قصة قصيرة /انتصار على عدوه اللذوذ / عبد الرحيم هريوى

..قصة قصيرة

انتصار على عدوه اللذوذ..!!
بقلم  :عبد  الرحيم هريوى

خرج هذا الصباح منشرحا من بيته كعادته قاصدا مدينة جميلة هادئة . تتواجد بها أسرة أحد أفراد عائلته . وكله حماس ورغبة في تجديد نشاطه،والبحث له عن سعادة وراحة نفسية وهدوء وسكينة، وسط تلك المدينة الأطلسية الطبيعية بهوائها النقي و نباتاتها وأشجارها العالية الخضراء . التي تحيط بجنباتها من كل الجهات .وكأنها محمية طبيعية .. كل شيء هاهنا لم يفقد بعد أصالته وطبيعته من خضر وفواكه وحليب ولبن.. حتى الناس القاطنون فيها ينتمون جلهم لأرضها الطيبة...

قضى صاحبنا أيامه الأولى في أجواء جميلة وهادئة مرتاح البال والحال، وفي صباح أحد الأيام توجه كعادته ليحط الرحال بإحدى المقاهي يحتسي قهوته التي يعشقها سوداء دائما !! لأنها تفتح له مزاجه وعينيه على يوم جديد !! يتمناه كذلك لكنه قبل جلوسه، دلف بجسمه لأحد الدكاكين المجاورة للمقهى، ليطلب لنفسه  قنينة ماء معدني.وقد تعود على شرب هذا النوع من الماء ليتفادى كل ازعاج لأمعائه وكليتيه. لأنه عادة ما تجتمع له بعض الحصى في إحداهما تجعله يعاني الآلام المبرحة !! ولا تمر تلك المرحلة إلا بمشقة الأنفس !! وبعدها اقتنع صاحبنا بأنه لا مفر من إضافة ضريبة مصروف الماء المعدني لمصروفه اليومي. 

طلب صاحبنا من البقال قنينة الماء،بعد ان سلم عليه سلاما كاملا ، وابتسم في وجهه وسأله
- هل عندك ماء معدني من غير ماء سيدي علي ؟؟
-لا ،لا يوجد إلا هو..!!
- وعين سلطان و عين أطلس وعين إفران ..؟!؟
- عندي سوى قنينات من فئة خمسة لترات.
- الماء المعدني عندنا في المغرب أراه باهظ الثمن. مقارنة بقدرتنا الشرائية !

البقال لم يعجبه كلام صاحبناوأراد أن يدافع عن قرارات الأغلبية فرد عليه بسرعة البرق :
-المسألة لها ارتباط بالسوق العالمية ولن تنتظر التخفيض في أي سلعة مستقبلا يا صاح.. !!
وهنا سيتحول الحوار بين الاثنين إلى نقاش سياسي حاد وحامي،خارج قبة البرلمان .. لكي يقنع كل واحد صاحبه بأن تحليله هو السليم..
وبعدها فكر صاحبنا في حيلة ليهدأ بها من روع وانتفاضة البقال.. تنازل له وهو يقول له :

- نعم لوكنت أنا في مكان القرار المالي ، لفكرت كأي مواطن مغربي مسؤول عن مصلحة البلد في التوازنات الميكرو// اقتصادية والماكرو // اقتصادية ..هههه..!!
- هنا البقال دخله الشك وهو يسمع من صاحبنا  هذا "الكلام الغليظ "ما قشع فيه" والو" أي شيء.كما يستعمله بعض النقاد عندنا عندما يتيهون في قراءاتهم باستعمال مفاهيم يحتاج القارئ العادي للسان العرب بجانبه،كي يفهم ما يريد قوله صاحب الكلمة والقول،في وقت نرى بأن قراءة النص هو كتابة جديدة بأسلوب وعيون أخرى،كي نلامس أشياء جميلة نزيل عنها الغشاء والأغطية التي كتبت بها،ونكتب ما لم يصرح به الكاتب نفسه..ونعود للحوار والنقاش الذي دخل فيه صاحبنا من الباب الخلفي، وخاصة لما أضاف بأنه لا بد من التفكير في الاهتمام بمطالب الشغيلة المغربية وخاصة السلم المتحرك حتى يكون متوازي مع الزيادات في المواد الغذائية..!!

- هنا البقال تضايق بشكل كبير واحمر وجهه، ومد لصاحبنا قنينة لتر ونصف من ماء سيدي علي ،ودفع صاحبنا 6دراهم ولربما أكثر. وانصرف دون مجاملة ولا شكر..!!


- وما أن جلس صاحبنا بمقعده،وقبل أن يدفئ مكانه، وما هي إلا لحظات قليلة بالمقهى المجهول الاسم والمكان، حتى توقفت سيارة للشرطة بالقرب منه ، ونزل منها شرطي بلباسه السري ثم نظر جهة صاحبنا بالضبط نظرة بتمعن، وبعدها دخل مباشرة لداخل المقهى. وعندها تساءل صاحبنا عن ما يقع  وما وقع..!خاصة وأن صاحبنا ألف مثل هذه المواقف بسبب انتمائه النقابي والسياسي وتواجده في المسيرات والاحتجاجات في الصفوف الأمامية..
قال وهو يعيد قراءة مواقف قديمة كانت قد وقعت له بأكثر من مدينة مغربية..
- فهل هي صدفة يا ترى؟؟
- وهل هم قد جاؤوا لأمر خاص ؟؟
- وهل صاحبنا أصابه الوسواس..وهل هي من أوهام الصباح ، في هذا اليوم الجميل؟؟
- وهل لحضور الشرطة علاقة بحوار سياسي ساخن بين صاحبنا والبقال..حول قنينة ماء في عز المقاطعة لأكثر من منتوج بسبب الغلاء في زمن العثماني وإخوان بن كيران..!؟!؟
- وهل هو أمام وشاية كاذبة..
وهل..وهل..؟؟

-ظلت كلها؛ تلك أسئلة عالقة ..وأخرى كثيرة تتخاصم متزاحمة في عقله ..لم يجد لها جوابا مما زاد من منسوب أوهامه الصباحية !! وهو غير معتاد على مثل هذه الأشياء في صباحه اليومي ، الذي يفتح فيه عينيه باكرا منذ زمان بقهوته السوداء وبجانبها سيجارته المفضلة "كارو كازا"
وكان شعاره مع أصدقائه اليساريين دوما :
-ألخوت!!   ألخوت !!
ليكمي كازا سبور يعطيه الموت..!!

-ألخوت  !! ألخوت !! 

ليكمي كازا سبور يشهد زور..!!


-وكان كلماكررها قهقه الجمع .. لأنه كان دوما صاحب نكتة و بدم خفيف ! ويخفف من ضغطه بواسطة التقشاب ، سواء في أحوال الحياة العامة ، أوبلغة السياسة المعروف بها.. !

- لكنه اليوم ؛ فلم يبق على طاولته سواء كان ببيته أو بالمقهى نفسه سوى كأس قهوته السوداء،  بعدما انسحبت علبة السيجارة بهدوء نتيجة عزمه الدخول في حرب شرسة ضد آفة التدخين وحمله: لشعارات كثيرة بين أصدقائه ، لعدوه المحتمل..ويا ماكان يطبل بها أكثر من مرة .ويعود مهزوما بعد أقل من أسبوع وصديقته " كازا سبور" تعطربتبغها الأسود النتن  ثيابه وجسمه !!


- لكن شاءت الأقدار و بإصرار وعزيمة استطاع ازاحتها الرفيقة العدوة..!!

- ها هو صاحبنا جلس في طاولته واسترخى بجسمه الكامل على كرسي مريح،وهو يحتسي قهوته كي تنفتح عينيه ومزاجه الصباحي ..!
وهو يكلم نفسه لوحده كالمجنون ويحسبها بالأرقام  على  مزاجه ..!
- كيفاش هذاك شافني ؟
- وعلاش منزلش عينيه ؟
- واش ديك الشوفة دار فيا ؟؟
- كاينا شي حاجة ؟؟
-كاينو كاين !! الخيال والوهم ..!
- لواه "حاج " ماشي  "حاجة " كان ذلك صواب ضميره الباطني. وهو يصحح له خيالاته وأوهامه وشكوكه في هذا الصباح الجميل.
ركب رقما هاتفيا لأنه تذكر أن هناك أمرا هاما تحت الطلب، لأحد أفراد أسرته لابد أن يقوم بتنفيذه. لكن رصيده دائما في حاجة لدعم. وهو ملازم قاعة الانتظار سواء رصيده البنكي أو الهاتفي .

أجابته الكاسيت :
-رصيدكم غير كافي لإجراء المكالمة.. "ولكمالة عندكم"
- جمع هاتفه ووضعه في جيبه،ونهض بسرعة كالمجنون . ولما التفت ظن أن النادل يراقبه. فقال في نفسه :
- ها لقلنا وهذا دابا مالوا ؟؟
- واش باغي دابا.. !
- وهو متبعني بعينيه..!
-واش أنا سارق تيلفون على موطور وهارب.. !

- بعدها وهو ذاهب يكلم نفسه كالمجنون دخل إلى  حانوت البقال الذي كان في حوار مع أحد الأشخاص المتواجدين بقربه..فسأله صاحبنا :

-هل عندك تعبئة اتصالات عشرة دراهم ؟؟ا
- لما سمع صوته تغير لون وجهه وتبدل حاله ،ولم يستطع البقاء عينيه في عيني صاحبنا.وهو يكلمه بل أشار إليه بالذهاب إلى البقال المجاور..لعله يجد عنده حاجته..حينها شعر صاحبنا بشيء من  الصهد قادم من هذا الجانب وازدادت شكوكه على أنه مراقب بسبب ما  يجهله ..!
أم هي أوهام وتخيلات لصاحبنا في هذا اليوم التاريخي في حياته.. !
اشترى تعبئته وعاد أدراجه لمكان جلوسه ليتمم طاسته وينتظر أية مفاجأة غير سارة هذا النهار.وهو في تساؤل دائم..
-هل وقع في وشاية كاذبة ..؟؟ 

- وهل شرب شيء في قهوته هذا الصباح ؟؟

- وهل أصيب بمرض الوهم ؟؟

- وما أخطره على نفسية الإنسان، فيبدأ يتوهم أشياءكثيرة وكأنها حقائق ويربطها بالأشياء بالصدفة، و يحاورها ويكلمها ويضع نفسه بينها هو البطل أو المتهم أو المبحوث عنه أو المشتبه به أو ما لا نهاية من الاحتمالات التي يصنعها ويوهم بها ذاته كحقيقة واقعية يعيشها..!


- قضى صاحبنا ما يزيد عن ساعتين بالمقهى جالس لوحده . وكلما رن هاتفه شعر بشيء غير عادي يتحرك في  دواخله . وكان الاتصال يتم إما من صديق أو قريب أو حبيب غالي يسأل عنه .. ولا شيء جديد حتى الآن ..!

لكن ما إن  أراد أن يودع المقهى وينصرف حتى جاء عنده  النادل وسأله بعدما سلم عليه.

وهو الغريب عن هذه المدينة ولا يعرف أحدا اسمه 

-السلام عليكم .
-وعليكم السلام.
-أنت هو سي العربي بوخنشة ؟؟
- إيه.ياك أودي لا باس..
- ها لقلنا الله يدوز هاذ  الصباح على خير!!
-كاين شي حاجة ما هياش  هاذ  الصباح !!
-لا و الوباس..
-هاذيك مولات الفرماسي  تتعرفك  وتتعرف الناس لجيتي عندهم وهي  لرسلتني عندك !!
وقالت لك دي معاك شي دوا لراه  شي حاد طلبوا  ليها تجيبوا  ليه
-الله يا ودي  طيرتيها مني : خلعة  هاذ الصباح.!!
آشى بغيتيى عندي !!
-لا سيدي أعوذ بالله.ما ديرش ما تخافش !!
دفع ثمن قهوته الصباحية للنادل وشكره !!
وهو يقول في نفسه لن أجلس بعد اليوم في هذه المقهى المعلومة بعد اليوم..
- لربما تحج إليها شياطين الجن هي الأخرى لتشرب قهوتها في كل صباح من يومه السبت..!!


تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى