بيتي الجديد؛ بمدينة سانت بطرسبرغ بروسيا.. قصة قصيرة. عبد الرحيم هريوى /خريبݣة اليوم/ المغرب
قصة قصيرة.
عبد الرحيم هريوى
خريبݣة اليوم
المغرب
في رحلة غير منتظرة ومفاجئة لأراضي دوستويفسكي،وقد حط الكاتب الرحيل بطرسبرغ ،ثاني أكبر مدن روسيا القيصرية لتواجدها على بحر البلطيق،واتخذها قيصر عاصمة له في ذاك الزمان..
كان لا بد أن أعرض بيتي هذا الجد متواضع، ببنائه البسيط وهندسته المعمارية التي تحدد مستوى عيش الساكنة العمالية..
بيت للسكن ،في شكله وواجهته يوحي لك بنفسه ،إذا هو لم يكلمك عبر لغته:
- أنا سوى بيت متواضع بهذه المدينة الفوسفاطية في جهتها الجديدة بني ملال خنيفرة،وعبر سلم تنمية جد بطيئة،بالكاد تتحرك في رسم نماذج لهكذا مشاريع،هنا وهناك..ثانوية مكان اسطبل للخيول المروضة على جر العربات..وهنا إعادة هيكلة نافورة قديمة وحضور من دشنوا وكاميرات وإعلام وفلكلور وأهازيج ممثل سوريا القدير دريد لحام في المطفية.. وهناك محطة طرقية بعمران يشبه بيتي البسيط في الصورة والعنوان ..التنمية تحدد بنوع السرعة تبعا للمدن الإمبراطورية..مدينة فوسفاطية على هضبة، لا تعرف أية سرعة تبشر بفجر تنموي جديد..وقطار من صلب وحديد ،يحمل أثقالا مع أثقاله.إنها الثروة الباطنية،التي ظل يمشي مشيته المعهودة،وببطء السلحفاة ..ومنذ زماننا نراه على تلك الشاكلة،لا شيء تغير في لونه،وطوله،وسرعته..حينما كان بعض أصدقائنا يغامرون في ركوب الخطر، والذهاب على متنه للديار البيضاوية..
وكذلك لنا ما لنا من أصناف من السرعة ،نحن أهل هذه الهضبة الغنية منها سرعة وسائل نقلنا البدائية عبر «لكرارص» و«الكرويلات »و«الكوارو» وانت لك كل الاختيار عندما تحل بمدينة الفوسفاط، فأن تختار ما شئت،وإن كنت تريد أن تسجل حضورك في مدينة الغبار والعقار ككاتب أو مثقف أو سائح،اختر الكرويلة كي تجري حوارك بهدوء مع النوتي ولربما تجد عنده ضالتك ويحكي لك عن زمن السرعة..
وكيف يغير حماره بعدما يأخذ منه الجهد مأخذه..!
والبرسيم الذي قل مع توالي سنوات الجفاف
والمضايقات في إيجاد مرفق خاص بكرويلته ،وضريبة النظافة المفروضة عليه بسبب " البعريط" الذي ترميه دابته في شوارع المدينة..والروائح الكريهة المنبعثة ..وتشويه سمعة المدينة التي نريدها نظيفة..وكذلك ما يدفعه من غرامات في غياب حرصه على وضع خيشة ترمي فيها دابته "البعريط"..
وانا اتابع عبر اليوتوب المشي في المدن الأوروبية ،أخذني بصري بمدينة سويسرية ،وذاك الكوتشي الجميل بلباسه وتواجده،والذي ينقل السياح عبر أرجاء مدينة جبلية، صورة لنظافة المدينة..
وبذلك تأكدت بأن الشعوب ثقافتها عبر المعمورة تعطيك بكل يقين ،مستوى حالتها الصحية والتعليمية والعمرانية والسياسية والاقتصادية والبيئية و..و..و..!!
-وها أنا وقد أخذتني المسارات والمسارب المتعرجة ..!
-وها أنا وقد هرب مني رأس خيط السرد ..ولما نريد أن نرويه لكم..!
-وبذلك نسيت أن أتمم لكم القصة، التي لن أكون بطلها بل سوى كاتب وراوي أحداث كما وقعت بالفعل..!
بعت مسكني ذاك، الذي ظل يربطني كعش طائر كلما هجرت هذه الأرض،وأعود مهما طال بي السفر..
بيتي،بيتي إنه جد متواضع..!
ومن الزمن القديم الذي ظل شاهدا على واقع ما زلنا نجتر حكاياته مع مرور الدهر حتى اليوم،عن بلدة فوسفاطية أردتها السياسة على شاكلة شجرة تعيش على جنبات طريق مهجورة لا تعرف أي حركة للسير إلا في حالات الاستثناء..!!
تسلمت ثمن بيتي القديم، وكتبت وصية مدينتي، وعلقتها في بيت من بيوت منعزلة في سطحه، بالقرب من سقط متاع تركته، أجد نفسي بأني لا حاجة لي به ،وبعدما بعث كل شيء يمكن له أن يوفر لي زادا، ما دام السفر سيكون طويلا..!
-تساءلت مع نفسي : ماذا أصابك ياصاح .!؟
مهاجرو مدينتك الفوسفاطية يقتنون بيوتهم بإيطاليا وكذلك بإسبانيا، لقربها منا، وكذلك يفعل بعض من السياسيين،وهم يتمتعون في ڤيلاتهم سواء بالمحمدية والجديدة والدار البيضاء..
وأنت لم تجد إلا بلد ستالين و لينين، هذا الشيوعي، الملحد والفيلسوف المنظر في الجدلية المادية،وعدو المثالي الأسقف الإنجليزي باركي،وبها تريد تغيير أرض أجدادك و طفولتك وشبابك،وتدفن تاريخك القديم إلى الأبد، كي تبدأ لك في فتح صفحة جديدة في وسط عالم مجهول..فما أتعسك يا رجل..!!
واليوم أجد نفسي لا ألتفت خلف ظهري..إذ شعرت بأن المدينة الفوسفاطية مؤخرا بدأت تتضايق من وجودي،ووجهت لي كم رسالة بأن أبحث لي عن مكان فوق جغرافية العالم، خارج أرض الجبال الفوسفاطية التي عَمٌَرَتٔ ببلدتنا المفاسيس ،بعدما تحولت كل الأراضي الزراعية لجبال شامخة،والحمد لله،ونحن أطفال كنا نسميها« العرارم»وجل الأصدقاء القدماء،من أولئك الذين أعرفهم قد رحلوا أو هُجِّرُوا..ولم يبق منهم إلا بعض الوجوه القليلة التي بالكاد تعرفها..وقلت كل ذلك دليل على أن الأرض وترابها تكلمني لغة زمانها ومكانها.. واللغة تورث كالأرض نفسها..ولم يبق لي إلا الرحيل، لأرض رفع فيها ستالين شعار الشيوعية في زمن القطبين شرق وغرب ( الدين أفيون الشعوب) لكنهم بعد ذلك بحثوا لهم عن آلهة تعجبهم فوق الأرض، سموها ڤودكا،وأضحى الشعب يشربها مكان الشاي عندنا..!
-اقتنيت بيتي الجديد عبر معاملة بنكية بين مؤسستي البنكية بالمغرب،وبنك إفريقيا،وشركة عقارية روسية، بعدما وقعنا على ملف خاص يتضمن جميع الأوراق الخاصة بالبيع ،وتم الدفع المباشر عبر حساب الشركة، وتسليمي عقد السكن لبيتي الجديد..!
-نظرت حولي مودعا المكان ؛ الذي عشت فيه عمرا.. وأطفالي لا زالوا صغارا..!
وهم ﻻ يعرفون من الرحلة أي شيء يذكر..ولا ما ينتظرنا جميعا هناك من مفاجآت..!
الشركة العقارية الروسية قدمت لنا كل التسهيلات والمساعدات،و بما فيها تذاكر الطائرة لكل أفراد أسرتي ..!
حملت حقائبي وكل ما يمكن لي حمله من أخف الأثقال..وكانت وجهتنا مطار محمد الخامس في صباح يوم مشهود..!
تكلف أحد أقاربي بإيصالي المطار، ما دام كل شيء كان لدي بعته، في انتظار أن أصل للمدينة المعلومة سانت بطرسبرغ
وأتدبر حالي..!
-كل شيء كان في المدينة يخالف واقعي القديم بعاصمة المنجم الكبير ..!
الناس هاهنا لا يتكلمون،لا يلغطون،لا يجترون، ولا بك يهتمون..!
كل شيء مباح عنهم من الصباح ..
ترى كل شيء أمام عينيك في الشارع كأفلام تم منعها لاعتبارات أخلاقية ودينية..!
هاهنا لا يوجد محرمات بالمطلق..!
لا هذا حلال ولا ذاك حرام..!
لربما هؤلاء القوم لم يحرموا أي شيء نراه كذلك ..!
لا يذكرون الموت ..!
ولربما هم لا يعرفون لا جنة ولا نار..!
ولربما في مقر الدوما عندهم،فممثلوهم لا يتسابقون على جمع الحلوى في الأكياس،ويخرجون فرادى وزرافات لسياراتهم الفاخرة..
وهم متقدمون جدا لأنهم اكتسبوا ناصية العلوم الحديثة،ولا بد أن تعليمهم العمومي جيد جدا..
ولا أعلم أي شيء عن مجالهم الصحي،لكنهم يظهرون لي من خلال ملامح وجوههم في الشوارع،بأنهم يعيشون في سعادة ..وهذا شعب عجيب، فهو يحارب البرودة في كل شيء..!
وبعد تفكير عميق وفلسفي ؛قلت مع نفسي :
- كيف لأولادي بأن يستطيعون التكيف مع هؤلاء القوم..!؟
- وكيف لهم بأن يندمجون في مؤسساتهم..!؟
- وكيف يمكن أن يدرسون في مدارسهم ..!؟
- مما جعلني في حيرة من أمري..!
وحتى الشوارع أراها،وهي جد واسعة.أما الحركة فهي جد سريعة في الجولان..
-فكيف لشخص مثلي ظل عمره يعيش بين عالم الدواب، من الخيل والبغال والحمير،والتي تجر ما تجره من وسائل نقل بدائية..وشوارع بالكاد يجدون ثمن تزفيتها في برمجة مشاريع لإعادة صيانتها لمدة خمسة سنين قادمة..بأن لا يجد صعوبة في هذه المدينة العجيبة والغريبة عنه والتي تتحرك بسرعة زمنية جد خارقة..!
لكل ذلك عشت في أزمة نفسية صعبة لا حل لها بالمرة..وهمت أفكر كيف أنني حسمت أمري بهذه السرعة..وجئت عند هؤلاء القوم،وغامرت بمستقبلي ومستقبل أسرتي.بعدماعشت ما عشته في مدينتي من اختناق وحݣرة وهي مدينة عالمية في إنتاج الفوسفاط..وتنميتها على« ݣد الحال» بل في مستوى ضعيف أو ضعيف جدا مقابل ما تنتجه للوطن من عملة صعبة ..!
وبقيت على تلك الحالة.ولم أجد لأسئلتي تلك؛أي جواب يذكر..حتى استيقظت من حلمي بدون نهاية تذكر، لتلك الرحلة عبر حلم هيتشكوكي كان لا بد أن يعرف طريقه للقاريء عبر سرد وبطريقة ما تحت عنوان : بيتي الجديد؛ بمدينة سانت بطرسبرغ بروسيا..
تعليقات
إرسال تعليق