قصيدة من بوح رائع وجميل للشاعرة المغربية حنان الفرون ،حينما احتضنت رفاتها وقلمت أظافري الصبر..!عبد الرحيم هريوى/ خريبكة اليوم/ المغرب
عبد الرحيم هريوى
خريبكة اليوم/ المغرب
بين نواميس جسدية وروحية متماثلة، تتواجد ذات الشاعرة حنان الفرون ..
وحينما تكون الفضيلة منبع جمال النفس وصحتها وسجيتها ،والرذيلة تشويهها وفسادها..وكل شيء يمكن تجاوزه في سيرورة الحياة عبر قنوات تواصل ورسائل نرغب في إيصالها للنصف الثاني،الذي نتقاسم معه أي اضطراب في القلب..
الشاعرة المغربية حنان الفرون،كأي شاعرة تعيش في أرض المهجر،بعيدة عن الوطن،وفي حياة جديدة بكل تناقضاتها الثقافيةوالمجتمعية، عن ما تحمله من موروث ثقافي واجتماعي وفكر مغاير ،لذلك فما فتئت تبحث لها عن دفء ظل مهدد عبر حضن كان يضمها،ويعطيها من الحرارة والحميمية، ما يجعلها تطمئن أشد الإطمئنان بأنوثتها الخصبة،ولم تتوانى في سبيل ذلك،بأن تسلك طريق القصيدة الشعرية،وتطرق الباب بلغة الخطاب الشعري الحميمي،التي أبدعتها بلغةرشيقة وسلسة من بلاغة وبيان في القول،ومااستعمالها في مستهل القصيدة لأداة"لا الناهية" إلاعن سبق استشعارها بأشياء غير طبيعية، تضمرها، تهدد عن مساحة مستفزة لعلاقة عشق وغرام تربطها بفارس أحلام ،هو مضمركذلك في قصيدتها،لا نكاد نتلمس إلا ظلاله ..
لا توزع رغيف عشقي على يتامى القلوب
كم مِن جِياع يتربصون للطرائد،و كم من جُناة يسبحون في أوردة النأي قبل الوصول إلى منعطف القلب.
دعني أنتشل قبلاتك المرتعشة المطبوعة على رقبتي، و أقتنص حفيف همسك من أوردتي لأصنع منه أضمومة عشق
تغري العابرين
ألم يقل سقراط مثلا :
ألا نقول أن عقل الإنسان يشتهي ،مدفوعا بالرغبة في الحصول على مطلوبه ، أو يجتذب إلى صدره مايهواه؟
أوأنه على قدرما يرتب في امتلاك مطلب ما يستحسن في قلبه الحصول عليه،كأنه يطلبه بلسانه،ولربما يكون بلغة الشعروالبوح الصادق العميق مشتاقا إلاسد كل النوافذ التي يتسرب منهاالهواء الفاسد الغير مرغوب فيه،لما يحمله من سموم ضارة تؤدي الكيان من حيث لا يدري بمفعوله إلا بعد فوات الأوان..
ونحن كلما انتقينا نصا من بعض النصوص، نحاول جهد الإمكان ما نعطيه من الشرح والتفسير والمعاني أقل ما يمكن من المساحة،لأن ذلك يبقى في حيز يمتلكها النص عينه،وحسب رؤانا لكل قراءة.ونحن نسعى أن نضيء عتمات النص ما استطعنا لذلك سبيلا.وفي طريقة البحث عن أي جمالية فنية وادبية واي دهشة يعطيها بميزة جيدة او أكثر،لأن عالم التناص يتطلب منا أن نذهب إلى شاطئ الكلمات العذبة،كي نبحرعبرإحساسنا الجمالي،ونعطي للنص حياته الجديدة عبرفصول قراءة باطنية نلامس من خلالها ظلال خيالات نطلبها كقراء في هكذا نصوص شعرية كبيرة عبر الفضاء الرقمي،وذاك ما يتمناه الشعراءوالشواعر من القراء الجيدين بالطبع،والتي لاتخلو من لمسات فنية وجمالية وأدبية وفلسفية ونفسية.ولأن الناس عموما يرغبون في الجيد من كل شيء،كما يقول سقراط،فما بالك بنص شعري لايستطيع أن يشد قارئه إلا عن طريق خلق نوع من الدهشة،على حد قول بودلير أو يحدث للقارئ موسيقى ورقص على حد تعبير بول ڤاليري..
والشاعرة حنان الفرون؛ٱستطاعت في افتتاحية قصيدتها هاته، بأن تجعلنا نعيش لحظات حميمية مع نصها،وهي تنزل بكل ثقلها في جعل القادم من البوح غابة من المفاجآت لدى القارئ،وولوجها لبحرلجي في استئناس بشعرها الجميل، عبر سجال و مواجهة، الهيجان وعلوأمواج الحياة العاطفية،وما يهددها من مؤامرات،وما يكن لها من ماأسمته بالعابرين،وبلغة كلها تحذيروتنبيه لما تغفل عنه النفس،وتعطينا بعض الصور لفئة من النفوس المريضة سمتها بيتامى القلوب،وأعطتها أبشع صورة والتي تطمع في رغيف العشق الذي يجمعنا..وكم من الجياع يتربصون بالطرائد من أمثال هذا النوع،ويكون هدفهم الأقصى بلوغ منعطف القلب،وتلك المنطقة الحساسة والخطيرة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بطريقة ما،ولو كانت محرمة. لذلك هم في نظر الشاعرة حنان الفرون من الجناة الذين ارتكبوا من الجرم ما يجعلهم في نظرها يحملون تلك الصفة الشعرية القبيحة في متن قصيدتها.ولعل الشاعر اليوناني هوميروس قد كان صادقا لما قال:
فقرع الصدر وفي القلب ندم،وقد أوضح مصادر الشر ومنبعها الأصلي..!
الشاعرة حنان؛ تبقى سخية في بوحها وفي عطائها الشاعري نحو الآخرالذي يبقى في وجهة نظرالقصيدة من أحبته ،وأعطته النصيب الأكبر من مشاعرها الصادقة..
الشاعرة حنان الفرون؛ تتوسل للآخرالذي تتقاسم معه ساعات الليل، وأطراف من النهارفيه شيء من الاستعطاف من أجل لحظات حميمية للذكرى،وما يوحي بالنصيحة المثلى عبر قصيدة شعرغزل لا يخلو من إيحاءات عاطفية منغرسة في الذات العاشقة،وفي قمة من الإبداع الجمالي للغة الشعرية الدافئة،من استعارات " أكنس تمتمات - ثغر الليل -ثغرالأمنيات-قبلة نيئة.."استطاعت أن تبهر بكل استعارتها تلك المظاهر الطبيعية التي ما فتئت تجد لها مكانة خاصة في الأدب الإنساني عبرالتاريخ الأدبي،ولنا في الشمس أكبر مثال في كتاب الأدب والغرابة لعبد الفتاح كيليطو
" دراسات بنيوية في الأدب العربي"ونحن مدينون للشمس بالكثير .كيف يمكن أن نستغني عن استعمالات من نوع: عبارة واضحة أو مشرقة ؟ كيف يمكن الكلام عن الخطاب دون الكلام عن المعنى الخفي والمعنى الظاهر والمعنى الغامض؟ وكيف يمكن الإفلات من لغة الشمس؟ تلك لغة الشمس.
وقد استطاعت توظيف كل من الشمس والليل والمد والجزر وذرات الرمل وتركب مشاهد تحمل رومانسية جميلة وحميمية عبرعشق ربطته بخيال شاعري ممزوج برائحة الآخر،الذي يشاركها فصول حياة ترغب فيها حرة طليقة في تشبيه مجازي للمد والجزر البحري..ولنا سؤال عرضي،فهل الحضارة والثقافة الغربية التي انغمست فيها جعلت منها شجرة اقتلعت من تربة المنشأ لتكمل نشأتها في تربة بطقوس جديدة..!؟!؟
دعني أكنس تمتمات وجدنا من ثغر الليل و أعده ببزوغ شمس دافئة تشع من حدقاتك ،و أطبع على ثغر الأمنيات قبلة نيئة تمحوها أمواج البحر الغادرة
دعني أحيا حرة طليقة كالمد والجزر،لأطمس آثار أقدام العشاق الذين يغازلون ذرات الرمل في كل ليلة مُقمرة
الشاعرة حنان الفرون؛بالفعل لها قدرة على مغازلة أحاسيسها الجبارة بلغة الشعر،وهذا تتفرد بها الشواعرعلى الشعراءبالمطلق،لماذا؟لأن المرأة مجمع العواطف والأحاسيس الجياشة،وما بحار الدموع الجارية إلا صورة حية للأنثى المعبرة بالدموع،كما تعبر عنه بلغة الشعر،وكله بسلطان القلب الذي يقول فيه محمود درويش للأرض قلبها وهو أكبرمن خريطتها..ولها من كل الأسلحةالمتاحة في قلبها ،والتي تحسن استعمالها سواء في ردع خصومها أو إثارة عواطفهم ومشاعرهم، أو رثاء لذكريات ظلت عالقة على جنبات رصيف حياة ظلت حية في القلب الجريح،تؤلم الكيان،وتجرح مشاعره،وما استعمالها لألفاظ في غاية التأثير البليغ على نفسية ظلها الثاني الذي تحمله قصيدتها منها (أحقن ذكرانا في مسام الفجر بحنو أنثى تسابق المحال/دعني أختلي بوجعي/ وأحتفظ بحصتي من الهزائم في جيوب الظلام/وعندما أستفيق من سباتي ألعن سذاجتي/وأحتضن رفاتي دعني أقلم أظافر الصبر علني أجد بعضا مني يختنق تحت وسادة ليلك الشاحب دوني .فامتطي أول غيمة يتيمة مثلي مُثقلة بالحنين ،تتقاذفها الرياح لتتمرد على الفصول العابرة..)
وهنا تذكرت محمود درويش لما يدخل في سجال وصراع مزدوج مع الحب ويعترف بهزائمه التي يخوضها في معاركه التي لا تنتهي
يا حب ..!
لا هدف لنا إلا الهزيمة في حروبك
فانتصر أنت انتصر واسمع مديحك من ضحاياك
انتصر سلمت يداك..
النص الشعري المنثور
للشاعرة المغربية حنان الفرون
لا توزع رغيف عشقي على يتامى القلوب
كم مِن جِياع يتربصون للطرائد،و كم من جُناة يسبحون في أوردة النأي قبل الوصول إلى منعطف القلب.
دعني أنتشل قبلاتك المرتعشة المطبوعة على رقبتي، و أقتنص حفيف همسك من أوردتي لأصنع منه أضمومة عشق
تغري العابرين
دعني أكنس تمتمات وجدنا من ثغر الليل و أعده ببزوغ شمس دافئة تشع من حدقاتك ،و أطبع على ثغر الأمنيات قبلة نيئة تمحوها أمواج البحر الغادرة
دعني أحيا حرة طليقة كالمد والجزر ،لأطمس آثار أقدام العشاق الذين يغازلون ذرات الرمل في كل ليلة مُقمرة .
دعني أحقن ذكرانا في مسام الفجر بحنو أنثى تُسابق المُحال ،و يتوقف نبض خطوها عند أول إيمائة خيبة
دعني أختلي بوجعي لأهدهده في مهده الأول و أحتفظ بحصتي من الهزائم في جيوب الليل حتى يكسو الظلام جسدها العاري .
دعني أعض على الرياح بأسناني حتى لا أسقط في لجة الضياع فأجدني أتأرجح بين الشهاب ،و عندما أستفيق من سباتي ألعن سذاجتي و أحتضن رفاتي
دعني أقلم أظافر الصبر علني أجد بعضا مني يختنق تحت وسادة ليلك الشاحب دوني .
فأمتطي أول غيمة يتيمة مثلي مُثقلة بالحنين ،تتقاذفها الرياح لتتمرد على الفصول العابرة.
حنان الفرون/ بلجيكا
تعليقات
إرسال تعليق