الفراق الحزين ..!! / قصة قصيرة / بقلم الكاتب /عبد الرحيم هريوى
الفراق الحزين ..!!
/ قصة قصيرة /
بقلم الكاتب /عبد الرحيم هريوى
عبد المعطي رجل بدوي يهوى القنص منذ زمن بعيد، وقد عايش الاستعمار الفرنسي لمنطقته، وظل يشتغل مع الفرنسيين بالمنجم، و قد كان يصاحبهم للغابات والجبال المجاورة للمدينة لممارسة القنص، و تعتبر هوايتهم المفضلة في نهاية كل أسبوع .. للترفيه عن أنفسهم وتجديد نشاطهم بعد أسبوع من الكد والعمل الشاق بالمنجم، و كان عادة ما يبهرهم بمهاراته في التسديد وإطلاق النار، فنادرا جدا ما كان يخطيء طريدته..أحبوه،وأحبوا صداقته..أدمجوه معهم في مجموعتهم حتى أمسى عضوا رئيسيا داخل الفريق الفرنسي..إنه المغربي الوحيد الذي يرافقهم كلما حطوا الرحال بأحد الأماكن التي يكثر فيها الوحيش..فازدادت ثقتهم فيه فأهداه أحد أصدقائه ستيفن كلبته الرومية (بيشة) المدربة جيدا على القنص، والتي تتوفر على قوة خارقة في الشم، واتباع أثر الطرائد لإخراجها من مخابئها بين كومات الحشائش أو الحجر..فرح صاحبنا بكلبته (الرومية) وحملها أمامه فوق دراجته النارية ( ساش)..أخضر اللون،وكان هذا النوع من الدراجات النارية جد معروف في زمانه..جلست الكلبة بيشة متسمرة،ولم تحرك ساكنا... وكأنها راضية عن وضعها الجديد..فبيشة الكلبة الرومية،والبيضاوية اللون، المرقطة ( بطبات ) صغيرة في أماكن مختلفة من جسمها، تميل شيء ما إلى البني المفتوح و بأذنين طويلتين و متدليتين نحو الأسفل،و كلما تحركت تزيدانها جاذبية وجمالا لناظرها..أو لمن يراها لأول مرة..!
عاد عبد المعطي لمسكنه، فرحا بهديته الفريدة من نوعها و الغير منتظرة.. فعند وصوله احتشد سكان الدوار حوله لرؤيتها..سأله أحد الجيران
ما اسمها؟
أجابه صاحبنا بكل افتخار:
اسمها بيشة. وهي كلبة فرنسي.
فأخذ كل واحد منهم ينادي عليها باسمها، وسرعان ما توجه نحو المكان الذي تسمع منه النداء..فتعجب القوم لتجاوبها الكبير معهم..يا عجبا..إنها تعرف اسمها جيدا(بيشة فياه إسي ) ناداها صاحبنا بلغة موليير،فتسمرت بالقرب منه و لعلها شعرت حينذاك بانقباض شديد، لما أصبح كل واحد منهم يناديها باسمها ومن أكثر من جهة.لذلك ربما فهم عبد المعطي من حركتها أنها غير راضية عن هذه المعاملة التي لم تألفها فيما سبق، وفي إحدى اللحظات ظهرت عليها علامة الغضب، فأدخلت رأسها بين يدي عبد المعطي، فمسح على رأسها و مرر يديه على ظهرها الناعم ثم حركت ذيلها بقوة، وجلست جلستها المعتاده بعد أن أثنت قائمتيها الخلفيتين، نبحت..نبحت بكل قواها ثم انفض الجمع..تركوا صاحبنا لوحده مع كلبته الرومية( بيشة ) فعلا إنهم لم يعهدوا مثل هذا السلوك المتحضر عند فصيلة من الكلاب التي تتواجد عندهم في الدوار منذ سنين وعقود..!!
أدخلها عبد المعطي إلى وسط حوش بمسكنه البدوي المتواضع،وربطها بحزام جلدي كان معلقا في عنقها.و وضع أمامها صحنا مملوءا بالطعام عربون على حسن الضيافة والاستقبال،ولعلها تستعد من الآن فصاعدا على نوع من الأطعمة التي ربما لن تروقها، وهي التي تعودت على الأكل الرطب عند الفرنسي "ستيفن " منذ صغرها،لم تقترب إطلاقا من الصحن، و لم يرقها ما قدم إليها من طعام.لكن عبد المعطي كان له رأيه الآخر.تقدم نحوها قائلا :
-( هاد شي لي عطا الله...كوليه ولا خليه)..!!
حينها نبحت و نبحت و نبحت..و هي تحتج،وبعدها شرعت في جر الحبل الذي تم ربطها به بكل ما أوتيت من قوة..انصرف صاحبنا وتركها على حالها حتى يهدأ روعها،وتقبل بوضعها الجديد..فظلت طيلة الليل تنبح، ولم تتوقف إلا عندما انقضى جهدها..وقد بقيت على تلك الحالة حتى صباح اليوم الموالي..!!
في صباح الغد؛تركها صاحبنا مربوطة إلى وتد وأمر زوجته " رقية" بأن تطعمها وتقدم لها الماء وتغلق الباب حتى لا يدخل عليها أي أحد من الجيران، ويزعجها ..التقى بأصدقائه بالمنجم وسألوه عنها. فبدأ يحكي لهم عن حالها..
عن غضبها..عن نباحها..عن وعن..!!
تألم " ستيفن " لحالها..ندم ندمه الشديد، لكنه لم يقدر أن يتراجع في كلامه، و يطلب من صديقه عبد المعطي إرجاعها إليه..لكنه، سالت دمعتين سريعتين على خديه..!
-قال بلغته الفرنسية:
(مَاوْ بُوفَرْ بيشة..!! ).
وبعد هنيهة ركب سيارته وغادر المنجم دون أن يعرف أحد وجهته..لكنه عاد،بعد وقت ليس بالقصير..ونادى على صديقه عبد المعطي،وهو مازال في سيارته..اقترب منه ودار حوار قصير بينهما.وبعدها خرج وتوجه خلف سيارته، وأخرج صندوقا أسود اللون،ومده إلى عبد المعطي،وبعدها ربطه جيدا خلف دراجته النارية (سَاشْ) ثم تحرك مسرعا نحو بيته..لماوصل طل على كلبته لتقصي أحوالها..!
- حكت له زوجته ،عن أشياء وكل الأشياء..!
- كلبتك هاته لاتريد أكلنا..!
- كلبتك لاتريد أي شيء..!
- كلبتك..وكلبتك..!
وبعدها فتح الصندوق ومدها بأكلها الخاص الذي تعودت عليه عند "ستيفن " وهي جروة صغيرة،فلا يمكن أن تنسى عالمها القديم الذي تربت بين أحضانه بين عشية وضحاها..والطبع يغلب التطبع..كلمات قالها عبد المعطي وهو يعطيها أكلها الذي (هبطت عليه عمياء من شدة الجوع)..!!
-مسكينة بيشة لم تقدر على أكل(الحرفي) (قلبها رطب..!!).
- تبسمت زوجته ضاحكة، تم قالت :
( ومالك على هاذ الحالة أمعيطي..ربيت حتى ولادك بقاو ليك عا لكلاب) لم يهتم بكلامها،ولم ينبس ببنت شفة،لأنه يعرف أن زوجته بعيدة كل البعد عن عالمه الذي يعيشه لوحده..وحبه الشديد بالقنص وكل شيء يرتبط به..وبمرور الشهور بدأت بيشة تألف عالمها الجديد،وأخذت تتناسى عالمها الفرنسي القديم..ليتم دمجها شيء فشيء،بدأت تتعودعلى الوجوه القريبة منها..وذات مرة أخذها عبد المعطي صحبته إلى منطقة الحلاسة بالمراح لحرش والقريبة من البلدة فراقها المنظر..!!وكانت تجري خلفه كطفل صغير خرج من توه إلى عالمه الذي يحبه..وكلما اقتربت من سدرة أو عوسج نبحت حتى تطير سمانة من هنا أو هناك وبسرعة البرق ينزلها صاحبنا عند أول طلقة..بيشة في هذه اللحظات بالذات تراها جد سعيدة لأنها عادت إلى عالمها الطبيعي الذي شعرت بالوحشة واللوعة عند فراقه..!!
إنها جد سعيدة..!!
نعم؛ جد سعيدة لحالها،إنها تقفز كالغزال في هذا الفضاء الرحب الذي لا يحده البصر،ولا توجد فيه مساكن بل خيام منصوبة هنا وهناك (لعزيب) لبعض الرعاة الرحل الذين يعجبهم صوت الرصاص..وتساقط الطرائد من الفضاء..وجرى كلاب الصيد نحوها لحملها للقناص..!!
ألفت بيشة عبد المعطي وألفها..إنهاالآن،قد نسيت نهائيا " ستيفن " ونالت حريتها وأصبحت مشهورة في الدوار الصغير باسمها المعهود..الكل يعرف بيشة..وبيشة تعرف جميع ساكنة الدوار..فتراها تقفزمع هذا وتطارد ذاك،وترتمي وسط حقول الشعير الطويلة،فلا يظهر لها أثر إلابعدماتخرج من جهة من جهاته وهي تلهث، فيشدك منظرها الرائع والجميل،لا تتمالك نفسك إلاوأنت تصيح:
- بيشة،بيشة، بيشة..!!
- وكأنك تنادي على شخص تحبه بصدق ..!!
بيشة تعودت على الذهاب مع عبد المعطي رفقة أصدقائه الجدد،وكلهم من نفس البلدة،بعدماغادر الفرنسيون المنجم،وعادوا إلى بلدهم..وكم ألحوا على عبد المعطي بأن يهاجرمعهم إلى الديارالفرنسية،لكنه رفض لأنه كان يحب أرضه الطيبة التي ترعرع وكبر فيها، ولا يستطيع فراقها إلابعد الموت..!!
كان الرفاق الثلاثةيتوجهون إلى جبال بني ملال، نواحي بني عياط بواسطة سيارة من( نوع سيمكا طالبو) للحاج الصالح،ولايعودون من رحلة الصيد إلامساءيوم الأحد،وكانت بيشة دائما في رفقتهم..وكانواعادة ماينهون رحلتهم بمقربة من نخلة طويلة لهاتاريخ قديم بتلك البلدة..وكلما توقفت السيارة راقبها أبناؤهم،وهم في حديث فيمابينهم..
- عن كم عدد الطرائد التي تم قنصها..؟!؟
- وكم سيكون من نصيب كل واحد منهم..؟!؟
- وهل لنا نصيب من الأرانب البرية اللذيذة هذه المرة..!؟!
ويبقون على هذه الحالةحتى يقتربامنهم.إنهما عبد المعطي وابن عمه،وهما يضعان بنذقيتيهما على كتفيهما وقد تمنطقا بأحزمة من الرصاص وكل واحدمنهما يحمل نصيبه من الطرائد.أرانب أم حجل أم هما معا..وبيشة المسكينة تجري بكل ماأوتيت من قوة،تسبقهمابمسافة طويلة.وحين تجد نفسها قد ابتعدت عنهما،تعودمسرعة إليهما..وهذاهوحالها حتى الوصول إلى الدوار..!
مسكينةبيشة،أصبحت لاتفارق عبدالمعطي،فكان كلمالبس لباس العمل متجها إلى المنجم تبدأ تنبح عليه.تظن أنه خارج لتوه إلى القنص وتاركها وراءه،ولما يركب دراجته النارية،تتبعه كبلهاء من الخلف تجري وراءه،ممايجعله يزيد من سرعته حتى ترجع إلى البيت،لكنها تبقى على حالها حتى يختفى،ولم يبق يظهر له أي أثر، فتعود المسكينة حزينة كئيبةولم يبق لهاسوى البكاء.وتعودكي تنتظره.وقدلايعود من العمل إلا في وقت متأخر من الليل.وكم من دراجة نارية تمر بالقرب من البيت ولا تعيرها أي اهتمام يذكر.لكنها لما تسمع صوت دراجته النارية،وهي ما زالت بعيدة ترتمي على الباب وتبدأ في فتح (الزكروم) وكأنها تقول للجميع إنه عبد المعطي،إنه عبد المعطي.افتحوا له الباب،إنه قدجاء.وما هي إلا دقائق معدودة حتى تتوقف دراجته النارية(ساش) فيزداد نباحها.ولما يدخل تبدأترحب به بطريقتها الخاصة،وهي تحوم حوله وتشم له في ثيابه، ولايهدأ لها بال، إلا بعدما يمسح على رأسهاويمرر يده على ظهرها، وبعدها تجلس جلستها المعتادة بثني قائمتيها الخلفيتين والقعودعليهما مثل أي كائن طيب وحنون.و يظهرذلك في نظراتهالكل من حولها..بيشة السلوقية المعروفة عند جميع القناصة،أصدقاء عبدالمعطي بقوة صبرهاوتحملهاالمشاق،وقوة انضباطها طيلة رحلات الصيد التي صاحبتهم فيها إلى الجبال الوعرةوالغابات الموحشة..الكل يحب بيشة صغارا وكبارا.نساءوأطفالا،لأنهاصارت تشاركهم حياتهم، لكن الويل ثم الويل لمن اعتدى على أحد أفراد عائلة عبد المعطي في غيابه،فهي تهاجم بكل ما أوتيت من قوة،فتبدأ بالنباح وإذا ما استمر الخصم في عناده انقضت عليه وجذبته بقوة بأسنانها مما يحدث له فزعا داخليا وخوفا شديدا من غضبها، الذي يبدأ في تصاعد حسب الموقف ،لأنها قد تلجأ إلى أكثر من طريقة لتخويف خصمها حتى يفربجلده سالمامن ردة فعلها..وفي مثل هذه المواقف لا تهدأ إلا عندما ترى أحد أبناء أوبنات عائلة عبد المعطي يهدئ من روعها..ولاتهاب الخصم حتى ولولجأ إلى تخويفها وطردها سواء برشقها بالحجارة أو ضربها بقدمه ،إنها تحافظ على وضعيتها الهجومية ولا تتراجع أبدا حتى يتحقق مرادها..!!
وفي رحلة صيد ما إلى أيت عتاب بنواحي بني ملال،رافقت صاحبها،بمعيةرفاقه المعروفين،والذين اعتادوا الخروج معه،كل نهاية أسبوع للقنص.. وكانت هذه الرحلة جد متعبةوشاقة..جرت بيشة لساعات طوال بين أحجار الجبال ووعورتها..وكانت الحرارة جد مفرطة،مما جعلهم يستهلكون كميات كبيرة من الماء..ولما اشتد عطش ببيشة لم يجدوا لها ماء تروي به ظمأها و هم بين الجبال الموحشة..تعبت بيشة المسكينة تعبا شديدا،وبدأت تفقد توازنها وقوتها..مرت ساعات طويلة على بيشة وصاحبها،كأنها الدهر..فكر صاحبنا وأرثى لحالها،حملها بين يديه كطفل صغير..مشى بها،وهو يحضنهاوسط يديه كتحفة ناذرة ،لايريدها أن تسقط،أوتضيع في غفلة منه،أوأن تصاب بمكروه لاقدر الله..ظل يتماسك نفسه، وهي بين أحضانه، وفي كل مرة ينظر إليها وينبس باسمها لتقاوم العطش..انهارت قواه،كماانهارت قواهاكذلك..!! لاطاقةلهاالآن،وضعهاأرضا وأجهش البكاءكطفل صغيرضاع منه شيء عزيز على نفسه.لكنه لم ييئس ولم يتسرب ذلك إلى دواخله..انتفض كالمجنون وحملها على كتفيه،كماكان يفعل لأطفاله الصغار،لكنه لم يستطع مواصلة السير،انهارت قواه تماما هو الآخر كما انهارت قواها من قبله.استسلم للأمر الواقع،ووضعها أرضاوبدأ يتأملها بعينين دامعتين..!
-مهزوما..!!
-منكسر الفؤاد..!! ليس بيده حيلة..!! وكأنه جندي في ساحة الغوى يرى صديقه الحميم ينزف وينزف وحان وقت احتضاره،ولم يستطع أن يفعل له أي شيء لينقذه..إنه مشهد دراماتيكي بكل المقاييس..إنه مشهد حزين..حزين جدا، تراه قد التصق بالذاكرة التصاقا، ولن تمحيه السنين..ابتعد عنه رفاقه كثيرا.. مما جعلهم ينتظرونه طويلا،فظنوا أن مكروها ما قد وقع لسلوقيته بيشة، بعدما عرفواأنها في حاجة إلى الماء وعلى صاحبنا عبد المعطي أن يترحم عليها ولا يتعبها أكثر، مما تعانيه ريثما يقتربون من بعض الدواوير ليسقوهاماء،وتسترجع بعض قوتها المنهارة من جديد..قطعوا مسافة ليست بالقصيرة..لاح لهم من بعيد وهوجالس على صخرة،فازدادت شكوكهم بأن هناك مكروها ما قدوقع لبيشة..وما هي إلا برهة حتى أحاطوابه وهويضع يديه على خديه..يخفي دموعه حزنا وكمدا على فراق السلوقية التي ظلت مخلصة له في غيابه وحضوره..وصارت واحدة من عائلته ..وكله تساؤلات..!
-كيف سيعود اليوم إلى بيته في غيابها..!؟؟.
- كيف سيتلقى أبناؤه الخبر..؟!؟
- هل يتهمونه بأنه قد كان السبب في موتها ..!؟؟
- هل يصدقونه حقا بأن بيشة لم تقدر على تحمل العطش..!؟؟
- هل حقا انهارت بكل هذه السرعة، وهي السلوقية التي ليس لها شبيه يذكر بين فصيلتها..!؟؟
- وهل وهل وهل؟
رفع رأسه وعض على شفتيه وهو يحرك رأسه،وأصدقاؤه لم يجدوا كلاما مناسبا لحظتها.فكل العبارات و المواساة لن تجدي نفعا..وقف ..تنهد بعمق شديد لعله يجمع قواه المنهار..
-قال لأصحابه:
ساعدوني على دفنها.
حفروا لها حفرة وقطعوا أغصانا من شجر اللوز و غطوها بالكامل،وبعدها وضعوا عليها كومة من الأحجار.ودع الجميع بيشة الوداع الأخير..
لقد رحلت السلوقية بيشة، لكن ذكرياتها الجميلة ستبقى للتاريخ يحكيها الأجداد لأحفادهم بدوار أولابلة..رجع عبد المعطي مع رفاقه مساء إلى المكان المعتاد تحت النخلة الطويلة..لكن هذه المرة بقلوب منكسرة..انتظرهم أبناؤهم وكلهم أملا في أن تكون الحصة كبيرة من الطرائد لكل قناص منهم ..اقترب عبد المعطي من بيته وأبناِؤه أمام الحائط في لهفة لملاقاته..اقترب أكثر لكن السلوقية بيشة من عادتها،أنها تظهر لهم من بعيد، بل تقترب من البيت تم تعود تجري نحوه وسط حقول القمح والشعير، كإعلان منها عن قدومهم بسلام..وصل عبدالمعطي ولم تنبس شفتيه بأية كلمة..!!
لم يسلم على أحد ..لم ولم ولم.. لربما بسلوكه يريد أن يبلغ للجميع الخبر السيئ بطريقته..تقدمت زوجته تشكيه إحدى بناته في غيابه..ثاروهاج وماج واستشاط غضبا ضربها بقبضة البندقية حتى أسقطها أرضا..عم السكون والخوف في البيت..صاح كالمجنون حتى سمعه الجيران
بيشة ماتت..بيشة ماتت ..ماتت المسكينة من شدة العطش لم نجد لها ماء...بكى أطفاله الصغار..عم الحزن البيت كله..!
قالت الأم تهدئ من روعه :
هذا قدر الله وقدره،لا مسؤولية لك فيما وقع لها..كلنا كنا نحبها،لأنها أصبحت واحدة منا لطول تواجدها بيننا..!
نعم؛ لقد ماتت السلوقية بيشة .. الكلبة الرومية بين أحضان الطبيعة التي كانت تحبها ..!!
جميل رغم النهاية المفعمة بالحزن والأسى.
ردحذف