سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى /الدار البيضاء اليوم/المغرب



سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. 

بقلم عبد الرحيم هريوى

سي محمد خرميز الوزاني وٱبنه السيد حسن..

هما من أبناء هذه المدينة الفوسفاطية خريبكة ..!!


اليوم، ها هنا بالمدينة الباردة بطقسها وطقوسها، و الهائمة الشاردة في سكونها وصمتها
تحصي أيامها الخوالي كإنسان متعب أجهده الزمان واقتنع بأنه لا أمل في الغد المنتظر..!؟!

- فذاك  مصير محتوم مهما طال الزمان..!؟!

وسط الصمت والضجر وتطاول الإسمنت  تهت بنفسي هاربا من برودة الجدران إلى برودة أخرى،لعلها تكون هي الأخرى أشد بين الزقاق والمنعرجات وأشياء كثيرة لا تريح البصر..تهت ماشيا بين هكذا محطات هنا وهناك، أبحث لي عن ذكريات لأماكن معلومة،كنت أقصدها في زمان قد مات ، ولعلي أعيد تشغيل تفكيري بأشياء فيها مرت، قد تكون جميلة بمعنى ما ،من ذاك الماضي السحيق..!؟!

وبالصدفة تذكرت صورة لإنسان طيب ظل يرافقنا في زمان المقهى والسيجارة، والجلوس المقيم و الطويل لساعات، وسط ضباب كثيف من الدخان لأنواع من التبغ المحروق، و الذي نكون قد ألفناه، وألفنا روائحه الكريهة برضى، سواء في فضاءاتنا أوفي ثيابنا وأجسامنا،حتى أننا صرنا لما صرنا إليه من الإدمان،لا نتوقف إلا ونحن بمقهى الزهور في زمان الزهور الذي جلها قد اصفر وذبل أو تاه به الزمان أو رحل عنها ومات، إنها المقهى الذكرى، المتواجدة بشارع مولاي يوسف، قبالة مقهى الأطلس،والتي كان روادها من كل الفئات المجتمعية من الطبقة المتوسطة حينذاك، بحيث هناك من يأتي إليها طيلة النهار أو مباشرة من الإدارة أو المعمل أوالقسم أو المستشفى .. للتواصل مع الرفاق والأصدقاء سواء كانوا من الحزب أوالنقابة أو الثقافة أوالصحافة والإعلام..وهناك منهم ومن يأتي ليقرأ الجرائد اليومية مجانا،أوينتظر من يدفع عنه ثمن قهوته بطريقة من الطرق،وهناك كذلك من يجاسك في ٱنتظار أن يعزلك بمفردك كي ينقض عليك، بدعوى أنه يحتاج لقدر من مال، ريثما يتوصل بحوالة من ولده، أو رابيل ينتظره..وهو في الطريق خلال الأشهر القادمة..وكلها شباك صيد، إن لم تكن من أصحاب مراكب الصيد المحترفين بعالم هذه المقهى ،ستصيرت بالطبع لقمة صائغة له..!

- وإن أعطيته سلفة من ما هو قد طلبه، فٱعلم أنه لن يسددها لك أبد الدهر..!

- لما تعلم بأنك الضحية العاشرة، ولست ولن تكون بالأخير..!

- ولن تكون سوى رقما جديدا ضمن عدد لائحة طويلة، ممن تمت تصفيتهم بطريقة من الطرق الشيطانية..من طرف أمثال هؤلاء الأصدقاء العابرون بمقهى الزهور..!

- وهناك منهم من يوقع، بتواجده كي يطلق عنان أذنيه كي يسمع لما يتم ترويجه من مواضيع شتى، وما يناقشونه هؤلاء المناضلون والمناضلات حينما يتجمعون في نقاشهم المستفيض، وحول ما يقولونه عن الوضع الاجتماعي المتأزم..!

وهناك أيضا وجه من الوجوه الطلقة ، والذي يطل علينا في كل وقت وحين وهو يسلم على الوجوه المناضلة التي تتعامل معه وتعرفه بالاسم..!

وما أن يلج وسط ذاك الضجيج الصاخب والضباب الكثيف الذي يحول الأوكسجين إلى أنواع من الروائح المختلطة تزكم الأنوف بالمقهى المعلوم إلا وأنت تسمع ٱسمه يتكرر من أكثر من جهة..!

