العين القديمة على شعبة عمارة// حطان . عبد الرحيم هريوى

العين القديمة على شعبة عمارة// حطان .
عبد الرحيم هريوى
كان لا بد ان نكتب شيء ما ..في وقت تتاح لنا فرصة سانحة للتدوين عن أرض طيبة قضينا فوقها عمرا طويلا..ونعود حينها لماجمعته الذاكرة وما راته العين القديمة عن أرض طيبة قضينا فيها اجمل وأروع لحظات العمر وتعرفنا على ناس أحبونا بحق وتبادلنا معهم الحار والحلو.. واليوم ها هم أطفال عرفناهم بالأمس امسوا شبابا يافعين وبعدها تقدم العمر بجيلنا خطوات وخطوات نحو الأمام.. وبالكاد قد تتعرف على بعض الوجوه حين تلتقي بها صدفة بالمدينة خريبكة او باي مكان آخر لطول الفراق ..!
"الشعبة او حطان " اسم على مسمى أسست فوق كديةأي ربوة ، تنخر جوف أرضها الكهوف "الغيران " التي تركها المستعمر الفرنسي إبان الاحتلال، حيث كان يستخرج المعدن الثمين الفوسفاط بواسطة " شارايوات صغيرة لها سكك" كان لأجدادنا مع ذلك الزمان محنة وعذاب..يدفعونها بقوة عضلاتهم .. وكان للعبودية طقوسها التي تجري مراسيمها على ايدي جلادين اغتصبوا الأرض والبشر.. تلك حقبة تاريخية سوداء مرت قد عاشتها ساكنة الشعبة والقبائل الكبرى المجاورة لها، انطلاقا من أولادإبراهيم والمفاسيس وصولا لأولاد عزوز.. وهي الدواوير الكبرى التي تتشكل منها ساكنة الشعبة ككل ،هذا بالإضافة للذين هاجروا إليها من الجنوب وخاصة من منطقة سوس بالذات سواء بالعمل بالمكتب الشريف للفوسفاط او لممارسة التجارة الحرة. وقد مكتوا بها طويلا بل صاروا من سكانها الأصليين بعدما أنجبوا وصار لهم احفادا، ومع اختلاط النسب الأمازيغي مع العربي المحلي ،عاشوا عيشة البسطاء وألفوا بعضهم بعضا..!
الناس عندنا إبان زماننا ، كانت الشعبة تعتبر بالنسبة لهم هي الحاضرة في مخيالهم الطفولي، للحصار الذي كانوا يعيشونه، وعادة ما يصعدون الكدية كي يكسرون الروتين والعزلة التي كانوا يشعرون بها وخاصة في الصيف وكانوا يمارسون رياضة المشي ذهابا وإيابا ، كي يتجولون في "البيتات..الفيلاج" و حي أسباتة.. ويسرقون النظر في اشياء تعجبهم هنا وهناك كانوا محرومين منها بدواويرهم من كهرباء ومناطق خضراء وحمام وتلفزة وكاسكروط وما إلى ذلك من الاشياء التي تروق للعين في عمر الزهور..!
وفي سبعينيات القرن الماضي كان هناك" بالبيتات " مكانا معشوشبا" بالكازو "يعتبر حديقة عمومية في حد ذاتها، إذ يتواجد به بعض الكراسي يقصده الناس كي يسترخون ويجددون نشاطهم..
وكم مرة نبقى حتى يسدل الظلام خيوطه من اجل متابعة مقابلة كروية للفريق الوطني بإحدى المقاهي.. وعند العودة نعيش معاناتنا مع سواد الظلام وارتطام أقدامنا مع الأحجار واختراقنا للمسارب وسط نباح الكلاب. وكل ذلك من اجل فك العزلة عن انفسنا كي نبحث لنا عن ماهو جديد بالشعبة..!
كما كانت لنا حكايات وحكايات مع سي محمد الرميلي الملقب بسي إدريس قيدوم الاشتراكيين بالشعبة كان لا يخاف لومة لائم في قول الحق في وجه التجبر والظلم والطغيان ..وكان بمثابة الأب والصديق للأطفال والشباب حينذاك رحمة الله تعالى عليه ، حيث كان يتحفنا بأفلام كثيرة ومتنوعة بالمقهى قرب المسجد بدرب سبعة حين ذاك قرب مبارك التاجر المعروف لدى الساكنة المحلية، والذي أمسى يعرف من أعيان القرية..اماالحريرة وطقوسها ومعها الإسفنج والكاسكروت فكان لسي عمر السوسي رحمة الله عليه الباع الكبير في تحضيرها صباحا ومساء، بالإضافة للعبة البيار.. ومشاهدة التلفاز الذي كان له مكانة خاصة لدى جيلنا لأن الفقر والعوز كان شعارنا ،والقليلون هم من كانوا يملكون تلفازا بالألوان. ولما ظهرت النسخة بالألوان صار الجميع يرغب في متابعة المقابلات الكروية في صورتها الطبيعية الجذابة..!
تلك لحظات جميلة عشناها بالشعبة كأسرة واحدة لا فرق كبير بين مستوى العيش للأسر..كل الناس هناك يعيشون في حب وإخاء وتعاون وتآزر ، وكم من الوجوه صادفناها بخريبكة ،وهي تذكرنا بتلك السنين الجميلة التي قضيناها جميعا كعائلة واحدة متضامنة على الدوام في السراء والضراء ..!!؟؟ فيمكن لك أن تعيش في الشعبة حتى وإن لم تكن تتوفر لديك المصاريف الكافية الخاصة بالأكل والشرب والدواء في كذا شهور صعبة.. لأن الجميع هنا يمكن أن يقرضك اويعطيك ما تحتاج إليه حتى تتيسر أمورك وتنتعش احوالك المالية..!!؟؟ ولنا في المرحوم صديقي وأخي وابن العم الحاج المنجالي سي محمد رحمة الله عليه الذي يمنحك ما تشاء من النقود دون ان يشدد عليك في يوم من الأيام في تسديد ما في ذمتك لصالحه ..ما أعظم ذلك الرجل الذي عاش حياة الصحابة الكرام ..كان يبحث على فعل الخير لمن هو في امس الحاجة إليه..كان يطعم الطعام ..وعادة ما يستقبل أصدقاءه في بيته كي يشاركهم لحظاته واكله وشربه..إلى الفردوس الاعلى بإذن الله تعالى وبركاته..وما أقوله في حق الراحل يعرفه كل من عاشره وتعامل معه طيلة عقود مرت..وهؤلاء الرجال من هذه الطينة أمسوا عملة نادرة جدا في زماننا الحالي..!
في الشعبة الكل يعرف الكل..الكل يسلم على الكل..كنا لا نذهب لمدينة خريبكة إلا للضرورة القصوى ..ففي الشعبة يتواجد كل شيء تطلبه من اكل وشرب ولباس ودواء وغيره وكان للسوق الأسبوعي نهار الإثنين طعمه وطقوسع حيث يأتيه رواده من الدواوير المجاورة ونشتري منه ما نحتاج إليه ..وما يكفينا طيلة الأسبوع.. !
الشعبة ستعرف عصرها الذهبي مع تأسيس الإعدادية وبعدها الثانوية ومع توافد أفواج كثيرة من الأساتذة والأستاذات، وبها بدات الحركة الاقتصادية المحلية تعرف رواجا وانتعاشا مضطردا وخاصة في مجال الكراء وشراء التجهيزات المنزلية وغيرها ، بالإضافة لدخول وجوه جديدة إليها من مدن مختلفة .. وكل ذلك سيعطي للشعبة مكانة خاصة لكل وافد جديد؛ حيث سيجد فيها المكان الآمن والعيش الكريم الذي يبحث عنه الإنسان وسط هؤلاء الناس الطيبين الذين يساعدونك في أي شيء.. ويرعون غيابك ويؤنسون وحدتك..!
وكانت الشعبة تجمع وجوها سياسية كبيرة من عمال وحرفيين ومهنيين ورجال التعليم من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والنقابة العتيدة حينذاكCDT بحيث كان هناك مقرا خاصا بهم، تتم فيه اللقاءات والاجتماعات والندوات ودروس الدعم والتقوية للتلاميذ والتلميذات في مواد دراسية مختلفة مجانا من طرف أبناء الحزب، وتخصص كذلك اللقاءات التأطيرية والتكوينية للمنخرطين والمنخرطات، وكما كان للنقاش السياسي طعمه وحضوره ومن بين الزعامات التي بصمت بنضالها الحزبي بالشعبة هناك الإخوة أحمد اجعايدي وفيصل لمثيوي وإدريس مناع وإدريس الزغاري رحمة الله عليه وعبد الرحيم زهيد وعبد الجليل بكرزام وخزيمة وعربان الصديق ومصطفى حلان وعقار ودينار وصالح مزوي غيرهم.. وأعتدر عن الأسماء الباقية التي لم ادرجها هاهنا..وقد كان لنا أصدقاء من سائقي الطاكسيات يتطوعون مشكورين في مدنا و تزويدنا كلةيوم بجريدة الحزب حتى نبقى على إطلاع بكل المستجدات السياسية والحزبية..وكانت المقهى المتواجدة في واجهة دار الشباب تجمعنا لساعات طوال من النقاش الثقافي والسياسي بحيث حولناها لصالون خاص بنا يلتحق بنا كل وجه جديد ..!
هي لقطات شتى سردناها لكم بإيجاز عن عقود مرت بقرية الشعبة - حطان ، تعرفنا خلالها على وجوه ووجوه كثيرة ، منها من رحل ومنها من سافر ومنها ما زال يعيش هناك لارتباطه بالأرض..وسلام عليهم اجمعين من هذا المنبر احييهم كل واحد باسمه..!
تعليقات
إرسال تعليق