القاصة المغربية سلوى إدريسي؛ وعمق وتدقيق في تحليل الشخصية بالنص القصصي القصير" العرض البطيء.." عبد الرحيم هريوى /خريبكة اليوم /المغرب








- إذا ما أردت أن تبدع في عالم الحرف،فلا تكتب حتى يقال كاتب، فذاك من صناعة البريستيج والتراند كما قال الروائي الايريتيري جابر حجي.


- أنا لا أرى أي فرق بين النص الشعري والقصة القصيرة فكلاهما واحد والقصة هي سرد الشعر" القاص المغربي أحمد بوزفور.



01/ / نبدة مقتضبة من السيرة الذاتية للقاصة المغربية سلوى إدريسي.


سلوى إدريسي والي من المغرب صاحبة المجموعة القصصية " قلوب لا تصل إليها الشمس" الصادرةعن جامعة المبدعين المغاربة..شاركت في الكتاب المجمع"حديث الليالي الباردة "الذي يضم كتاب مغاربة .وأيضا كانت لها مساهمة في الكتاب المجمع الخاص بأدب الرسائل الصادر عن دار "اللوتس "المصرية. ونشرت لها مقالات فكرية وفلسفية في مجلة الهيكل العراقية .وتكتب ضمن موقع أنطولوجيا المغرب العربي..وقد شاركت بالعديد من الإسهامات على مستوى المنصات الإلكترونية ..كما أنها شاركت في العديد من المسابقات في مجال القصة القصيرة وكانت دائما تحظى برتبة ضمن الفائزين..


02/ / تأملات وأفكار؛ في عالم القراءة والكتابة النصية "النص القصصي القصير.."


 - بعيون قارئ آخر؛ لقصة قصيرة تحت عنوان

" بالعرض البطيء"


اليوم؛ لناموعد مع نص رقمي.صادفته بموقع التواصل الاجتماعي..نص قصصي قصير ،وجدت فيه الشروط المطلوبة في كتابة النص القصصي القصير،وقد سبق أن قال الإعلامي والأديب المغربي والشاعر د.ياسين عدنان،الذي حقق العالمية للأدب المغربي ،والذي جعل من الثقافة خبز يومه" بأن القصة القصيرة لايمكن أن تكون أي شيء آخر غير القصة القصيرة،ولا يمكن أن تتمدد كي تمسي رواية ..!!


ودعوني أقول لكم كمولوع بكتابة النصوص القصيرة،وبما فيها النص القصصي،وليس ذلك بغريب فحتى القارئ المغربي العملاق"عبد الفتاح كيليطو" الذي توج مؤخرا بجائزة السعودية في صنف الأدب واللغة العربية للملك فيصل. إنه ظل وفيا للنص القصير، وما زال يكتب نصوصه القصيرة بإبداع وإتقان،وكما عبر عن ذلك قال:هي على شاكلة تمارين الإنشاء التي كنا نحررها بالمدرسة الابتدائيةفي زمنها الماضي..لكن من يكتب القصة القصيرة لابد له أن يهوى أحدعناصرها.فهناك من يركز على التقنيات أو الفضاء أوالأمكنة أو على الشخصية.أوقد يكون له الهوس الكبير في البحث والغوص في الميثولوجيا والابستيمولوجيا والسوسيولوجيا والفلسفة لها،(كشخصية رحال لعوينة الرجل السلبي في نصه الشيق هوت ماروك / للروائي ياسين عدنان عينه)وآخرون قدىيعطون المركزية في كتابتهم للغة وشاعريتها،وكذلك يختلفون في نوع الخطابات الذي يمررونه للقراء..


وأرى أن القراءة نوعان،القراءة للذات،والأخرى للذات وللآخر.والقراءة الأولى حينما نكون نقرأ للمتعة والاستمتاع والتثقيف، وتجديد العلاقة مع المستجد في مجال الكتابة.حتى لا نمسي من المتجاوزين،لأنه كم من كاتب X تم تجاوزه لعدم مواكبته عبر مواصلة قراءته لأي جديد كتابة ونقدا؛وللقراءة لذة ومتعة،استشعرها في تذوقي لروح ومعاني الفصول التي يبدع فيها  ،والقراءة الثانية؛أي حين أكون أقرأ كي أستبر أغوار النص،وأفكك طلاسمه ،وأعيد حينذاك صياغة كتابته بأسلوبي وعباراتي التي ستعطيه حياة جديدة تكون الأفضل،أو على الأقل المزيد من التواجد والتميز . ولكن لا يجب علي أن أستعمل اللغة المتقعرة التي سوف تخنقه بل  تغبشه أكثر لدى القاريء بل قد تعمي بصره،فها هنا أكون في طريق كتابة نص  جديد بحبري وبأفكاري وثقافتي ورؤاي ،ولا يحق حينذاك لي أن أقوم بعملية الإسقاط،ويصدق في قراءتي مثل حائك لباس يبيعها لأي مشتري كان شريطة أن تعجبه وله الحق في أن يقيسها وتعجبه،فحينما يقرأ القارئ نصا ما ويهيم في غلو مقصود من المدح ،بدون أن يجعل النص المستهدف يتكلم لغته،أي أن يبحث القارئ الناقد عن الخطاب الذي يحمله ،فهو لا يبحث عن المعاني والدلالات قدر ما يفتح أقواسا لطرح أسئلة خفية،والبحث عن ظلال ثقافية بين مفاهيم يخفيها النص عينه ،وها هنا تكون قراءتنا صورة من نسخة معدلة للنص المستهدف..


لذلك لا نقل بأننا قمنا بقراءة نقدية لنص معين،وتلك القراءة قد نوظفها لنص آخر ولا نبدل سوى ٱسم كاتب بكاتب آخر،وكأننا في محل كراء الأثواب ،نبحث لنا ونختار اللباس الذي يليق بنا وقد أعجبنا كي نظهر من خلاله في أبهى صورة ..


فعلا، أشعر بدهشة تأخذني لطرح أكثر من سؤال، وأنا أقرأ قراءة نصية  لقصة قصيرة ،وبعيون القارئ والكاتب معا، للكاتبة المغربية سلوى إدريسي ،فما جذبني هي العبارة الشعرية التي زينت بحللها البديعة لوحات رسمتها بأسلوب عذب رقيق ،وقلت مع نفسي لعلها تكون كما كان عليه فلاسفتنا أول ما يكتبونه يكون شعرا.وها أنا اليوم اكتشفت عبر قراءة نوعية أو نمطية لنصها الشعري بصيغة ما للقارئ الطنجاوي حسن بيريش ،لكن ما أود أن أشير له دائما عبر قراءاتي سلباأوإيجابا ،وبعيون ناظرة ومستبصرة ،وكاشفة عن جمال فوق جمال النصوص أولا ،فدعوني أخبركم أنه من الملاحظات بل من المآخذات التي قد نقرؤها على هامش التعاليق عن قراءاتنا لهكذا نصوص،ولاأقل النقدية بين قوسين،بل تلك القراءات الوجدانية والأدبية وقد تصل لمستوى الحميمية للنصوص ؛وكفى بأنه من بين ثلة من القراء من يطلبون منا أن نعيد صياغة محتوى ومضمون النصوص المقروءة،كيف ما كان غرضها الأدبي ،بلغة بيضاء ،سهلة وبسيطة لاتحتاج لقاموس ولالسان العرب،فهي ليست بالضبط بلغة متقعرة ثانية ،ممايجعلها تغوص في غموض بوجهين، وتغبيش للنص أكثر مما هو مغبش ،فمن الأحسن أن نعيد تقديمه بطبق لغوي رشيق وشفاف ،وتبقى اللغة حاملة للوظيف الملقاة على عاتقها، الكائن الحي بجسد وروح لذلك قال ابن رشيق ،فكيف نعبر اللفظ بدون معنى ،وكلاهما يمثلان روح الكلمة..وميشال فوكو يقول!اللغة مطمورة في الأشياء،وتحتاج لفكر ومعرفة كي تخرج للحياة ،لأنها كائن حي..!!


03/ / توطئة: و نظرة جمالية عبر قراءة أدبية وفنية للنص القصصي ..