- هم يريدون أن يحصلوا على ما يتأبطه في كل صباح ومساء من الشبكات للكلمات المتقاطعة، لكل من الشريف الإدريسي وأبي سلمى..وهو يتسلم منك درهمين يتيمين ،والابتسامة لا تغادر ثغره..!

- وهو يتنقل بين أكثر من مقهى على دراجته الهوائية.. وهو يصارع الوقت ،ويصارعه الزمان بغضب شديد.. كذلك عرفناه ..!!؟!


- إنه سي محمد خرميز الوزاني، أيقونة شارع الحمام،في مواجهة ساحة المسيرة الخضراء بالقرب من زنقة المفاسيس وزنقة قيسارية الشرادي القديمة،و التي تظل من الأماكن التي عمرت طويلا بالمدينة العمالية، وحافظت لها على وجودها ومكانتها وروادها وتجارها رغم تقلبات أطوار وحقب التاريخ وتغيير في نمط الحياة..!؟!


- اليوم؛كان اللقاء ممتعا جدا، مع سي محمد الوزاني، بحيث استرجعنا الزمان للخلف و تجاذبنا الحديث الودي..!

- وهو يتحسر من أعماقه..!

- وهو يعبر عن واقع مجنون، صرنا نعيشه كأفراد وأسر ومجتمع..!

- نحن لا نقرأ  ..!

- نحن اليوم ؛لا نحمل كتابا نقرأه..!

- نحن اليوم ؛ لا نشتري شبكة للكلمات المتقاطعة كي نملأها بما جمعناه من رصيد لغوي ومعرفي وثقافي،كرياضة فكرية دائمة..!؟!

- نحن اليوم؛كلنا منشغلون بشاشاتنا المحمولة ،تصاحبنا..تتجسس على حركاتنا وسكناتنا والتي لا تنطفئ مهما كلفنا ذلك من تحمل وتعب وإرهاق نفسي وجسدي ، حتى ونحن وسط فراشنا،إذ يصعب علينا أن نتخلص من هواتفنا التي لا نتنفس بشكل طبيعي في غيابها ..!؟!

- نعم ؛ دار حوار شيق بيننا ..!؟!

- تذكرنا أجمل اللحظات من عمر قد دفن..!




- إنه سي محمد خرميز ابن وزان، هو الذي جاء من بعيد كي يحط الرحال بحي البلوك منذ زمان ، وهو يمارس التجارة من خلال بقال في الحي خاص ببيع المواد الغذائية،بحيث قضى فيه ما يربو عن ثلاثة عقود كاملة، قبل أن ينتهي به المسار،و يصير إلى ما صار إليه،وهو الذي أمسى معروفا كأيقونة من أيقونات المدينة المنجمية بخريبكة من خلال الشبكات اليومية للكلمات المتقاطعة على اختلاف أنواعها، وبعض الحاجيات البسيطة التي يستعملها الزبائن يوميا من كلينيكس وحلويات وشكلاط وكمامات وأكياس وغيرها..!


- ولقد ظل ابنه منذ التسعينيات يساعده في شغله ويخفف عنه حمله الثقيل، وهو الذي لربما لبس لباس والده ،وصارت له مكانته وكلمته وتواجده اليومي بنفس المكان ،حتى صار كل أصدقاء والده بالأمس، يجددون الصلة بحسن الوزاني الذي ما رأيته عابسا يوما..

- ولا هو في شجار مع أحد..بل ليس له من الوقت ما يضيعه في التراهات والخرجات الفارغة..

- وهو الذي تحمل المسؤولية الجسيمة في غياب والده..

- وهو الذي لا يحضر إلا لماما لأن الابن حسن شرب شغله جيدا ،وصاريعرف كيف يتعامل مع كل الزبائن مناصفة بأخلاقه ومعاملاته العالية ،إذ يلبي جميع الطلبات لمن يزوره في مكان تواجده..!

سي محمد خرميز الوزاني وٱبنه حسن من أبناء هذه المدينة الفوسفاطية  ..!

- ٱسمان معروفان منذ القديم..!

- وجهان لعملة واحدة من الطيبوبة والأخلاق الحميدة..!

- الوالد وٱبنه بصما بتاريخ كله تضحية وكفاح مستمر ونكران للذات من أجل اللقمة الحلال..!


- وإنه لشرف لنا أن نبشنا في ذاكرة المدينة من خلال شخصه الذي يبقى كأيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. 

تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى