قراءة في المجموعة القصصية "قلوب لا تصل إليها الشمس " للكاتبة المغربية سلوى الادريسي "الناقد زكريا صبح"

                               

قراءة في المجموعة القصصية 

(قلوب لا تصل إليها الشمس ) 


للكاتبة المغربية سلوى الادريسي







كثيرة هى المجموعات القصصية أو الأعمال الروائية التي (نتوقع )لاصحابها ان يكونوا  مميزين  ومختلفين وقليلة هى الأعمال التى (نتأكد ) من أن أصحابها سيكونون متميزين ومختلفين ، 

وسلوى الادريسى  واحدة من هذه القلة فى مجموعتها القصصية الاولى .ولسنا نجامل اذ نقول ذلك بل  معنا على ذلك شاهد ودليل. فعندما  نكون بصدد مجموعة اولى  وتتوافرفيها عناصرالاجادة والاشادة  مثل  اكتناز النصوص فلا ترى فيها ترهلا  ولا  زيادة ،وعندما  تكون النصوص  مكثفة  بحيث  لا يلتفت القارئ ولا يشتت  انتباهه عن موضوعها  وكذا لا يمل  من  القراءة المسترسلة فى لغة فصيحة  بسيطة  نأت فى  معظمها  عن التقعروافلتت في أكثرها  من  الاخطاء، وكذا  عندما  تتنوع  فيها الموضوعات  بحيث تنقل  الينا الكاتبة جانبا كبيرا  من  الحياة التي  تأسرها و تؤثرفيها  و تنفعل لها.أقول عندما نكون أمام نصوص  لها هذه السمات فإننا لا نغالي إذا نكون متأكدين  من  تميز  واختلاف مستقبلى للكاتبة..

عالم سلوى الادريسي

ثمان عشرة قصة هي  عدد القصص الواردة فى المجموعة  لن تجد  صعوبة فى  ايجاد رابط  رئيس بينها يتمثل هذا الرابط فى  طبيعة الشخصيات التي عالجت الكاتبة قضاياها  وفي طبيعة المكان  والبيئة التى  يعيشون فيها ، وربما وشت عناوين القصص بطبيعة الشخصيات ، فهل تختلف معى اذا وجدت عناوين مثل الابله ، الخادمة ، وهانم والسيد حامد ، العمياء.

أليست هذه العناوين تشى  بموضوع القصة، لن تكون  مخطئا إذا قلت نعم  ،فالقصة الأولى  ترصد  غباء رجل وثق بالقسيس الذي كان يعترف له بخطاياه فإذا به يسلمه للشرطة بعد حادثتي قتل  ارتكبهما هذا الأبله.وقصة هانم والسيد حامد  تعالج حالة خادمة  لدى سيدها تتوهم انه سيقتلها.وقصة الخادمة  تتحدث عن امرأة تعمل لدى سيدة لا تأبه لها   ولا تجد مكانا تجد فيها حريتها سوى المرحاض ، ولا يشذ عن ذلك قصة بعنوان  العمياء ، وكذا قصة المتشردان الاحمقان. 

ربما اتضح الى حد ما العالم المغمورالذى  يجذب الكاتبة لمعالجته،فهي مهتمة أولئك المهمشين  المنسيين الذين لا يهتم بهم أحد ،ترصد طبيعة حياتهم ومعاناتهم  فى اكتساب ارزاقهم  ولا تنسى الكاتبة  عندئذ  التلميح بالفوارق الاجتماعية بين الناس لتؤكد لنا حالة البؤس المحيطة بهذه الشخصيات  وربما تعدى الأمر لرصدها حالة الشقاء الذى  يعانى  منه الحيوان ايضا  وتؤكد  قصة ازقة لا ترحم  ذلك حيث صورت الكاتبة معاناة فرسة تؤدى  دورها فى حمل ما وضع على ظهرها  رغم انها كانت تعانى مخاض الولادة ،تحمل اللبن من اجل الاخرين  ثم تلد  ولادة متعسرة تودى بحياتها .هذا هو العهد الذي وفت به الكاتبة في مقدمة  مجموعتها  من أنها  ستكون الشمس التي تضيء  ظلام حياة هؤلاء  المقهورين.

..هذا فيما يتعلق بطبيعة الشخصيات،أما العناوين التى  تكشف عن طبيعة المكان والبيئة فخذ مثلا  عنوانا مثل  ازقة لا ترحم  وقلوب لا ترى الشمس  و مقابر متنقلة وامرأة من مطرفهذه القصص  تكشف عن الأماكن التى  تسلط عليها الكاتبة كاميرا عقلها،وهذا لا يمنع من أن باقى القصص تقع أحداثها في بيئات مشابهة  لهذه القصص ،وهنا لابد ان نؤكد ان الكاتبة  لها عالمها المغمور  بابطاله  واماكنه  فليس غريبا أن يعيش المتشرد فى الشارع  او يعيش آخر  فى  الخرابات  وحاويات القمامة وفى احسن الاحوال  تصور الكاتبة  ضيق الأزقة  التي يسير فيها البطل  ومهرته ،اذن فنحن  امام كاتبةملتزمة  بما يعانيه  المقهورون وتصويرالاماكن  الفقيرة التى  يعيشون فيها من أجل التعبيرعن  آلامهم ورصدها  ونقلها كرسالة استغاثة من  الذين يهمهم أمر هؤلاء،أقول ذلك لأنني  حرت كثيرا من المقولة التي لا يمل الكتاب  إذاعتها.(نحن نكتب  من اجل التعبيرعن هؤلاء المهمشين )  وغالبا يقفز السؤال الى رأسى  : وماذا  عسى هؤلاء أن يستفيدوااذا كتبنا عنهم  ؟؟ 

الان استطيع الاجابة بيقين تام ،أن الكتابة عن هؤلاء  تعرفنا نحن البعيدين  عن بلادهم  ماذا يجرى لهم. 

لقد نجحت الكاتبة في تصويرالحالات الانسانية المهضومة  فى بلادها  ومن ثم  شعرنا من اجلهم بالحزن والشفقة واتضحت  لنا الصورة التى  تسعى الأنظمة دائما الى اخفائها ، وبذلك تمكنت الكاتبة بأدواتها الفنية أن تكون صوت من لا صوت لهم ،كأنها أشارت  بسبابتها نحوهم وتركتنا  نفكر من اجلهم  ونغتاظ  ممن  لا يريدون مساعدتهم

وربما كان  للأسلوب الفني الذي اتبعته الكاتبة أثر في إثبات كونها واعدة  ، فالكتابة راوحت بين رواتها استماعا لهم  ولم تكتف براو وحد  وليكن هو الراوي العليم  بل   جعلت من ضمير  المتكلم  أوالضمير  المشارك  راويا موازيا للراوي العليم وهذا أيضا من دلائل  تميز الكاتبة فى قادم الاعمال وهذا ايضا دليل على نضجها الفني الأمر الذي يجعلنا نتشكك في كون هذه المجموعة هي الأولى لها ،اللهم الا اذا كانت تقصد الاولى من حيث النشر  لكنها  بالقطع ليست الأولى كتابة.ومن دلائل نضجها الفني ايضا  امتلاكها وهضمها لتقنيات السرد المختلفة  من  حوار واسترجاع  مع الحرص على صنع المفارقة اللائقة بروح القصة القصيرة،وربما كان  أكثر ما ميز هذه المجموعة وجعلتنا  نوقن  أنها ليست الأولى  أن الكاتبة لم تقع في فخ الكتابة الأولى  والتمحورحول ذاتها  تنقل إلينا  مشاعر  واحلاما  وحديث نفسى  يدورداخلها ،لكنها كما اشرنا اهتمت بالعالم المحيط  الذى يؤرق ضميرها  ويحزن  روحها  ، كان العالم المحيط بها بلا شك فيه متسع  لكنها اختارت عالم الضعفاء  المنزوين  المنسيين  فراحت تتحدث عنهم وبلسانهم ،وفى الوقت ذاته  جعلت من رصدها هذا فنا تصويريا بما يليق  بالسرد  الجميل  ،لم تقع فى  براثن التقريرية المقيتة  التي غالبا ما يقع فيها اصحاب الكتابة الاولى ،وإنك واجد في كل نص لمحة تصويرية بديعة ليس من السهل نسيانها  ، فهل ننسى  صورة الفارسة وهي  تحاول الصعود الى نهاية الزقاق الضيق  حاملة اللبن فوق ظهرها  ، ثم مشهد  ولادتها المتعسرة  وحيرة صاحبها الذى كاد يجن ثم فرحته وتهلله عندما حمل وليدها ، رسمت هذه الصورة فى يسروانسيابية  بلا  تصنع  ولا تقعر.ومن من ينسى مشهد الخادمة التى تعرض نفسها على الناس  باحثة عن عمل  بينما تتلقى زخات المطر فوق رأسها.من ينسى مشهد الخادمة التى  تمارس حياتها الطبيعية  فى المرحاض بعيدا عن عين سيدتها  وكيف ننسى مشهد الجنديين في الصحراء يدافعان عن أرضهما ثم  يقتل احدهما الاخرلأنه شك فى  انتمائه.

ولسنا نتغافل عن مشهد  الميت الذى يحدثنا من قبره وهكذا  نجد الصور تترى فى  القصص ضاربة التقريرية فى مقتل .وربما يحمد للكاتبة أيضا أنها نوعت فى موضوعات قصصها رغم  انحيازها لعالم بعينه  ومن ثم وجدناها تعالج  قضية انزواء الكاتب الجاد و انحسار الأضواء عنه  ثم  اضطراره للكتابة المبتذلة من اجل المال والأضواء. 

وايضا ناقشت  حالة سياسية بامتياز ومن خلالها ناقشت فكرة الوطن  وفكرة العداء والقتل المتبادل  الذي لا نهاية له  وكيف أنها  ترى فى ذلك العبث عينه.وناقشت فكرة الموت وعذاب القبر  ساخرة من  التخويف به وإلا كيف  سيعذب المؤمن المدفون بجوار غيره في إشارة منهاأن المساواة الحقة فى باطن الأرض وليست فوقها.ربما اختلفنا  فى الطرح والنتائج مع الكاتبة ولكننا بالضرورة نتفق  معها في  حريتها الكاملة فى التعبير  ومناقشة القضايا التى تؤرقها وتحاول إثارة الأسئلة المسكوت عنها .ومن اللافت أيضا  اختياراتها للرواة  حسب  طبيعة القصة  طبيعة الموضوع فنجدها  تتقمص  الراوي المشارك وتجعل من نفسها رجلا يحكى قصتها ويعرض معاناته بلسانه  وهذا وجدناه فى العديد من القصص  مثل الابله  ورغم قناعتى الشخصية باختيارها إلا أننى أهمس في أذنها أن لغة  الراوي كانت أعلى كثيرامن  مستواه العلمى والنفسي  وكذا الراوي في قصة أظنه الحب. وبالتوازى مع ذلك رأينا الراوى العليم  يصول ويجول فى قصص اخرى،لم اسعى لمعرفة اسماء الابطال كما لم تسع الكاتبة ايضا فقد كانت مشغولة بالقضية ولم يعنها أبدا اسم صاحب القضية كمالم تذكراسم الصحراء التى جرت فيها واقعة قتل احد الجنود لزميله، ببساطة لأنه لا يهم كثيرا من هم الجنود ولا ما هى الصحراء  لكن المعنى وصل بالتأكيد .

وإذا كانت أنماطا معينة من الناس قد شغلت الكاتبة فإنها كانت مهتمة بقضايا كبرى  مثل  قضية العدالة الاجتماعية الغائبة، قضية التفرقة بين الناس  ' سادة وعبيد ' مسلم وغيرمسلم ،غنى وفقير،رجل وامرأة ' حيوانان وإنسان ثم القضية الأم التي  كانت  محورالكل قصصها واقصد بها الحرية.

لاأظن ان قارئا لهذه المجموعة لن يتوقف عند مستوى الأداء اللغوي  السلسل  والذي لم يخلو من استعارات وتشبيهات  انظر معنى هذه الجملة.( تركنا اشيائنا  علها تستفيق  يوما لتدافع عن هذا المنزل الصامد )واقرأ معي هذه الجملة أيضا( تركت صاحب السيارة يدوس بفرامله يومها كله )وإذا كنا نشيد الان بالأداء اللغوي المتزن  فليس يفوتنى  ان اهمس فى اذن الكاتبة بالانتباه الى الاخطاء اللغوية المبعثرة فى جنبات النصوص  فانه حقيق بها أن تفعل ذلك من أجل اكتمال الجمال  المحض.

الكاتب والناقد 

                                زكريا صبح


تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى