قصة قصيرة تحت عنوان:"وفاء" نور الدين بنصالح زرفاوي
وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون].. صدق الله العظيم.
شمس الصيف تسلّط جامّ غضبها على بلدة "المفاسيس"، فآوى كل ذي روح إلى الظل يحتمي من سطوتها: البشر إلى البيوت، والبهائم إلى الحظائر، والدواجن إلى الخمم.. أما سرب العصافير، فلقد اتخذ من أغصان أشجار الزيتون ملجأ له، فيما رقد كلب بالوصيد يلهث هناك في الظل.. وفي السماء حام زوج حمام.. ناصعي البياض كملَكيْن.. حطّا فوق السياج الحديدي الذي يحيط بالحوض المائي الكبير..
استرسل الذكر في هذيله العذب وهو ينفش ريشه البرّاق مفتخراً بقوّته، ومتباهيا بأناقته.. أما الأنثى فظلت في هدوء مهيب، متكبّرة برقّة ورزانة كأميرة حسناء.. أسفل منهما المياه الراكضة تتلألأ تحت أشعة الشمس الحارقة، فتزيد من معاناة الإحساس بالعطش، وتغري بالإرتواء.. رفرف الذكر ثم حطّ على حافة الحوض المائي.. غطس منقاره في الماء عدّة مرّات.. وعندما ارتوى، طار واستقرّ جنب رفيقته.. انطلق من جديد في هذيله وفي تباهيه.. يحثها، في دلال، أن تحذو حذوه.. رفرفت، وحطّت على الحافة المائلة بحدّة.. انزلقت، وسقطت في الماء.. فزع الذكر، وحام حولها بجنون.. وبنفس الجنون والذعر حام حول الحوض الكبير.. يخبر العالم من حوله بوقوع الكارثة، ويستجدي النجدة.. انتفض الكلب من رقدته، وحرّك أذنيه إلى أعلى يستطلع مصدر الخطر.. وطار سرب العصافير دفعة واحدة من بين الأغصان المتشابكة، فأحدث جلبة.. وفي الخمّ تعالى نقيق الدجاج محدثا زوبعة.. حينها كانت المسكينة تزداد غرقا كلما حاولت الطيران.. وبعد لحظات، فاضت روحها وأصبحت جثة هامدة تطفو على سطح الماء..
عاد الكلب إلى رقاده، والعصافير إلى أوكارها، وهدأت تلك الزوبعة في خمّ الدجاج، فأطبق صمت موحش على المكان.. وفوق السياج الحديدي حطّ الذكر مكانه مستسلما، يرقب جثة أميرته الغريقة تطفو على السطح.. ظل هناك قابعاً، وحيداً، حزيناً مكتئباً... إلى أن أدركه الليل ./ .
نورالدين بنصالح زرفاوي
يونيو 2024.
تعليقات
إرسال تعليق