سبق للقاص والناقد المغربي أحمد بوزفور، صاحب السندباد ،والنظر في الوجه العزيز أن قال لما سئل عن حال القصة القصيرةالمغربية في زمنها الرقمي كواقع اعتباري نعيشه اليوم، بمواقع التواصل الاجتماعي،قال ماقاله؛بلغة أديب متمرس،وناقدوأستاذجامعي،نحن نتواجد اليوم في زمن التهافت..الكل يتهافت..وكل ما تطلبه تجده حتى في مجال كتابة القصة القصيرة،والتي يراها بأنها تطورت بالفعل في نظره كناقدوكاتب ومؤلف،وبشكل كبير جدا، عماذي قبل،مما أثار استغرابي،لكنني قبلت رأيه .وعلى أساس بأنه يتابع بعض هكذا كتاب شباب، الذين يكونون في نصوصهم الأولى،متعثرين في إحدى العناصر المكونة للنص القصصي،ولكنهم قد يعيشون سوى بداية فترات تسخينية،ومع مرورالوقت،هم يبدعون بدهشة في نصوصهم..لربما يكون ذلك ناجما عن كثرةالقراءة والإطلاع على ما يكتب في مجال الكتابة النقدية.ممايجعلهم يواكبون الكتابة الحديثة في مجال السرد الحكائي للنص القصصي القصير،وقد تتحسن لديهم اللغة، وصناعة المشهد عبر الجملة السردية ،وتغبيش المقاصد، بتغيير أسهم الكتابة نفسها..


ولقد وقع لي ما وقع للصديق أحمد بوزفور،وأنا أتفحص ما يتم نشره بموقع التواصل الاجتماعي ،فوقع بصري على نص سردي لقصة قصيرة،تحت عنوان "بالعرض البطيء" بموقع الأنطولوجيا ،فشدني إليه من أوله،وعادة ما نحن القراء القدماء لكثرة ما قرناه من النصوص الأدبية عبر أغراضه المتنوعة من رواية وقصة وشعر ملاحم ومسرحيات،أمسى يتملكنا إحساس اللاشعوري،يهتف هاتف دعك من هذا النص، فلن يفيدك في شيء..!؟أوالعكس.ولماسئل أحمد بوزفور عن طريقة قراءته للنصوص، قال :هناك من النصوص من يفرض عليك نفسه ،وتشم من نوافذه المشرعة رائحة توابله ،وأصوات وألحان ترخي سمعك للشجى..!!


ففي فقه القصة القصيرة،قد يتفق جل النقادبأنها صناعة في مجال الكتابة ،لايتقنها إلا من يحمل في ذاكرته مكتبة على حد قولة للناقدة زهور كرام،ويبقى للقارئ الكاتب آلياته وحدسه ولا غرو؛فقد علمتني الكتابة بالضبط، وكيفية القراءة بطريقة مثلى.وصرت بعد ذلك أحمل صورتين، وانا أجاري شعاب نصوص نعشقها..و أنا بخيال القارئ والكاتب معا..!


 فلابد من عنوان يطرح للقارئ أكثر من سؤال،فيه لمسة فنية وشاعرية ،يحمل ظلاله الثقافية والأدبية ،ويبقى عبارة عن المجسم أو النموذج للمشروع القادم ،وقد استطاعت القاصة  سلوى إدريسي والي أن تفك شفرة نصها القصصي باختيارها لعنوان يحمل صورا لأحداث قادمة " بالعرض البطيء.."عنوان ملغم،يخفي ملامح وجهه بقناع من الغموض الفني..

-فأي عرض بطيء ذاك ؟

- فهل هو عرض مسرحي أم سينمائي ،أم هو عرض للكبار أو للأطفال،أم عرض مقترح بديل ،أم عرض منتوج أو سلعة ما..؟

ولا نغفل كلمة بطئ الذي يشكل للقارئ صورة مزدوجة ،ولا ننسى نوع الخطاب الأدبي الاجتماعي السياسي المؤسساتي الذي يحمله.واستطاعت بعبارات أولية افتتحت بهانصها"العرض البطئ" نراها ضيقة ومحدودة في  كثافة من حيث عدد الكلمات،لكنها واسعة في الأفق ،وهنا تبنت الكتابة الحديثة في الرواية والقصة في ديمومة الزمن ،في اتجاه الأسهم من الماضي نحو المستقبل ،وانطلقت من الطفولة كزمن ستبني على أدراجه بقية سردها  بالعرض البطيء ..

أنا الطفلة المختبئة خلف تجاعيدي،لا أزال أحب الحلوى ،واللعب بالتراب،لا أزال قادرة على حمل نملة دون أي خوف..لكن الجميع مصرون على وضع المرايا في كل مكان،المرايا لا تعكس سوى الشكل الخارجي.. ولا يمكنها فتح صندوق أرواحنا المحلقة..أحاول أن أخطو خطوات ثابتة نحو نعيم ذاتي بعد كل هذا العمر..

بهذه الصياغة الفنية والجمالية، في بناء معماري وهندسي، في سردها القصصي أرغمت القارئة على جره لشراكها إما مكرها أوبطواعية،لمعرفة ما يخبئه هذا النص،واكتشاف ما سيحمله من مفاجآت ،وهنا تتجلى المهارة في الكتابة طبعا ،بخلق نوع من التساؤل أو خلق نوعا من الدهشة أو القلق لدى القارئ ،الذي اعتبره الجاحظ في زمنه عدوا ،كما أنه يمل النصوص المدجرة التي لا يشعر بأنها تحمل أصوات حياة يجسدها،والإجابة عن أسئلة أخلاقية ومجتمعية قديصادفها،وخاصة الأدب يبقى منتوجا إنساني يعبر عن حيوات للأفراد والشعوب والمجتمعات.

وبخصوص مركزية السرد فقد استطاعت خلال فصول القصة أن تجعل من شخصياتها كائنات غير جامدة ،ولا تخدم البطل ،بل أمدتها بنوع من الحرية والتصرف الإرادي تبعا للمواقف والأدوار التي مثلتها ،انطلاقا من الابن الذي ودعها كي تعيش حياتها ويخرج للعالم كما تفرضه سنة الحياة بحثا له عن مستقبل ينشده ،وتحكيه بنوع من القهر المفروض بقدر:

كان يومها ليس كباقي الأيام، ودعت ابني (آخر العنقود) كان يضع ما تبقى من ذكرياتنا داخل حقيبة سوداء،وينطلق نحو المستقبل، ويبدأ سعيه الطويل وسيُسقط منه في كل مرحلة جزءا من تلك الطفولة البريئة..لم أستطع إيصاله نحو الباب،اكتفيت بعناقه وأنا جالسة على الكرسي،كان يبكي بحرقة وهو يقول :"كيف سأتركك يا أمي وحيدة بعد كل هذا العمر،من سيهتم بك؟! إنها الحياة بني، ولا مفر من وداع. سأتدبر أمري! لا تقلق..

وبعد هذا المشهد الرابط بين مدخل القصة بالرجوع لحياة الطفولة البريئة والمشهد الثاني الذي يمهد لأطوار متقدمة في تنشيط السرد،وتوديع آخرالعنقود،والامتثال لطبيعةالوحدة،وحياة معيشة للفئة التي يتجاوزها التاريخ المجتمعي،فلا يسمع لرأيها ولايهتم بوجودها في مساحات مهمة من حياة الأسر ،فئة المسنين الذين يعيشون على رصيف العزلة والوحدة والانكماش ،وفي بؤس ووحدة قاتلة للكيان وبشعور إنساني قهري، تكتب ،بأسلوب أدبي جميل:

أستلقي على السرير ،أراقب سقف الغرفة،انه موعد ظهور أطياف الغابرين، " أمي،أبي جدي، جدتي ،زوجي،صديقتي" إنهم غاضبون لأنني لم أنتقل الى عالمهم بعد ،هم يعلمون أنني كنت فتاة شقية لا أستسلم بسهولة.

04/ / قراءة  الأبعاد الفنية والجمالية التي يحاكيها النص القصصي :


في نهاية رحلة ممتعة لقراءتنا هكذانص معين، فلابد أننا كأي قراء آخرين ،ألفوا من العناوين وألفتهم، من النصوص الكلاسيكية المشكلة للفكر الإنساني ،ومسؤولية الاهتمام المنشود في تطوير جودة وأداءالكتابة النصية في مجال الرواية والقصة المغربيتين،ونكون مرغمين بدافع المعرفة وطرح السؤال.أي لابد من يطرح على نفسه عدة أسئلة بديهية تختلف حسب القراء أعينهم،وفي مسار تشجيع لغة الإبداع، فلابدمنا بأن ننتسب للفئة التي تحمل نظارات بزجاج أخضر ،ونرى دائما الجزء المملوء من الكأس، ويكون تقييمنا للمقروء بما يفيد حركية جودة النص في عالم تفاعله الرقمي في عالم التناص.

-أسئلة حول الانسجام في فصول النص القصصي كوحدة متماسكة البنيان.

-الصناعة في المشاهد عبر صور من العبارات والجمل الشعرية والأدبية.

-الأسلوب اللغوي المعتمد،وثقافة اللغة المعتمدة لدى الكاتب،والطريقة في توظيف الأساليب البلاغية في المشاهد.

- الشخصيات المختارة وأدوارها المقتبسة ،وعلاقاتها التواصلية عبر فصول النص،وهل المؤلف الكاتب الساردالحاكي شخص من تلك الشخوص؟أم العكس،فلا صوت يعلو فوق صوته. بانعدام الحرية في تمثيل الأدوار، بحيث يصبح السارد يكتب سيناريو وهو يحمل كاميرا خفية ،بحيث تقع أحداث لا دخل له فيها كراوي على ذكر وصف الناقد المصري أحمد الضبع.

-الحبكة أو العقدة التي تحملها المشاهد ويتم البحث عن مخرج لها إن وجد أو استعمال بعض الألوان الباردة أو الساخنة لعرض اللوحة الفنية أمام عيون القارئ كي يبقى له الفصل.

- وفي الأخير نأتي للنهاية التي تبقى جد معقدة أكثر من اختيار العناوين ،فحينما يبدأ الروائي في الشروع في كتابة نصه ،ففي كل مرة يتبادر إلى ذهنه عنوانا فيكتبه ،ولما ينتهي من نصه يجد نفسه بأنه جمع له مايكفيه من العناوين.يختار الأجود ثم الأجود،ولقد سبق للروائي الإرتري صاحب رواية سمراويت أن قال في مجال الكتابة الرواية ،ففي نهاية المشروع يعود الكاتب لنصه ويبدأ يحذف ويحذف ويحذف حتى لايبقى له ما يحذفه..وقد قال كذلك النهاية المعروفة للنص تقتله أو يعتبر نصا ميتا قبل ولادته.لذلك نجد الروائي الأمريكي الكبير،أرنست همنغواي صاحب الشيخ والبحر ،قد كتب نهاية رائعته "وداعا للسلاح عشر مرات.

- وقد استطاعت القاصة سلوى إدريسي والي، أن تتحايل بفنية ومكر في نهاية قصتها،مما أعطاها قوة ومكانة، كأغنية حماسية أو قصيدة شعرية حافظت على إيقاعها بل ازدادت في قوتها مع قطع مساحات في القراءة،وكانت اللمسة الشعرية في الإبداع في مجال التركيب للعبارة والجملة مقياسا فنيا قويا كذلك، يكتب لصالح القاصة حينما تختم بهذه العبارة :

ألوح بيدي الثقيلتان ولا ألمس سوى السراب..كل يوم يمر أشعر أنني أغرق داخل جسدي،وأعجن آدميتي بماء الصبر،وانتظر متى سيسقط عالمي في قبضة يدي..

بلغة أدبية بيضاء حملتنا الكاتبة والقاصة سلوى إدريسي عبر خيالها الأدبي الممتع ،لعالم أطوار حياة الإنسان من طفولته إلى هرمه ،ومعها عدة  من الأسئلة الوجودية المقلقة،التي تنتظرنا في آخر فصل من فصول وجودنا،وإن نحن صرنا لما صرناإليه،وبلغنامن العمرعتيا،ولنا آنذاك أصدقاء جددمن طينة غير بشرية،ولايرافقون إلامن نفضته الحياةولذتها وعنفوانها وطقوسها الساحرة .ولنا القطط والوحدة وصمت الجدران المطبق في أغنية جاك بريل La solitude، وأضافت القاصة ،الكرسي الهزاز،لوحة قديمةمعلقة على الجدران، ونافذة ،وأصوات ،نعم لنا حياة السكون الذي يسبق الوداع الأخير،والذي صورته في جمل سردية قوية،تتكلم لغة الخواء والعزلة القاتلة أي حينما تبقى لنا الذكريات وألبومات من صور قديمة،نكون جمعناها كسجلات كي نرقم فيها ما مضى من الأفراح والمسرات ووجوه وأشباح تتراءى من خيالات،وتبقى المسافات الطوال التي تجرنا في زمن تغير فيه كل شيء عبر مسيرة عمر،وصرنا بحيوات تمهد لنا الطريق لرجوع للكهف، بعدما صرنا نرى بأن الزمن انقلب رأسا على عقب..

- وها هنا قد نتساءل بفطرة: 

- هل هو تمهيد طبيعي لبداية العد العكسي ،ألم نعمركم فيها ..!؟!

- وقد كان لحضور التأمل في سيناريو قادم في أجمل صوره من طرف الكاتبة الساردة،وهي تجعل من المشهد مشاهد جزئية ،تجمع الألم الذي يسكن الذات في زمن خريف عمر يزحف ليبتلع الزمان الذهبي الذي تحول لذكرى نستأنس بها كي نعيد أشرطة كلاسيكية باللونين الأبيض والأسود..


عشت ألمي لليال طويلة،كنت فقط مثل المراقب،أحدهم يقدم لي الطعام،ويرفعه من أمامي ثم يغادر المكان..تعبت من هذا الموت المفعم بالحياة، لماذا علينا أن نموت قبل خروج الروح ؟لماذا علينا أن ننتظره بأسى ؟ لماذا لدينا تلك النزعة لإنهاء الحياة...خلعت ثوب الأحزان،وقررت أن أعيش مثل تلك السلحفاة النشيطة جدا،لولا أحجار الماضي التي تكومت فوق ظهرها..

بالفعل؛جميل نصك لغة وإبداعا وتقنية في التصوير،والمهم في فقه النص القصصي القصيرة،وهو الأصعب في الكتابة طبعا،هوما يمتلكه الكاتب من موهبة وذكاء في بناء نصه ،حتى يكون شكلا ومعنى وصفة؛أي قصير في حجمه،ويتوفرعلى كل شروط الكتابة السردية الحديثة،من الجملة السردية إلى المشهد والحبكة وتغبيش الأسهم لمسار الأحداث،حتى نخلق الدهشة و تلك المتعة في الكتابة القصصية لدى القارئ،الذي يعتبر هو العدو لدى الكاتب طبعا ،كما وصفه الجاحظ. وهو نفسه في عالم التهافت بسوشيال ميديا والنص الرقمي اليوم، فهو يمل بسرعة "على سبة" كما وصفه الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو،وليس له من القدرة على القراءة للنصوص المسترسلة،مهما بلغت من الجودة ،لأنه لم يتعود على الورقي كجيل قبل الرقمي ،وهو المعذور طبعا ،لأنه يعيش في زمنه السريع و القصير،الذي يعيشه في مجاراة سرعته المفرطة..!!

05/ / النص القصصي القصيرة تحت عنوان : العرض البطيء :


أنا الطفلة المختبئة خلف تجاعيدي، لا أزال أحب الحلوى ،واللعب بالتراب، لا أزال قادرة على حمل نملة دون أي خوف ..

لكن الجميع مصرون على وضع المرايا في كل مكان،المرايا لا تعكس سوى الشكل الخارجي.. ولا يمكنها فتح صندوق أرواحنا المحلقة..

أحاول أن أخطو خطوات ثابتة نحو نعيم ذاتي بعد كل هذا العمر

أنا لم أتاخر،كنت فقط منهمكة في سقي بعض البذور،الآن وقد كبرت واشتد عودها ،سأعود أدراجي نحو الطفل الذي بداخلي فقد أهملته لعقود من الزمن..

كان يومها ليس كباقي الأيام، ودعت ابني (آخر العنقود) كان يضع ما تبقى من ذكرياتنا داخل حقيبة سوداء،وينطلق نحو المستقبل، ويبدأ سعيه الطويل وسيُسقط منه في كل مرحلة جزءا من تلك الطفولة البريئة..

لم أستطع إيصاله نحو الباب،اكتفيت بعناقه وأنا جالسة على الكرسي،كان يبكي بحرقة وهو يقول :

"كيف سأتركك يا أمي وحيدة بعد كل هذا العمر،من سيهتم بك؟!

إنها الحياة بني، ولا مفر من وداع.

سأتدبر أمري! لا تقلق..

كانت هذه آخر مرة يفتح ذلك الباب للأحبة،

عشت ألمي لليال طويلة،كنت فقط مثل المراقب،أحدهم يقدم لي الطعام ،ويرفعه من أمامي ثم يغادر المكان..

تعبت من هذا الموت المفعم بالحياة، لماذا علينا أن نموت قبل خروج الروح ؟

 لماذا علينا أن ننتظره بأسى ؟ لماذا لدينا تلك النزعة لإنهاء الحياة...

خلعت ثوب الأحزان،وقررت أن أعيش مثل تلك السلحفاة النشيطةجدا،لولاأحجارالماضي التي تكومت فوق ظهرها..

خرجت من غرفة النوم متجهة نحو غرفة المعيشة..

قدماي ثقيلتان،أرفع واحدة وأجر الأخرى خلفها،هذا المشوار هوالأبعد منذ أن أتممت عقدي التاسع..

أحلم كل صباح أن أصل إلى الكرسي الهزاز دون أي مطبات؛ فغالبا ما أصطدم بحافة السجادة وأقع على الأرض ثم أعود أدراجي نحو السرير لألملم آلامي لكن محاولاتي لن تكون لها نهاية.

هذه المرة كانت عزيمتي أكبر،كنت مشتاقة للجلوس فوق الكرسي وأستلقي بظهري المقوس، لأراقب تلك اللوحة المعلقة على الجدار،إنها تذكرني بشبابي، ملامح الفتاة البريئة المفعمة بالحياة..

ما زلت أخطو نحو هدفي، ساقاي ترتعدان من التعب،وعصاي تحاول لعب دور القدم الثالثة لكن دون فائدة، غالبا ما ألقيها جانبا فهي تشعرني أنني أصبحت عجوزا، وأنا أرفض هذا الشعور،

"ممارسة الحياة ببطء تجعل من الأشياء أكثر قيمة..

ماذا لو ركضت نحو الكرسي في ثانيتين؟

هل سأشتاق له كما أفعل الآن؟ أمضيت عمرا طويلا في الركض خلف كل شيء، وها أنا ذي أحاول أن أستوعب دروس الحياة بالعرض البطيء...

أخيرا وصلت؛ ربما وقعت الكثيرمن الأحداث،وأنا أحاول الوصول، جارتي عادت هي وأطفالها من المدرسة، ساعي البريد أنهى عمله للتو،الشمس تحاول التسلل نحو الكرسي من خلال النافذة، إنه المكان الوحيد الذي أستطيع من خلاله معرفة كمْ مرت من أحداث أثناء عبوري لذلك الممر الطويل..

أين كان عقلي عندما قررت السكن في هذا المنزل الكبير؟

أظن أنني لا أحتاج إلى منزل،أريد فقط نافذة وكرسي هزاز وبعض الأصوات لتذكرني بأني على قيد الحياة..

لقد انتصرت مرةأخرى على قدميَّ الثقيلتين،لكن الوقت يمربسرعة لحظة الوصول ،ولا ندري إن كان هذا الشغف تقتله طول المسافات أم يقتله الوصول..

ها أنا أراقب الغروب ،إنه يوحي بالنهاية ،لكنه مجرد وهم تصنعه أعيننا ،لأن رؤيتها قصيرة المدى، الشمس لا تنتهي أبدا ،أرضنا هي التي تودع الشمس..

عندما يختفي آخر خيط من خيوط الشمس الذهبية ، تبدأ الذكريات بالهطول كمطر أيلول المفاجئ ،أعود أدراجي نحو غرفتي، أستندعلى الحائط كما يفعل الطفل وهو يحاول المشي لأول مرة ، أفتح ألبوم الصور إنه كتابي المقدس الوحيد الذي يدب في أعماقي إكسير الحياة،أقبله قبل بدء الرحلة ،أبتسم أحيانا ، وأقطب جبيني أحيانا أخرى ، تنزل دمعة ؛ تصيب وجه زوجي داخل الصورة إنه يحملني فوق ضهره ،أمسحها بمنديلي المطرز ، كما كنت أفعل دائما عندما تضيق به الحياة ..

أستلقي على السرير ،أراقب سقف الغرفة،انه موعد ظهور أطياف الغابرين، " أمي،أبي جدي، جدتي ،زوجي،صديقتي" إنهم غاضبون لأنني لم أنتقل الى عالمهم بعد ،هم يعلمون أنني كنت فتاة شقية لا أستسلم بسهولة..

الليل لم يخلق إلا لعصر الذاكرة، وتفتت الروح، أنا هنا في ظلمات ثلاث ، ظلمة الأرض،ظلمة الروح وظلمة الآتي..

ألوح بيدي الثقيلتان ولا ألمس سوى السراب..كل يوم يمر أشعر أنني أغرق داخل جسدي،وأعجن آدميتي بماء الصبر،وانتظر متى سيسقط عالمي في قبضة يدي..


سلوى إدريسي والي  

سلوى ادريسي والي
المغرب


تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى