هو الذي ظلت صورته تسائلني كثيرا عن وجوده..! عبد الرحيم هريوى خريبكة-المغرب
عبد الرحيم هريوى
خريبكة-المغرب
هو لا يراني حينما أراه مستلقيا أو ماشيا ببطء شديد..!
هو لا يراني حينما أراه بلباس رثة أتعبها الزمان وأتعبه..!
هو الوحيد يمشي متثاقلا بجسد منهوك نال منه الزمان ..!
هو إنسان مثلنا لا علاقة تربطه بعالمنا إلا المشي والسير ما ٱستطاع إلى ذلك سبيلا..؛
هو الذي أصادفه يخطو خطوة طفل صغير ،وبالكاد يقطع أمتارا معدودة تأخذ منه زمنا طويلا في ذهابه ورجوعه..!
هو الذي ألف ذاك السلوك في يومه، يهرب من ضجيج يحمله بين أضلعه..!
هو المرئي الذي أراه بعيون فاحصة وناظرة.. وما تألمت لنفسي أكبر مما تألمت له..!
هو لا يعرف استعمالات الماء العذب إلا حينما يستشعر بالعطش..!
هو ذاك الرجل الغريب بمعطفه المشهور يتواجد بيننا مخلوق آدمي حطه السيل من علي..!
هو لا يطلبك النوال ،ولا يمد يده للصدقة .!.
هو ذاك حاله يكفيه عن السؤال..
وكلما ناولته دريهمات دعا لك من قلبه بدعائه الشهير :
((الله يبعد عليك ولاد الحرام ..ويحفظ لك أولادك..ويسترك من كل شر..!!)
تلك ظلت من قاموس دعواته المعتادة لمن ألفوا التصدق عليه..!
هو الإنسان الوحيد الذي لا يهتم به أحد منا..!
هو لوحة فنية- تشكيلية مرماة لا يعرف قيمتها إلا من له مع الصباغة الألوان..!
هو الذي حينما يتعب من المشي ،يرمي بجسده المرهق على تراب الأرض ولا يبالي..!
هو الذي لا يتكلم ..ولا ينظر لمن حوله..ولا يتابع عورات الآخرين..وكلما اشتد به الحال أشعل لفافة من التبغ الرديء وعاش لحظاته لنفسه..!
هو الذي ظلت صورته تسائلني كثيرا عن وجوده وكينونته وطبيعته وتاريخه ..!
وظل لغزا من ألغاز حياة نعيشها.. تحتاج منا لمعرفة ما وراءها من أسرار..!
هو مخلوق آدمي بلغ من الكبر ما بلغه ،رمت به الأقدار في الشارع المعلوم ،وبينها قضي أيامه البطيئة..!
هو الذي ألفت تواجده في شارعنا في أوقات معينة من النهار.. وفجأة قد غبر وطال غيابه،ولم أبق ترمقه عيناي..ولم أهتم للأمر حتى نزل الخبر على مسامعي كالصاعقة في يوم حزنت لفراقه ودعوت له بالرحمة والمغفرة..!
رحل الرجل الوحيد، وودعناه لدار البقاء في صمت،بعدما أجهز على روحه في حادثة سير مميتة، ولا أعرف أين..!
ولا اعرف متى..!
لربما كان ذلك صدفة من القدر في الشارع عينه الذي أحبه المسكين واتخذه مكانه المفضل ومسكنه..!
هو الذي أراه من بعيد،حينما لا يراني..!
هو الذي كان قلبي يتسع له ،ويحن عليه كإنسان..!
هو الذي عاش بيننا في صمت مطبق.. وكذلك قد رحل ولم يذهب في تشييع جنازته إلا رهط من البشر لايتعدون أصابع اليد..!
رحل من عاش بيننا الدهر
رحل من ألف الوحدة والصبر
رحل من كان لباسه من وبر
رحل من كان يمشى يحمل كل القهر
رحل من أعطانا الدروس والعبر
رحل من جعل الحياة أكذوبة والعيش بالصفر
رحل من كتب في مكانه إلى التراب والطوب والحجر
هناك من ننفض زمانا خلفنا.. وحين تنتقل الروح للقبر
تعليقات
إرسال تعليق