أم الأيتام الثلاثة؛ بدون عجين..!! قصة قصيرة من الواقع المعيش عبد الرحيم هريوى خريبكة- المغرب
أم الأيتام الثلاثة؛ بدون عجين..!!
قصة قصيرة من الواقع المعيش
عبد الرحيم هريوى
خريبكة- المغرب
كم قصص مرت أمام أعيننا، لم نفكر في سيناريوهاتها المعينة قط،ونتيه بخيالنا كي نخلق من خلالها لدى القارئ تلك الدهشة والقلق والتساؤل،كي يصاحبنا في قراءته لنصوصها ويعطيها بل يمدها من الحياة الجديدة ما هي في حاجة إليه، كي يطول تواجدها وليس ،كنصوص ميتة بل تحمل حتفها معها،وسرعان ما يتم إزاحتها عن الطريق..!
توجهت لمسجد الحي كي يستمر الاتصال مع رب العالمين ، في صلاة العصر..!
الإمام؛ وقد أنهي الركعة الأولى وسجد ..وأنا أقترب رويدا رويدا من الباب..!
فجأة أثارتني آمرأة ما زالت في عقدها الخامس ..لباسها دكناء..لون وجهها أسمر..!
لم أعدها ممن ألفن المكان في انتظار الخارجين من بيت الله لعل الرحمة تدفعهم لمدهن ببعض الدريهمات مع دعواتهن التي تمتزج بنوع من الحب صوب كل جواد كريم..!
هذه المرأة الجديدة أثارت انتباهي بصدق، ككاتب يسجل كل شئ يتغير في محيطه حتى ولو بوفود مسكينة جديدة ستضاف للائحة القديمة طبعا، لذلك من عادتي أن أترك بلغتي في الباب المسجد، لكنه لم أع والبلغة في يدي وأنا في بهو المسجد..وبعدما أسكنتها في المكان المخصص ظل تفكيري تائها لحظة من اللحظات للمرأة الجديدة التي يتبين من خلال جلوسها فوق خشبة الباب..!
بأن هناك شيء سيصدع على حد قول محمود درويش..!
وبأن هناك شئ ما لم يستوعبه تفكيري..!
وبأن هناك شئ ما سيحدث لا أعرف منه أي شئ..!
لكنه إحساس كاتب يحس بكل شئ يثير الفضول..!
وها هو الإمام الآن وقد أنهى فريضة صلاة العصر ..أما أنا فقد قمت مجددا كي أرقع صلاتي مع باقي من تعطلوا..سوفي تلك اللحظة بالذات سمعت صوت المرأة المعلومة
وهي تصرخ..
وهي تصيح..!
وهي تبكي.. !
وهي تتوحد..!
وهي تتوسل..!
وهي لهم تبرر..!
وهي لهم الآن تخبر..!
وهي لهم الآن تقسم بأغلظ الإيمان ..!
بعد هنيهة ؛ عم السكون المسجد أي في جهة صفوف المصلين ،للمفاجأة التي لم يكونوا ينتظرونها قط إلا أنا..!
-الأرملة أرغمتهم كلهم ..سواء من أحب أومن لموقفها قد كره..!
بأن يسمعوا ويعوا ويفككوا شفرة إرسالية تحملها في قلبها حتى نهايتها..!
لم يختم المأموم دعاؤه بل ظل ينتظرها حتى تتم كلامها وأوجاعها وأحزانها وضيقها و فقرها وبؤسها والعالم المظلم الذي تعيشه لوحدها صحبة أولادها..!
وكذلك أنا؛لم أستطع إتمام قراءة الفاتحة.. تشتت تركيزي ..وللصوت المرتفع والبكاء الممزوج بصيحات الحزن والأسى الذي يؤلم كل قلب مؤمن هش..!
فماذا قالت هذه المرأة كي تصدق :
أنا ما سبق لي أن طلبت الصدقة..
أنا أرملة ولدي ثلاثة أيتام
أنا كنت أشتغل في الحمام
أنا أصبت بمرض السكري
أنا أحقن جسمي بالأنسولين
أنا ليس لدي دقيق في البيت
أنا أختكم يا مؤمنين
لقد تألم جل المصلين ،وكان الكاتب واحدا من بينهم ،وهموا لمساعدتها..وكل واحد بما أتاه الله من ماله ..وانصرف الكاتب لحال سبيله وهو يقول في قرارة نفسه:
- عجيب أمر هذه الدنيا ..هناك من يعيش عيشة قارون .. ولا يحمد الله تعالى على ما منحه وأعطاه من فضله.. وهناك من لا يوجد في بيته دقيق يعجن به خبزة، كي لا يموت بالجوع بهذه الأرض التي اسودت في عينيه بسبب الفاقة والحاجة والإملاق..و
لما أنهيت تدوين سردي القصصي هذا، من واقع مدينتي الفوسفاطية بخريبكة ،ظل العنوان غائبا عن هذا النص القصير ، رغم أنه يتواجد بباب المسجد في عصر هذا اليوم 27 بتاريخ يونيو 2022 من بداية الأسبوع..ولا حديث للناس في كل مكان إلا على الصردي والبركي ووجه الأحمر أو الأبيض الذي فيه طبات من سواد..!!
(أم الأيتام الثلاثة بدون عجين..!!)
احاول تلقين ابناءي هنا استاذي الفاضل انه يعيش بيننا من لا يملك قوت يومه...
ردحذف