نورالدين بن صالح زرفاوي الكاتب الذي ولد كي يكون روائيا وقاصا بقلمه الكبير.عبد الرحيم هريوى / خريبكة اليوم/ المغرب
نورالدين بن صالح زرفاوي الكاتب الذي ولد
كي يكون
روائيا وقاصا بقلمه الكبير.
01// قراءة في مسار قارئ وكاتب كبير :
هل بالفعل كلما قرأنا أكثر،كلما جاء إبداعنا بشكل نوعي ومتميز.!؟!
بالفعل كل من سبقونا إلى عالم الكتابة يقولون بأن كل كتابة لأي نص لا تأتي من فراغ،بل لابد أن تسبقها قراءة ساهمت في تكوين ذاكرة لكل مقروء قديم وجديد، وذلك له تأثير على مستوى الرؤية والتفكير،أي فيما هو متخيل في نصوصنا الأدبية يرتوي من جوانبه الوجدانية والفكرية والفلسفية.وذاك ما نلمسه في نصوص قصيرة وطويلة لكاتب متمرس ألف رائحة المداد في زمنه القديم،وأحب القرطاس منذ صباه،ولما اشتد عوده بزع فجر نهاره الأدبي والفني من بين ركام الأتربة والأحجار،لبلدة المفاسيس التي تعيش الحصار بشتى أنواعه،رغم أن أرضها تحوي الملايير من الدولارات لما يزيد عن قرون قادمة.من بين نبات الصبار ،وشجر الكرم والزيتون،وغبار الفوسفاط ،نشأ الطفل نور الدين زرفاوي ،كي يتحدى كل الإكراهات ويبني له مستقبلا بين الأطر المغربية في زمن مغرب ما بعد الاستقلال.ورغم انشغالاته وضيق الوقت،ومتطلبات الحياة.أبى إلا أن يكون قلما جريئا ينبش في الذاكرة التاريخية والجماعية للأرض والوطن.وهو الروائي من الرعيل الأول مع رائعته " العصافير تهاجر كي تعيش" حين يأخذنا لهروب أبناء مدينة الفوسفاط لديار الإيطالية بحثا عن حياة مفقودة فوق أرض غنية،وكان لسرده فلسفة في الحكي والتمثلات والتفكير،كي يعطي القارئ صورة حقيقية عن معاناة إخواننا بالمهجر ابتداء من ركوب الحافلة حتى نهار العودة للوطن بعد غربة تمتد لعقود طويلة ،يعيش فيها المهاجر بين ثقافتين ،وعالمين، وطموحين..
لذلك فأنا لم أتفاجأ بما جاء في نصه القصير هذا من إبداع الكبار،سواء في اختيار الشخوص أو الفضاء أو طريقة السرد ،أو البناء الدرامي في مجال الكتابة للنص القصير.
لذلك أعتبر القاص والروائي نور الدين زرفاوي من جيل طه حسين ونجيب محفوظ ومبارك ربيع ومحمد زفزاف عندنا..
02// النص القصصي القصير :
لم أعد أقوى على الاسترسال في القراءة..ما أن أفتح كتاباً وأشرع في التهام سطوره وفقراته حتى يدُبّ الخمول في أوصالي،ويثقل النعاس جفنّي!..تغرورق عيناي،فتلوح لي الكلمات والسطور مجرّد نقط وخطوط سوداء.. حينها فقط، أطوي دفّتيْ الكتاب وأنهي المغامرة..محبطاً.. تلكُم معضلتي..
في ركن قصيّ من المقهى، أجلس وحيدا أرغب في ساعة عزلة.. "مائة عام من العزلة" (رائعة غارسيا ماركيز) بين يدّيّ.. فوق المائدة المستديرة أمامي، فنجان قهوة مركّزة، رشفةٌ واحدةٌ منه كفيلة بأن تجعل النّوم يجافيني اللّيل كلّه.. رفيقي وسندي في رحلتي.. أرشف منه رشفات متتالية استعدادا للتحدّي.. شرعت أقلّب الصفحات إتباعاً.. ألتهم السّطور والفقرات بنهم شديد..أرسم المشاهد..أعيش الأحداث.. وأتقمّص الشخصيّات..وما هي إلّا لحظات، حتى اجتاحتني نوبةُ ارتخاء ونعاس.. أتثاءب ملءَ في.. تمتلئ مقلتيّ، فتنهمر دموعي ودياناً وأنهاراً على خدّي..
النّادلة.. شابّة..جميلة.. جرّيئة.. تمرُّ بالقرب منّي.. تقرأ عنوان الرّواية، فتصيح بعفوية:
- لقد قرأتها.. إنّها رائعة!..
أجيبها بنفس العفوية:
- إطراء جميل!.. كم هو محظوظ "غارسيا ماركيز"!..
وعندما لاحظت الدّموعَ تجري على وجنتيّ، صاحت مستنكرة:
- ماذا ؟..أتبكي" عَمُّو"؟..
- ألهذا الحدّ أثّرت فيك أحداث الرواية؟..
- أجيبها بحنان الأبوّة، وأنا أخرج منديلا من جيبي:
- ذاك حالنا نحن الرّجال بنيّتي!.. كلّما تقدمنا بالعمر، أصبحنا أكثر رقّة وعاطفة!..
- عكسنا نحن معشر النّساء، كلّما كبرنا، ازددنا غلظةً وسلاطةَ لسان!..
قالتها، وقد ارتسمت على محيّاها ابتسامة مشرقة.. تنصرف هي.. أكفكف أنا دموعي، وأغوص من جديد بين دفّتي الكتاب.. ./.
نورالدين بن صالح زرفاوي
14/06/2024
تعليقات
إرسال تعليق