثة..
- وهو الذي يرى بأن القصيدة الشعرية الحديثة يجب أن تلبس لباس عصرها، وتسافر عبر المدن الذكية في قرنها الواحد والعشرين..!
▪️نعم هو ذاك؛ الناقد المغربي صالح بوسريف المشاكس والقلم الشجاع و الجريء والغير مهادن، وصاحب قولة : الشعر المعاصر يأتينا من المستقبل،وصاحب التساؤلات الكبرى:
- وهل كتابات أدونيس قصيدة ..!؟؟!
- وهل كتابات عبد الله زريقة قصيدة..!؟!
- وهل كتابات أحمد بركات قصيدة..!؟!
- وهل كتابات محمد السرغيني قصيدة..!؟!
▪️وها هو اليوم يدعونا للدخول اليوم لما أسماه بالعمل الشعري الحديث في إطار الملحمات والدراما الشعرية.. وفي غياب هيمنة الصوت كمكون مركزي، ويبقى في مكانه كمساهم، وكعنصر من باقي العناصر المتناسقة في القصيدة.وتداخله كعنصر مع العناصر الأخرى كالسرد واللغة الشاعرية والحكاية والتخييل والاسترجاع والشعر والنثر.. وكل ذلك في تقاطعات بلورية أمام مرايا تعكس صورة ملتقطة للقصيدة الشعرية الحديثة..كما أنه يعتبر أن أهل مكة أدرى بشعابها من خلال اهتمامه بالقصيدة الشعرية المغربية دراسة وبحثا ونقدا سواء عبر الزمن الممتد إلى الخلف عبر محطات الأدب الكلاسيكي القديم أو إلى الأمام في عصر الشعر الحر وتداخل المفاهيم والمصطلحات التعريفية للقصيدة ،لأن جل الذين ينقدون القصيدة هم ليسوا بشعراء، أو جاؤوا من خارج القصيدة الشعرية ..لأن الشاعر هو الشخص الأكثر إنصاتا وتذوقا للشعر ونبضاته وعذوبته وحلاوته وتأثيره في النفوس العاشقة له..!!
تعليقات
إرسال تعليق