رمضانيات / مناحة في الحقل/ قصيدة لجبران خليل جبران / من أروع ما قرأت من الشعر المنثور /عبد الرحيم هريوى



!!..مناحة في الحقل

قصيدة لجبران خليل جبران

شعر منثور



عند الفجر ،قبيل بزوغ الشمس من وراء الشفق ،جلست في وسط الحقل أناجي الطبيعة.في تلك الساعة المملوءة طهرا، وجمالا ـ،بينما كان الإنسان مستترا طي لحف الكرى تنتابه الأحلام تارة، واليقظة أخرى،كنت متوسدا الأعشاب ،أستفسر كل ما أرى عن حقيقة الجمال ، وأستحكي ما يرى عن جمال الحقيقة.


مر النسيم متنهدا بين الأغصان تنهد يتيم يائس ،فسألت مستفهما: لماذا تتنهد، يا أيها النسيم اللطيف ؟

فأجاب :

لأنني ذاهب نحو المدينة مدحورا من حرارة الشمس،إلى المدينة حيث تتعلق بأذيال النقية مكروبات الأمراض ، وتتشبت بي أنفاس البشر السامة من أجل ذلك تراني حزينا. ثم التفت نحو الأزهار فرأيتها تذرف من عيونها قطرات الندى دمعا، فسألت :

لماذا البكاء ،يا أيتها الأزهار الجميلة؟

فرفعت واحدة منهن  رأسها اللطيف وقالت :نبكي لأن الإنسان سوف يأتي ،ويقطع أعناقنا ويذهب بنا نحو المدينة ، ويبيعنا كالعبيد ، ونحن حرائر ،وإذا ما جاء المساء وذبلنا رمى بنا إلى الأقذار.كيف لا نبكي ويد الإنسان القاسية سوف تفصلنا عن وطننا الحقل..!؟

 

لقد ذهبت الناقدة المغربية حرية الخمليشي في كتابها(الشعر المنثور والتحديث الشعري ) إلى أبعد نقطة في البحث عن كل ما له علاقة بالشعر الحديث ، وذلك من كثرة المفاهيم المستعملة والتي تمت ترجمتها من الأدب الأنجليزي والأمريكي free verseوالفرنسي vers libres وقد ابتدعه الشاعر la fontaine لي القرن17 و من شعر مسترسل و نثري و أبيض وحر وحديث ذلك من خلال دراسة نظرية بمقاربة نسقية حتى تجعل للشعر مكانته على مستوى المفهوم الاصطلاحي والمعرفي، وعملت على إغناء بحثها حول الشعر المنثور والنثر الشعري كي تقف على أوجه التشابه والاختلاف، وذلك من خلال مختارات ونماذج لقصائد مختلفة لأعلامه،ولأكثر من شاعر عربي معروف من عالم الشعر الحديث أي منذ أول قصيدة لأمين الريحاني في الشعر المنثور سنة1905 وسنة1908 لجورجي زيدان، قصد الوقوف على الحداثة الشعرية بالوطن العربي والعالم، كفن إبداعي أدبي جديد،تمارسه الأمم والشعوب الراقية عبر المعمورة في العصر الحديث كأنجلترا وأمريكا وفرنسا.. ومن بين أعلامه أولئك نذكر كل من أمين الريحاني و جورجي زيدان ومطران خليل مطران وأحمد زكي أبوشادي ومحمد الصباغ المغربي وأحمد شوقي ..!


وكما ورد في كتابها المذكور سلفا، وهي التي استطاعت بأدوات تحليلية ومراجع متنوعة في المجال الأدبي العالمي والعربي، بأن تقدم للقارئ والناقد العربيين معا، قراءة أدبيةو نقدية وأكاديمية شاملة وعميقة للنصوص الشعرية المتميزة والقوية ومنها هذا النص النثري الجميل والرائع لعميد شعراء المهجر، جبران خليل جبران تحت عنوان "مناحة في الحقل "بحيث ترى بأنه قد اختلف النقاد في تصنيف مثل هذه النصوص بين شعر منثور ونثر شعري،إنه نص جميل لما يمتاز به من تصوير فني رائع، تتشابك فيه الاستعارات والتشبيه،صور مستمدة من تأثر جبران خليل جبران بالكتاب   المقدس،واستخدام إيقاع النثر تعويضا عن غياب الوزن وهو إيقاع مختلف عن أوزان الشعر العربي ، إدخال إيقاعات جد مختلفة عن إيقاعات الشعر العربي القديم من خلال العناية بموسيقية الكلمة، استعمال السجع والتوازي بين الألفاظ والعبارات، الإندماج الصوفي مع الطبيعة../..

وفي مجمل الكلام لما سارت إليه حرية الخمليشي من خلاصات عامة عن القصيدة النثرية العربية الرائعة والجميلة والمتكاملة البنيان الهندسي، لكل عناصرها التي تؤثثها و تشكلها وتعطيها الصدى القوي لدى القارئ والناقد.. وتفرض نفسها في إطار التفاعل عام مع باقي النصوص الأخرى لما يسمى بالتناص ..


وبتصرف نعطي هذه الخلاصة لمضامين من مقتطفات للكتاب


*من النثر الفني ما يمتاز بعمق الصور الشعرية تهيمن فيه التشبيهات و التشكيلات الإيقاعية التي تتولد من السجع و التكرار والتوازي الصوتي،وهو الشعر المنثور الذي يتأثر الشعراء بأسلوبه البسيط، وصوره الشعرية الرائعة،وإيقاعاتها المميزة  التي تحققها أنظمة الجمل والعبارات وقوالب التعبير..!!


ولعل حركة الشعر المنثور قد بدأت منشأها الأول والرئيسي في المهجر وخاصة بأمريكا ووصلت بعد ذلك أصداؤها إلى كل من لبنان وسوريا ومصر والمغرب ،وقد حاكت مدرسة المهجر هذه نماذج غربية لشعراء كبار من فرنسا وأنجلترا وأمريكا  في التجديد الشعري  لحركة الشعر المنثور


* وللتذكير فلقد تكونت الرابطة القلمية سنة1920 قبل صدور كتاب الديوان بسنة واحدة/وكانت تضم كبار أدباء المهجر كجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة  وعبد المسيح حداد ورشيد أيوب، وفي سنة 1923 كتب نعيمة كتابه"الغربال"وكان التصدير بقلم عباس محمود العقاد/ولقد كان لهذه الجمعيات الأدبية دور كبير في تحديث الشعر العربي،و أهمها الرابطة القلمية (1920/1931) ومن ضمنها مدرسة أبو للو التي ترأسها أحمد زكي أبو شادي


عن كتاب الشعر المنثور والتحديث الشعري بتصرف


تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى