سرديات في مسار مهني(3)و(4) مغامرات معلم في الأرياف.. بقلم حسن الوافي برشيد / المغرب



 سرديات في مسار مهني(3)و(4)

مغامرات معلم في الأرياف..

بقلم حسن الوافي

برشيد /  المغرب


في البداية كانت تيزنيت سهم التعيين الأول لي على مسار سفينة وزارة التعليم التي ركبت ظهرها طوعا واقتناعا، سهم إنطلقت رمحه من مقر مركز التكوين المعلمين بسطات لأجد نفسي في ساحة المشور المشهورة عند ساكنة مدينة تيزنيت؛ نظرا لاحتضانها لساحة كبيرة تعد محطة للمسافرين، وعددا من الفنادق الرخيصة التي كانت تؤوي كل عابر سبيل بالمدينة.


وبالفعل قضينا بها رفقة زملاء التعيينات الجديدة بعضا من الأيام ريثما ترسو سفينتنا على بر الأمان، وتتعرف على نقطة توجيه تعيينها التفصيلي. ولم تكن إبدر سوى نقطة رحلها الأول حيث ضرب لنا موعد يوم 16/09/1992 بمركزية مجموعة مدارس الغزالي، ومن هناك وإثر إنعقاد إجتماع مع المدير: سي الطيبي ابن مدينة قنيطرة تم تفريقنا نحن المعلمين الجدد على مختلف نقط المدارس الفرعية التي بها نقص لأطر جديدة. فكان نصيبي تعيين في أحد أقصى الوحدات المدرسية، وهي فرعية دوار أنفك التي تبعد عن مركز مدرسة المدير ب 15 كلم. لنجد أنفسنا نحن المعلمين الجدد معتقلين بالمدرسة المركزية عند حارسها لحسن لعدة أيام، بعد أن تفرق بنا شمل الإجتماع وفرَّ عنا كل المعلمين القدامى، وعادوا إلى مقراتهم السكنية دون أن يمدوا لنا يد المساعدة.

إعتقال طوعي دام تقريبا ثلاث أيام ريثما دبر لنا الحارس لحسن وسيلة نقل خاصة حملتنا في إحدى عشي تلك الأيام إلى فرعية أنفك. كنت آنذاك مصحوبا أنا وزميلي في التعيين سمحمد الجراري وما هي إلا بعض الأوقات حتى وصلنا إلى هدفنا بعد عناء كبير في الطريق؛ نظرا لوعورة التضاريس، وطبيعة أرضية الطريق غير المعبدة. مما ضاعف من صعوبة الرحلة بالرغم من قلة المسافة وقد صادف وصولنا إلى جانب سور المدرسة القصير حلول الليل، مما عقد أمر ولوجنا إليها، خصوصا وأن السائق( الخطاف/ مانكوش ) كان مستعجلا في وضع حاجياتنا على جانب السور وتركنا هناك دون أدنى وسيلة إيضاح من مصباح يدوي أو ما يشابه. الأمر الذي دفع بنا إلى ركوب خط المغامرة وتدبر مسألة إختراق المدرسة على جنح الظلام الكثيف، وحمل أغراضنا ووضعها على جانب أحد الأقسام الذي تعرفناه بحاسة اللمس، وكأننا كائنات أجنبية حطت على كوكب الأرض. وبعد أن تحسسنا باب حجرة القسم وقفنا أمامها وبادرنا إلى فتح قفل الباب بواسطة مفتاح كان المدير قد سلمه لنا، فانشرعت لنا دنيا التعليم من بابها الأكبر. قسم ولجناه من عتمة أفق نجهل أفقه ولا نرى له ملامح محيا معين.صرنا نتلمس موضع أقراص الكهرباء لكي ينير القسم ويقدم لنا نفسه لكنه ما استجاب ولا رد لنا جوابا لان المدرسة لم تكن آنذاك مستفيدة من شبكة الربط الكهربائي لنستسلم لقدرنا، ولنسرع في إفراغ حمولة فرشنا، ونقوم بتسريحها دونما أية مراقبة لأرضية حجرة الفصل ولنسترسل في إلقاء أجسامنا عليها، نظير قمة العياء الذي كنا نستشعره من هول ما عانيناه في تلك الرحلة المتعبة. غامرنا بأنفسنا ونحن نقبل على مجازفة غير محسوبة العواقب. إذ لا يعقل أن تسلم نفسك لمكان مجهول وتنام فيه دون أخذ مبدأ الإحتياط من سموم العقارب والزواحف التي قد يمكن أن تكون مختبئة في بعض الحفر.

شدة العياء الذي أرهقنا كثيرا دفعنا إلى أن نغط في نوم عميق بعد أن أغلقنا علينا الباب، وتوكلنا على الله الحافظ الرقيب الأمين، وشهَّدنا شهادة المؤمن النائم المودع لدنيا حال الوجود. على أمل الفرج وانقشاع بلج صبح أمل غد المستقبل الذي ينتظرنا..يتبع

ذ/ حسن الوافي

في مغامرات معلم في الأرياف

برشيد 01/10/2022


سرديات في مسار مهني

(4)

الحلقة الرابعة.


مع بزوغ أولى خيوط إشراقة شمس الصباح لفضاء القسم الذي نمنا فيه دون أن نتعرف شكله ولا ملامحه.

ها أنذا أمتع نظري بتفاصيل أجزاء أركانه، وأنا مستلقي على فراشي، والعياء لازال جاثما على بدني ينال مني القوة العظمى ،أمسح جزئياته وأتفحصها، تفاصيل حجرة درس من البناء المفكك، أبيض لون الحيطان، بنوافد خشبية ذات ألواح بلاستيكية خضراء عتمة،

يبدو أن معلم القسم لم يجتهد في تزيينها ولا إضفاء لمسة جمالية عليها. وبعد أن استيقظ صديقي ونفض عنه بقايا العياء. قصدنا باب القسم متلهفين متشوقين، لنفتحه رغبة منا في اكتشاف رقعة جغرافية المكان؛ مكان مدرسة تعييننا؛ مدرسة الغد والمستقبل.حلم الأمس القريب.. فإذا بنا نجد أنفسنا وسط ساحة ذات شكل مستطيل، مكونة من حجرتين دراسيتين وبنايتن تقليديتين ،خاصة للسكن ومرحاض. وعلى طرف آخر مطفية ماء، وسور قصير يحوط المدرسة بلا باب رئيسي. مدرسة محاطة بتضاريس جبلية عالية أخفظ ما فيها هو وادي المدرسة الذي بنيت عليه المدرسة، وطُرِحت فيه وكأنها عينة مادة تحت مجهر سكان الدوار الذي سمق في علية الجبل كطوق أمن وأمان، واتخذ له الشهوق مكمن استقرار وحراسة، بعيدا عن الطريق وماتحمله من أجانب غرباء عن المنطقة.

الأرض هنا ببلدة مجاط السوسية أرض يغلب عليها الطابع الصخري نظرا لطبيعة تكوينات الطبقات الجيولوجية القديمة، لذا تقل فيها حظوظ تواجد مساحات الأراضي الفلاحية الخصبة، بل تكاد تنعدم إذ لا تطغى على البر سوى صفحات أراض صخرية. تلمع مع انقطاع خيوط الشمس وتزيدها توهجا ولمعانا، لما تكن أوجهها ندية بسبب رطوبة الصباح.أما عن الأشجار فهي جد نادرة إلا بعض منها تطاول وهبَّ معلنا نفسه وسط حقول خاصة إجتهد أصحابها في تطويرها و تهييئها وفق نظام زراعة معاشي.

كنا نحن معلمي الوحدة المدرسية ((لأنفك)) جد منعزلين عن الدوار .لم يأبه لتواجدنا أي واحد من الساكنة اللهم جارنا سي لحسن نظرا لتواجد بيته بجوار المدرسة. لقد جاء ليتطلع علينا ويرحب بنا. لننشغل جميعا بأمر ترتيب أغراضنا داخل بيت من بيتي المدرسة؛ وهما سكنان أقامهما أهل الدوار في إطار تشجيع استقرار المعلمين وخدمة لراحتهم، أهم ما يميزها أنهما بنيا إعتمادا على مواد المنطقة ،وتبعا لنفس نمط البناء التقليدي المعمول به في مناطق سوس؛ بحيث يوفر الدفء في فصل الشتاء، ويسمح ببرودة المكان في الصيف.كما أنه يشبه في شكله إلى حد ما حافلات النقل العمومي ((فصالة الطوبيس)) بأبعاد طول كبير وضيق عرض كل حجرة،مسقوف بواسطة حصير قصب مرصوص بتحكم جيد فوق ركائز خشبية رتبت على عرض الحجرة بشكل متوازي .ليتم رمي التراب فوق سطح البناية برمتها وتكسيته بعد ذلك بتراب أبيض يسمونه هنا بسوس ((باللصقة)) لأنه لا يسمح بنفاد الماء إلى داخل المساكن.

غرفة سكنية طويلة تدبرنا أمرها، بحيث حولنا أطرافها الداخلية إلى مراقد نوم ،ووسطها إلى مائدة طعام وتحضير للدروس، أما مدخلها فقد هيأناه ليكون لنا مطبخا مصغرا ،تدبير جد بسيط لحياة بسيطة نتكيف فيها مع ظروف الإقامة الجبرية، والتعيين القاسي الذي لا يختلف عن أماكن التعيينات العسكرية في الأوساط القفراء والأماكن المنعزلة.

نكوص في مستوى العيش، وتقهقر إجتماعي، حد الانعزال عن العالم.

وأذكر أن مذياعي ومؤنسي حتى هو الآخر أعلن العصيان وتمرد غاضبا عن إقتباس أدنى موجة تردد يمكنها أن تسمعنا حسيس مقدم برامج أو نغمات موسيقى. إذ الجبال المحيطة بنا تحول دون التغطية والاستمتاع بفقرات التنشيط الإذاعي، اللهم بعض الأصوات المتقاطعة بين الفينة والأخرى، وكأننا في ساحات حرب ينعدم فيها التواصل بين الجنود.

أيام صعبة كانت تنتظرنا ريثما نتكيف و ننضبط مع إيقعات عيش جديد روتيني جد ممل، لم نكن نتصور لها لونا أو شكلا كما وجدناه على أرض واقع بئيس.

واقع اصطدمنا به ولم ننتظره ولا هو كان مخططا لنا في برامجنا بمركز تكوين المعلمين.

ومما زاد الطين بلة أن المدرسة لم تكن مرتبطة بشبكة التيار الكهربائي ولا بشبكة الماء..يتبع


ذ/حسن الوافي

مغامرات معلم في الأرياف برشيد


تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى