بائع " البيني " نورالدين بن صالح زرفاوي



".. بائع البيني "

نورالدين بن صالح زرفاوي 

01 غشت 2023.



رمال الشاطئ مستوية.. ناعمة.. تحت ضوء الشمس بلون الذهب تلمع.. ونسائم هواءٍ طلق تهبُّ من جهة المحيط، لطيفة منعشة، تلامس مسامَّ جلد فتيٍّ دبغته أشعة الشمس المتوهجة.. قدماي حافيتان تغوصان في الرمال الساخنة.. جيئة وذهابا أتحرك بحيوية وبحماس بين فلول المصطافين، أعرض سلعتي تسبقني رائحتها الشهيّة..

- "بِينِي"... "بِينِي"... "بِينِي"...

عجوز، حتى الركبتين، في الرمال طمرت ساقيها المتورّمتين تأمل شفاءً لا يغادر سقماً يئس الأطباء من علاجه.. كهل يخوض في حصة رياضية من الجهد يلهث، ينشد استعادة لياقة بدنية أفسدها الدّهر.. يافعون وشباب يتسابقون في الجري، و بالمستديرة يلعبون ويلهون.. نساء جميلات تحت مظلات معروشات.. وشابات حسناوات نصف عاريات على الرمل ممدّدات.. الصغار يمرحون و يتصايحون، وقد غطّت الرمال أجسادهم الفتية.. كل شيء في المكان وفي ذات الزمان يغري بالإنطلاق، وبالعوم واللهو واللعب... طفل صغير كنت أنا على الشاطيء ألهو وألعب.. بالرمل أبني بيتا كبيتنا الصغير المتواضع.. صغيرة في مثل سني انضمّت إليّ في لعبي، وببراءة الطفولة خاطبتني:

- لا!.. أنا لا أريده بيتا بئيسا كهذا!.. أنا أريده قصراً كبيراً !.. أجمل وأفخم من قصر أبي!..

ثم انهمكنا سويّاً في التصميم، والبناء، والتشييد.. عدَّت المرافق والغرف كلها ولم تنس منها واحدة.. وذكّرتها أنا أخيرا بمرآب للسيارة..

- "بِينِي".. "بِينِي".. "بِينِي"..

صوته المبحوح من التعب صار أكثر قربا منّا.. يطنُّ فوق رؤوسنا الصغيرة.. مدّتها أمّها بقطعة "بِينِي" واحدة.. تناولتها البنت، و بكفيها الصغيرين شطرتها نصفين.. احتفظتْ بأحدهما، وناولتني الثاني.. بأكفٍّ صغيرة ناعمة علِقتْ بها حبات الرمل، يمسك كلٌّ منا بقطعة "البيني" يلتهمها بلذّة وبشراهة.. وعندما انتهينا من الأكل ومن البناء، مدّتني بسطلها الصغير ذي اللون الورديّ.. أمرتني أن آتيها بماء البحر نملأ به مسبح قصرنا الرمليّ البهيّ....

- "بِينِي" ... آمول "البينِي"...

قرع الصوت الناعم الرخيم سمعي.. التفتُّ جهة المصدر.. شعر طويل كثيف منسدل على الكتفين مفلفل أصفرْ.. وجسد برونزي يطفح شبابا وعافية فاتنٌ يسحر.. بابتسامة لامعة طلبت مني قطعة "بِينِي" واحدة.. و بيديها الرقيقتين الناعمتين شطرتها نصفين.. احتفظتْ بأحدهما، وناولت الثاني صديقها الذي كان إلى جنبها يسترخي..

الشمس قاب قوسين من رأسي متوهّجةٌ أشعّتُها.. وقدماي الحافيتان تضربان في رمال لا يطاق حرُّها.. جسمي يتصبب عرقا من حمى الذكرى الجميلة.. بصوت مبحوح متهدِّج.. صحت أشهر سلعتي:

- "بِينِي".. "بِينِي".. "بِينِي"...


نورالدين بن صالح زرفاوي // 01 غشت 2023.


تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى