قراءة أدبية؛ لنص قصصي قصير ،تلك صورة انعكاس لزهرة،وهو اسم الجالسة أمام المرآة..!عبدالرحيم هريوى/ خريبكة اليوم/ المغرب
عبد الرحيم هريوى
خريبكة اليوم
المغرب
نعم؛القراءة تعطي صورة عن نفسها بالطبع، كلما كشفت لنا عن أسرار وخفايا النص عينه ،وكذلك الذهاب بخفي حنين، لما يحمله من جمالية .قد تتجسد في أكثر من عنصر من عناصره،قد تم التركيز عليه من طرف الكاتب،كما قال أحد رواد النص القصصي القصير المغربي "الدكتور عدنان ياسين "صاحب رائعة "هوت مروك"خاصة؛ وأن النص القصصي القصير ،كتابته جد صعبة للغاية. لأننا أمام مسافة زمنية جدمحدودة، وقد لا تتعدى خمسة عشر دقيقة ،كما حددها النقاد في كتابة نص قصصي قصير. وكلما تجاوزنا ذلك خرجنا من أراضي النص القصير لاجتياح أراضي النص الطويل.
ويبقى القارئ الجيد مثله، مثل خياط بارع، وهو الذي يعرف سر مهنته أي أنه،يعرف أي نوع من الثوب سيختاره لزبونه..!؟وأي لون..!؟ وأية موضة تناسب عصره..!؟كي تجد لكل تلك المواصفات المختارة، ذاك منتوج، يناسب العيون التي ما فتئت تتكلم لغة العشق. لما هو جميل، وفيه نوع من الإبداع ،وما يحمله من جودة وإتقان..!
وكذلك؛سنفعل مع نص جديد قصير جدا؛جاءنا للتو تحت عنوان: "انعكاس" إذ يعتبر من تلك النصوص المختارة التي نستبر أغوارها بتأن وقراءة نوعية.و نتفحص من خلالها نبضات النص وضغطه.وحالته. ومدى قابليته لتحملنا ساعتها .ونحن نقلب أجزاءه يمنة ويسرة..!
قد أبدأ في قراءة هذا النص "انعكاس" كي يشاركنا جمهور القراء عبرالعالم الاعتباري،بقولة لباخثين:
- ليس هناك نص بكر فكل نص هو امتداد لنص قبله ..
-لماذا.. ؟؟
- لأن كل شيء نمتلكه عبر حياتنا، هو تراكمات بنوع ما،ولا نعرف بداياتها ولا نهايتها..!
إننا أما ذاكرة عبارة عن مكتبة،قد نحملها معنا. كما قالت الروائية زهور كرام.
ولأول وهلة؛ وأنا أقرأ هذا النص" انعكاس " ظلت صورة الكاتب تتواجد بل تتراءى لي بين كل سطر يخطه،لا لشيء يذكر في هذه المساحة إلا لأنني أشاركه عوالم الكتابة ،فنحن لانكتب إلا ما هو موجود في أعماقنا بالضبط،مهما حاولنا تغبيشه.. ومهما حاولنا تغير أسهمه كي نبتعد عن ذواتنا ككتاب،ونعلق كل ذلك على صورة هي من عالم " الخيال " الذي يبقى هو كما ذهب له المثاليون نحن الذين نخلقه بأفكارنا أي من ذهننا بالطبع. وسبق أن قال الروائي الإريتري حجي جابر صاحب رائعة" سمراويت" نحن حينما نكتب نصوصنا نغترف من دواخلنا،أي ما نتذوقه ويعجبنا ..!
-إنه ؛نص قصير جدا في حجمه، لكنه كنص فلسفي أو تاريخي قد يحتاج منا الكثير من التفكير والتركيز والتأويل، أي من إرادة فكرية وبصيرة..
كي نتلمس ظلاله..!
إنها زهرة الاسم..!
إنها زهرة ببلاغة من التشبيه و الاستعارة..!
زهرة وتبقى في صورتها وتعبيرها وهي بين صفحات كتاب للذكرى..!
زهرة خلقت لكل شيء جميل منتظر..!
زهرة تحمل سوريالية البشر في أيقونتها وصورتها وجمالها وإثارتها..!
زهرة البطلة الوحيدة التي أعطاها الكاتب وسام الشرف،وهو يكلم خيالاتها عبر سرد لا يخلو من سحر وجاذبية .امتلكها عبر مسيرة طويلة من مصاحبة قراءة النصوص ،وهذا مما لاشك فيه،وأنا أقرأ نصه الكبير ،قلت لا يمكن لكاتب أن يبدع في كتابته دون أن يكون قد عاشر عمرا لأعلام مشهورة في الفكر والأدب الإنساني ..!
لا يمكن أن نمر مر الكرام عن مدخل النص وعن العنوان نفسه، فالقارئ الجيد، يسلط ضوءه كي ينير كل ظلام يحجب رؤية العين،لما يمكن أن يقوله العنوان ،أو ما يطرحه على القارئ من أسئلة خاصة، إذ هو يحمل غموض نصه على تلابيبه "انعكاس"
- هل هو انعكاس للضوء والأشعة ..؟
- ذاك ما يذهب إليه فكرنا عند أول قراءة، مما يدفعنا بقوة لقراءة النص .من أجل إيجاد الجواب المنتظر.وذاك هو دور العنوان الذي يتم اختياره بذكاء وتفكير عميق ..ولا نقل؛ يبقى شراك لصيد ثمين ألا هو القارئ والقارئة معا..!
يقول الكاتب :أمامها،على المرآة،شيء عصيٌّ على الإدراك:فرشاة مخنوقة ولوحة غامضة.
فقد أعطى لنصه هالة يطلبها؛أي من خلال تركه منذ البداية والعنوان لوقائع منتظرة،أرادها أن تبقى مخبأة في تسلسل دراماتيكي عبر سيناريو أحداث متلاحقة.إذ اعتمد ضميرالغائبة في المزيد من الغموض للصورة،وكل ذلك؛ يشاركه مع القارئ،وبدون أن يحجبه،فهو عصي على الفهم والإدراك "فرشاة مخنوقة ولوحة غامضة "
المرآة ؛التي أخذت لها مكانة في النص ،كي تحيلنا على عملية الانعكاس المجهول،والتي عن طريقها سيتحرك السرد الحكائي كي يتخذ مجراه،في انتظار ملامسة كل شيء مهم تعكسه ،لكنها لا تعكس الأهم العقيدة المنهارة للبطلة.وها هنا يزداد تشويقنا لإتمام قراءة النص بلهفة جارفة.وكم من قارئ سيسارع الخطى حتى النهاية ،لأنه أكل طعم السرد بالفعل.وأمسى من ضحاياه..!
..مرآة تظهر كل شيء وتخفي الأهم: عقيدتُها المنهارة…!!
ما زال الكاتب يعطينا بعض فلاشات باك عن شخصية بطلة قصته،كي يكشف لنا ببطء عن شخصيتها وعن روتينها اليومي،و عن تساؤلاته عن ما تعانيه نفسيا ،وهذا ما تذهب الكتابة الجديدة إليه بالفعل ،من جعل الكاتب يحمل كاميرا ويحاكي سيناريوما يبدعه لكل شخصية تشاركه أحداث نصه.فكوب العصير بنظرة فلسفية تتأمله بطريقة ما أي حينما تضعه على الطاولة -لحظة تأمل- مما يعطيها فرصة للنسيان وبدون أن تشعر جعل الكاتب في كوب عصير الليمون خلاصها المنتظر.وهذا شيء جميل في مجال الإبداع وبذكاء متميز.لذلك حاول أن يربط بين البرتقال ومكوناته وفوائده الصحية ،وهو يعطينا إشارة ما عن تواجد خطر ملاعق السكر ..وكل ذلك جعل منه لحظة هروب مقصود بلحظات سكينة التي تجعل القدر حاضرا في حياتها ،ويلعب أدواره الغيبية لكن برياح لا تشتهيها تعصف بكل البنيان ،وقد أعطى الكاتب للعبارة حجمها الواسع عبر الأفق أي حينما تمتص ،أي الأقدار، كل أمل تمسكت به البطلة وقاومت بكل جهد حتى آخر رمق..
والبطلة تؤمن وتدرك جيدا بأن الحياة لا نعيشها باعتباطية،وطريق النجاح والعيش الكريم يكون عبر مسار طويل من التضحية والجهد والإخفاقات والفشل عبر منعرجات الحياة نفسها .ولكن الكاتب يفشي لنا سرها بأن العكس هو الذي تؤمن به للأسف.وهو أدرى بشعاب شخصياته ..
آمنت طويلاً بأن كوب عصير البرتقال الذي تضعه على الطاولة أمامها و تتأمله قد يمنحها لحظات من الهدوء، وينسيها جزءاً من همومها، لذلك صارت تزيد عدد الأكواب يوماً بعد يوم وتنقص عدد ملاعق السكر في مقايضة مذاق البرتقال المر بلحظات سكينة.
آمنت بقوة،بأن الأقدار لا تظهر إلا في نهاية المطاف لتعصف بكل ما بنيناه منذ البداية،وتمتص كل أمل تمسكنا به حتى آخر رمق.
آمنت أيضاً بأن أكبر خطيئة قد يرتكبها المرء هي أن ينحت طريق النجاح دون أن يتوقع الفشل،أو ينحت له منعرجاً في وسط الطريق…كانت تدرك ذلك جيداً،وإن أبدت العكس.
وفي تدرج مقبول؛ ينتقل الكاتب لوصف مهم للفضاء، الذي تتواجد به البطلة.وليس ذلك بخارج عن إعطاء صور شتى عن حياة البطلة وأحوالها وكل شيء يفيد القارئ من أجل التعرف على شخصيتها بشكل أكبر
- أي كيف تفكر؟
- ماذا تعشق؟
- ماذا تكره؟
- ماذا تقرأ؟
- ماذا تجسد بعض الصور والأشياء في عالم الميتافور الصورة ؟
ديوان شعري ولوحة غلام تعيس.ودخول صورة الزهرة في سياق الأحداث.وتواجدها بين صفحات الديوان.وارتباطها بذكريات تعيدها مسافات زمنية من عمر انقضى. وكم من عاشق وعاشقة ظلت تحمل الزهرة المجهولة نذوبها في صدرها ،و كلما رأتها تنهدت وهامت بتفكيرها لأيام ظلت عالقة بجدار قلبها..وصدق محمود درويش حينما قال الحب يبدأ فكرة وينتهي ذكرى.لكل ذلك ربط الكاتب بين الصور ،صورة الوردة وصور رجال مرتبة على طاولته.وأعطاها صورة لعرافة لحظتها ،وهي تعطي أرقاما بالترتيب لتلك الصورة بطريقة ما ،الأول ثم الثاني..وفي لحظة حول الكاتب نفسية البطلة إلى حالة من الجنون المجاني ،وثارت عن ماض سحيق، دفنته؛ ليحرك في دواخلها كل شياطينها السبعة ،وعصفت بالكأس المتواجدة فوق الطاولة.ليفعل فعلته في كل الوجوه التي ما فتئت تتأمل خيالاتها ولحظات عبور وعشق دفنت في علبتها السوداء..!
خلفها على الجدار، لوحة غُلام تعيس، وعلى الجدار المقابل مرآة طويلة معلقة في غير مكانها تعكس ملامحها البائسة.
على الطاولة انتشرت بعض الصور حول كوب العصير، وبعيداً عنه قليلاً ديوان بلي من كثرة ما قلبت صفحاته بأصابعها ومسحت أبياته بعينيها.ديوان تحرص على وضع زهرة بين الصفحتين اللتين وصلت إليهما بالقراءة...
تتأمل الزهرة بحنين يشي بحزن يطل من عينيها كلما نظرت إلى انعكاسها في المرآة المعلقة أمامها.
على طريقة العرافات تنشر صور رجال مرتبة في صفوف على طاولتها،محاولِة فهم الترتيب الأنسب ليكتمل شريط الذاكرة.
أتراها تحاول التخلص ممّا بقي عالقا بذاكرتها أم تحاول استرجاع تلك اللحظات التي شكلت ذكرياتها؟
بعثرت الصور من جديد،وراحت تحرك يديها في كل الاتجاهات كأنما تبحث عن شيء ضائعٍ بين شريط الصور، فلامست يدها كوب العصير، فانسكب محتواه على الطاولة ولطّخ كل الصور.
وبعدما حملنا الكاتب عبر خياله لأبعد نقطة ممكنة في حياة شخصيته البطلة التي أخذت القسط الأوفر من السرد..وقد عمد بطريقة جميلة و بنوع من التعقيد في جعل كل الخيوط تتشابك عن التعريف بهذه الشخصية التي نتساءل كقراء
- من هي يا ترى..؟
- وها هي تمزق القناع الذي طالما لاذت به.، كي تظهر لكم وجهها الحقيقي،وبعد ابتسامة ساخرة ،وبعد انعكاس للصورة ،وجل ما ظلت تفكر فيه منذ البداية هو خداع في خداع ،وكذب وراء كذب،لامرأة اسمها زهرة تحمل شوكها المؤذي،رغم صورتها المثيرة،فكم من نفس عاشقة لها جرحت وتألمت وسال الدم بلونه الأحمر كدليل على وجود جرح وثقب أحدث في طفح الجلد إذن تلكم هي :
01/زهرة هو اسم الجالسة أمام المرآة..
02/وزهرة بين دفتي الكتاب الذي ينتظر القراءة..
03/وزهرة عُمرٍ يضيع دقيقة بعد دقيقة في انتظار ضحايا ضائعين…
رفعت رأسها لتقابل المرآة المعلّقة أمامها. تأملت انعكاسها عليها وقد علا محياها ابتسامةٌ ساخرة مزّقت القناع الذي طالما لاذت به.
جل ما كانت تفكر فيه هو الخداع وراء الخداع. الكذب وراء الكذب لتصطاد الفرائس تلو الفرائس. فلاتحتفظ ذاكرتها سوى بجراح من غدرت بهم وبملامح حزنهم وبعض أوجاعهم...
زهرة هو اسم الجالسة أمام المرآة...
وزهرة بين دفتي الكتاب الذي ينتظر القراءة…
النص القصصي القصير المستهدف من القراءة..
عنوان النص: انعكاس
حسن يارتي
أمامها،على المرآة،شيء عصيٌّ على الإدراك:فرشاة مخنوقة ولوحة غامضة.
مرآة تظهر كل شيء وتخفي الأهم: عقيدتُها المنهارة...
آمنت طويلاً بأن كوب عصير البرتقال الذي تضعه على الطاولة أمامها و تتأمله قد يمنحها لحظات من الهدوء، وينسيها جزءاً من همومها، لذلك صارت تزيد عدد الأكواب يوماً بعد يوم وتنقص عدد ملاعق السكر في مقايضة مذاق البرتقال المر بلحظات سكينة.
آمنت بقوة،بأن الأقدار لا تظهر إلا في نهاية المطاف لتعصف بكل ما بنيناه منذ البداية،وتمتص كل أمل تمسكنا به حتى آخر رمق.
آمنت أيضاً بأن أكبر خطيئة قد يرتكبها المرء هي أن ينحت طريق النجاح دون أن يتوقع الفشل،أو ينحت له منعرجاً في وسط الطريق…كانت تدرك ذلك جيداً،وإن أبدت العكس.
خلفها على الجدار، لوحة غُلام تعيس، وعلى الجدار المقابل مرآة طويلة معلقة في غير مكانها تعكس ملامحها البائسة.
على الطاولة انتشرت بعض الصور حول كوب العصير، وبعيداً عنه قليلاً ديوان بلي من كثرة ما قلبت صفحاته بأصابعها ومسحت أبياته بعينيها.ديوان تحرص على وضع زهرة بين الصفحتين اللتين وصلت إليهما بالقراءة...
تتأمل الزهرة بحنين يشي بحزن يطل من عينيها كلما نظرت إلى انعكاسها في المرآة المعلقة أمامها.
على طريقة العرافات تنشر صور رجال مرتبة في صفوف على طاولتها،محاولِة فهم الترتيب الأنسب ليكتمل شريط الذاكرة.
أتراها تحاول التخلص ممّا بقي عالقا بذاكرتها أم تحاول استرجاع تلك اللحظات التي شكلت ذكرياتها؟
بعثرت الصور من جديد،وراحت تحرك يديها في كل الاتجاهات كأنما تبحث عن شيء ضائعٍ بين شريط الصور، فلامست يدها كوب العصير، فانسكب محتواه على الطاولة ولطّخ كل الصور.
رفعت رأسها لتقابل المرآة المعلّقة أمامها. تأملت انعكاسها عليها وقد علا محياها ابتسامةٌ ساخرة مزّقت القناع الذي طالما لاذت به.
جل ما كانت تفكر فيه هو الخداع وراء الخداع. الكذب وراء الكذب لتصطاد الفرائس تلو الفرائس. فلاتحتفظ ذاكرتها سوى بجراح من غدرت بهم وبملامح حزنهم وبعض أوجاعهم...
زهرة هو اسم الجالسة أمام المرآة...
وزهرة بين دفتي الكتاب الذي ينتظر القراءة…
وزهرة عُمرٍ يضيع دقيقة بعد دقيقة في انتظار ضحايا ضائعين…
رائع.. راقت لي .. ممتع
ردحذفنص جميل للغاية والدراسة النقدية له أجمل.
ردحذفشكرا لنشركم هذا النص وتسليط الضوء عليه