جريدة "المساء" الثلاثاء 07 يونيو 2022 رهان الثقافة والفنون صلاح بوسريف - توضيب وكتابة معانيد الشرقي


 جريدة "المساء" الثلاثاء 07 يونيو 2022

رهان الثقافة والفنون
صلاح بوسريف
رغم أننا مجتمع غير قاريء، أو أنَّ مجتمعنا، بالأحرى، دُفِع لأن ينشغل بسفاسف الأمور، وبحياة الفرجة والاستهلاك، وأن ينسى أنَّ دور الإنسان في الحياة، ليس أن يولد ليموت، ويُبذِّر وُجودَه، فقط، في أن يكسب المال ليعبث به، ويتهافت على رفاه الوجود، دون غيره مما هو أصل هذا الوجود، أو ما هو تعبير عن إقامتنا على الأرض، فالثقافة والمعرفة والفن، أو ما يمكن اختزاله في الجمال، بما فيه من دهشة ونشوة واكتشاف، تبقى هي خيارنا الوحيد في التنمية، وفي الرَّفاه نفسه، وفي بناء الإنسان، وتأهيله للانخراط في بناء المجتمع، ووضع المدينة في سياقها الثقافي الذي بدونه لا يمكن أن نقرأ، ولا أن نعرف ونفهم، ولا أن ننقذ أنفسنا من هذا الاضمحلال الذي ننساق خلفه.
تَصْرِف الدولة ثروات طائلة، فيما لا طائل منه. لا شيء تغيَّر. الإنسان استفحلت غطرسته وجهله، أصبح شرساً، قابلا للانفجار في وجه غيره لأتفه الأسباب. ما ينفي عنه صفة المُواطَنَة، التي تعني الحوار والإنصات، وتعني تبادل الرأي، مهما كان الخلاف، والتفكير في الحلول، بدل تأجيج المشاكل.
الاستثمار في العمارة والبناء، وفي تشييد الطرق والحدائق والمتنزهات، هو أحد شروط التمدُّن، لكن جوهر التمدُّن، هو الإنسان المثقف، الفنان، من يستغرقه التفكير، ينشغل بقضايا المجتمع، وبما يمكن أن تكون عليه السياسة من عقل يُفَكِّر، فعلاً وحقيقةً، في تدبير المدينة، وفي جعل الإنسان نبض المدينة وحياتَها، أو هو من يضخ في عروقها ما تحتاجه من شمس وهواء. وبقدر ما يكون الإنسان مواطِناً عاقلاً، بقدر ما تكون المدينة مرآة لهذا العقل اليقظ، المنشغل بابتكار الأفكار والبرامج والحلول، وبحلّ ما قد يعترض المدينة من ضيق في التَّنفُّس، أو من تشوُّهات، قد تكون سبباً في انهيارها، ما إن ينهار عقلها، أعني الإنسان الذي يُضْفِي عليها النشوة والحياة.
ما تزال الدولة، عندنا، حتَّى وهي تتكلَّم عن الثقافة، لا تمتلك تصوُّراً واضحاً لما تقصده بالثقافة، ولما تريده من الثقافة. بل إنَّ في بعض ما يصدر عن بعض المسؤولين في مواقع القرار السياسي أو الثقافي، من فهم للثقافة، ما لا يتجاوز المعنى العام للثقافة، وحصر الثقافة في قطاع دون غيره، دون توسيع أفق الثقافة، ليشمل التعليم، والإعلام، وليشمل المجتمع، بكل فضاءاته، وساحاته، بما في ذلك ملاعب كرة القدم، التي يبدو أنها شرعت في خلق جمهورها الذي بات بدوره، بين الفينة والأخرى، يرفع شعارات، تعكس، نوعاً من الوعي بمشكلات المجتمع، أو ما فاض من هذه المشكلات، وصار بادياً للعيان.
فالثقافة ليست مُناسبة، ولا هي مهرجان، أو حفل غناء ورقص، أو أنشطة تجري في قاعات مغلقة، ولا هي حتَّى معرضاً سنوياً للكُتُب. الثقافة هي طريقة في التفكير، هي تغيير الأذهان والعقول، وهي أن يعرف الإنسان نفسه بنفسه، بما يمتلكه من وعي بنفسه، وبعلاقته بغيره، ممن يعيش معهم، أو يعيشون معه، ومن هم من ثقافات وحضارات ولغات أخرى، في سياق رؤية كونية، تفتح عينه أكثر على شكل الإقامة الذي يحكم وجوده على الأرض. والسياسة، بهذا المعنى، تكون محكومة بهذا الوعي، لا أن تكون آلةً، أو أداةً في يد الحاكم يستعملها ضِدّ الإنسان، وضِدّ المجتمع، أو في ما يخدم سلطانه، بل تكون فكراً وخيالاً، يخدم المدينة، يُنمِّيها، يخلق فيها أسباب الحياة، وأسباب الرَّفاه والثراء، لا بالمال والثروة، فقط، بل بالعقل والفكر والفن والخيال، أي بما يُوسِّع الأفق الإنساني للمدينة، لا أن تتحوَّل المدينة إلى غابة، والإنسان إلى حيوان ضارٍ، يفتك ببعضه البعض، وتصير المدينة، بما يعتريها من تشاحُن وتوتُّر وعنف، ساحةَ حرب، الهدنة فيها، استعداد لحروب قادمة، لا مَحالةَ.
لا نختزل الثقافة في وزارة، أو في وزير، أو في إدارة، أو في مدير، أو في جمعية، أو جماعة من الناس، أو مجلة، أو في كتاب، الثقافة أوسع من أن نضعها في قارورة ونُغْلِق عليها، لأن الثقافة، ببساطة، ودون الدخول في المعاني التي تحتملها، بما فيها المعنى الأنثربولوجي للثقافة، هي ما نتشرَّبُه من هواء، وهي مجموع القيم التي نخلقها نحن، من نعيش في المدينة، وهي الإنسان نفسه، وهو يُدِير شؤون المدينة، يخلق فيها فضاءات للثقافة والفنون، وللعمارة والمسرح والسينما، بما في ذلك فضاءات المدرسة والجامعة، والإدارة والمصنع، لتكون، فعلاً، مدينة فاضلة، لا بالمعنى الأفلاطوني، بل بالمعنى الثقافي الذي هو أسمى معاني الوجود، وأرقاها، وهو المعنى الذي به صانت الأرض استمرارها، وما عرفته من عمران، كان من نتائجه، ما بلغناه من علوم ومعارف وتقنيات، ومن فُرَص للتواصل، غير مسبوقة في وجود الإنسان على الأرض.

تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى