القيامة بعد العصر نورالدين بنصالح زرفاوي خريبكة // المغرب 23 يونيو 2022



القيامة بعد العصر..!

نورالدين بنصالح زرفاوي

خريبكة // المغرب 

23 يونيو 2022

البارحة، بعيد العصر بقليل، فقدت أعزَّ رفيق وخير مؤنس.. وكنتُ أنا قاب قوسين أو أدنى من حتفي..

والآن.. ها أنذا الآن أقف في نفس المكان، محزونا، مهموما..  بل مهزوما أمام سطوة جهل وظلم بني البشر.. ألملم جراحي.. أكفكف دموعي..قبالتي، الشمس تطلُّ حزينة مبتئسة من بين سحاب داكن.. ومن خلال غشاوة دموعي أتأمل ورقة يتيمة، أو قل ما تبقى من ورقة يتيمة، تجري بها الريح عند قدمي.. ألتقطها..أقرأ إيليا أبو ماضي: 

 وارفقْ بأبناء الغباء كأّنّهم مرضى، فإنَّ الجهلَ شيءٌ كالعَمى

 البارحة،داخل الفصل، القيامة قائمة والحساب على أشدّه..وعندما غادرت بوابة المدرسة،كتابي بيميني والمحفظة إلى ظهري ميمّما شطر بيتنا،استقبلتني المروج المزركشة بشتى الألوان تنثر حواليَّ طيب أريجها..وحقول القمح والشعير المترامية وقد انحنت سنابلها المتمايلة،وكأنها لي تنحني..الجو صحو،والشمس تغمر الكون الفسيح الخالد إلى الهدوء والسكينة بأشعتها الدافئة..كنت أسير مرحا معتدّا بنفسي..نسمات من ريح خفيفة تعبث بخصلات شعري.. أرهف السمع إلى زقزقة العصافير تصدح مغردة في الحقول، وثغاء شاة أو خوار بقرة يتعالى بين الفينة والأخرى من المراعي.. جرو صغير، على قارعة الطريق مادٌّ ذراعيه بالوصيد من الجوع هزيل، استرعى انتباهي.. رقَّ له قلبي.. أودعت الكتاب محفظتي المهترئة، ثم أخرجت منها ما تبقى لديَّ من وجبة غذائي.. كسرة خبز شعير.. رميته بها، وراقبته في غبطة وسرور يلتهمها بشراهة.. تمنَّيت لو كان معي الكثير من الخبز، فأناوله إياه.. تابعت طريقي، وقد عقدت عزمي على أن آتيه غدا بكل خبز أمّي.. وعندما التفتُّ خلفي، كان المسكين لا يزال يتعقب خطايَ طمعا في أن أناوله المزيد.. اعترض سبيلي ابن راع في مثل سني، وقد تأبّط شرّاً.. كان ووالده يرعيان شويهاتهما العجفاء غير بعيد.. بادرني بفظاظة:

    -  هذا جروي!.. لقد سرقت جروي!..

لم يترك لي فرصة لأبرئ نفسي.. فاجأني بلكمة على خدّي.. كدت أفقد توازني.. قهقه أبوه في خبث فرحا كالشيطان.. ثارت ثائرتي.. انحنيت والتقطت من الأرض حجرا أدافع به عن كرامتي.. رميته به بكل ما بدراعي من قوة، وبكل ما بقلبي من كراهية.. أصبته في مفصل ركبته، فعوى ككلب جريح ثم انهار أرضا فاقدا كل قدرة على الحركة..  انتفض أبوه من قعدته.. طارت طاقيته، فلمعت صلعة رأسه.. هرول نحوي يتعثر في جلبابه، يتوعدني بأشدّ العذاب:

    -  الموت لك!.. لقد قتلت ابني!..

مذعورا، أطلقت ساقيَّ للريح ناجيا بروحي.. تلقَّفني.. الطريق أمامي مستقيم.. حادٌّ وطويل كالصراط.. أتعثر.. أكاد أسقط، فيسقط صندلي من رجلي.. شيء ما سقط أيضا من محفظتي.. لاهثا لا يزال يركض في أثري.. وعندما عجز عن اللحاق بي، دوى صفير حجر حذو أذني فارتطم بالأرض أمامي.. توقفت والقيء يعاودني من شدة رعبي.. قلبي يخفق بعنف يكاد يتوقف.. وعندما استعدت أنفاسي، التفتُّ خلفي.. رأيت الشيطان ينحني ليلتقط ذاك الشيء الذي سقط من محفظتي.. ثم رأيت صفحات كتابي تتطاير بعشوائية في الهواء ومعها كل ما عشقت من أشعار.. لتجري بها الريح أخيرا في كل مكان..

نورالدين بنصالح زرفاوي / المغرب 

23 يونيو 2022

تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى