مع سبق الإصرار والترصد نورالدين بنصالح زرفاوي خريبكة - المغرب
مع سبق الإصرار والترصد
نورالدين بنصالح زرفاوي
خريبكة - المغرب
أعياه التسكع، فانزوى أخيرا إلى ظل شجرة يلهث من التعب والعطش..يتأمل المارة حوله بنظرات حانقة.. لكن ما إن لمحها تتمشى وحيدة فوق الرصيف، حتى سرى في جسده نشاط مباغث.. لقد أيقن في قرارة نفسه أنها لن تكون إلَّأ غنيمة سهلة.. "همزة اليوم" حسب قاموسه الخاص.. بنظرة سريعة تفقَّد عقدة خيطي حذائه الرياضي المتآكل، كأنه يستعد لسباق المسافات الطويلة.. ثمَّ أسرع يتعقب خطاها، ويترصد حركاتها بدقة.. " يقينا إنها امرأة ميسورة، فعلامات الرخاء والثراء عليها بادية واضحة: هيأة محترمة، رغم مسحة الحزن والإنهاك التي تعلو محياها.. الهندام وقار وحشمة وأناقة.. أما الحقيبة إلى الكتف، فلا يمكن إلا أن تحوي ثروة.. وحتى إذا جازف وأقدم على تنفيذ فكرته الشيطانية، فإنها لن تستطيع اللحاق به لأنها - كما يبدو للعين المجردة - امرأة متعبة، منهكة، وشيئا ما هي مسرفة في البدانة "!!.. هكذا خمَّن.
" هم هكذا الأثرياء جشعون.. في الأكل، بل في كل شيء هم مسرفون"!!.. بهذا همس لنفسه، وحنقٌ شديد يعتمل في صدره زاده إصرارا وتمسكا بخطته الجهنمية.
وعندما غادرت المرأة الشارع الرئيس تفرُّ من جحيم الضجيج، واختناق المرور.. وسارت متوغلة في زقاق جانبي تلتمس هدوءاً،وهواءاً نقياً.. تحسّس سكينه تحت قميصه، كأنما ليستيقن من وجوده.. ثم، فجأة، انتصب قبالتها وكأنه انبجس من فراغ.. مرعوبة، تمتمت متوسلة:
- أعوذ بالله منك إن كنت بشراً تقيّاً!!..
رمقها بنظرات قاسية.. ارتعدت فرائصها كصبية.. وباصفرار الموتى اصطبغ وجهها.. لاحظ أنها في عمر أمه.. تذكر جليّاً ملامح أمه البئيسة، هو الذي لا يُعرَفُ له أب.. غلى الدم في عروقه، فهمس لنفسه: " لتذهب كل أمهات وآباء العالم إلى الجحيم "!!.. ثمَّ أقبل ينفذ جريمته.. بخطوات واثقة متوثبة، دنا منها أكثر.. وبخفّة تنمُّ عن احترافية وطول خبرة، استلَّ من حزامه سكّيناً لمع نصله تحت وهج شمس الظهيرة.. جفَّ حلقها، وتجمّدت شفتاها.. ارتجَّت الأرض، ودارت تحت قدميها.. شهقت.. ثم سقطت أرضا جثّة هامدة..
انتشل الحقيبة، ولاذ بالفرار..
وعندما أصبح في مأمن، انبرى متلهفاً يستطلع الغنيمة: علب دواء، وحزمة أوراق بوصفات طبية ونتائج تحاليل كيميائية.. وموعداً قريباً بإجراء عملية جراحية.
رمى الحقيبة جانباً، ثم تابع الطريق وكأن شيئا لم يحدث..
تعليقات
إرسال تعليق