من رواية لعبة النسيان.محمد برادة.عبد الرحيم هريوى خريبكة - المغرب
من رواية لعبة النسيان..
ل
محمد برادة..!!
لم يسبق لي أن عشت لحظات أدبية جميلة ورائعة وشيقة إلا مع بعض النصوص الممتازة والمستوفية لشروط الكتابة النصية الأدبية للرواية المغربية المعاصرة و من كل الجوانب ،إلا مع القلة القليلة من أولئك الذين يحسنون في الإبداع والتجديد وبلمسات أدبية وفنية مغربيتين كعبد الكريم الجويطي مؤخرا ومع أولئك الذين فضلوا الهوامش في الطبقات المهمشة والفقيرة من أبناء الشعب المغربي كالراحلين محمد شكري ومحمد زفزاف (الخبز الحافي ) و( بيضة الديك وأرصفة وجدران ومحاولة عيش والأفعى والبحر والثعلب الذي يظهر ويختفي ..)
واليوم في رواية متميزة للكاتب المغربي الكبير محمد برادة في لعبة النسيان،عبر سفر نص روائي جديد و متميز وبرؤية الأديب المتمرس ينبش في ذاكرة الطفولة المغربية خلال الحماية وبداية الاستقلال والصراع السياسي حول المراكز الجديدة والرؤى المتباينة في بناء أسس الدولة وكله في قالبه الروائي بمعايير تاريخية وجمالية وفنية وسياسية للواقع المغربي المعاصربكل من فاس والرباط والدار البيضاء ودائما بعيون الأديب والكاتب والناقد والأستاذ الجامعي من حقبة الخمسينيات..وهو من القلائل والمحظوظين الذين عايشوا مراحل أوج الاشعاع الأدبي العربي المعاصر ،تحت شعار مصر تكتب وتؤلف ولبنان تنشر وتوزع وبلاد الرافدين العراق يقرأ..
نعم؛ إنه الروائي المغربي القدير "محمد برادة" وقد عاشر كبار الأدب في الوطن العربي كمثال طه حسين ونجيب محفوظ بالقاهرة وهو الطالب الجامعي.. وهو المراسل لمجلة فلسطينية من فرنسا ،ولنهمه الكبير على القراءة والكتابة الطويلة.. ومنذ المراهقة يكون قد تمرس على اللغة العربية وشربها شرب الهيم، وأمست لينة طيعة بين أنامله وهو يستعملها الاستعمال البلاغي والدلالي العميقين، أي بعيدا عن لغة النقد الجافة والمتعبة والمملة حينا، وكلماته التقنية والبحثية، وثقلها على اللسان ،بحيث تبقى أقرب للغة التقريروالأسلوب الجاف منه للغة الرواية الأدبية التي تمتلك من الإيقاعات والمعاني والأمثال والأوصاف والسرد الحكائي و ذات الألفاظ والعبارات والجمل التي تحمل نوعا من التخييل والإبداع وخلق الدهشة والإثارة لدى القارئ، وهي الرواية العالمية التي تستطيع اليوم؛ بأن تستوعب كل الفنون الأخرى وتفتح أبوابها المشرعة لكل المعارف والعلوم، كي تعيش عمرها الطويل،وما ولوج الفلاسفة عالمها اليوم ، وبأعداد كبيرة عبر العالم إلا دليلا على قوة تواجدها كنصوص قابلة لحمل أكثر من رسالة عبر خطابات متنوعة..
والرواية شبيهة كذلك بالقصيدة الشعرية ورغبتها دائما في معانقة المطلق، والبحث عن مكامن الوعي الشقي داخل المجتمع الواحد.. وأنسنة شخصية الجلاد مثلا من خلال جعله ليس بالإنسان السئ بالمطلق كما عبر عن ذلك عبد الكريم الجويطي،وبأن قيمنا الأخلاقية والدينية لا تجعل منا أخيارا بالمطلق ولا أشرارا بالمطلق، فدائما هناك نسبة مائوية ما في سلوكياتنا الإنسانية بالإيجاب والسلب ، أي حينما نقول مثلا في سردنا الروائي هذا الشخص ليس مؤمن مائة في المائة وهذا الشخص كذلك ليس بطيب مائة في المائة ،فدائما هناك الاستثناء في الخطاب الروائي ،وهذا ما يجعل النص الروائي الحديث يتعايش مع الواقع وينقضه ويعريه ،ويقف على كل سلبياته أو ما هو مستور ومغيب عن الوعي المجتمعي لأسباب سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية.
02 - ولنا من مختارات من النص ما يجعلنا نقف على قوة وشخصية الكاتب واتساع معارفه وقاموسه وخياله الأدبي والفني :
- راوي الرواة يقول المفروض في أن أكون عنصر توازن يتكئ عليه الكاتب ليبدد الغموض
كيف نحكي ؟؟
هذا هو السؤال القديم الجديد.كيف-أنا راوي الرواة أجعل رواتي يحكون انطلاقا من تجارب خاصة وأحداث عامة
قال الكاتب أشياء كثيرة ،غير أنني حسمت الموضوع - دائما يجب أن يكون هناك من يحسم -بأن المسافة القائمة دوما بين المعيش والمتخيل والمكتوب والمحكي،تؤكد أن الأحداث والحياة بصفة عامة،تجري على أكثر من مستوى،متداخلة متشابكة ..مفهوم؟؟وإذن ،سيكون جهدا ضائعا أن نعمد إلى إيهام القارئ بواقعية ما نحكيه ./.
-كانت مراهقتي جحيما لأنني فقدت أمي في فترة التحول ولم أطق زوجة أبي فالتجأت إلى العزلة والقراءة ..!
- أنت من قبيلة الذين يشربون الكأس حتى الثمالة ،يركبون الموج حتى الأعماق ويكتب ن صفحات حياتهم من دواة الجرح ./.
- ما معنى أن يكون لك أم..؟؟
أجب من غير أن تلجأ إلى فرويد ولا إلى النصوص المقدسة،أجب في غيبة الأب ،ودون أن تلجأ إلى العقل المحلل ولا إلى الحاسوب. أتلعثم وأسهو .الأم لا يسأل عن سبب وجودها ،أتمتم تملأ الحيز الهش،العطوب،في نفوسنا وتجعلنا نرى المعنى حيث تنتفي الدلالة،وتتداعى الترابطات،أقول الآن إنها كالشعر: رغبة في معانقة المطلق،تفتح لنا أبوابها بالذات عندما تبدو الأبواب جميعها موصدة،أبدا لم يخامرني الشعور بالافتقاد وهي حية مشعة بحضورها الذي يبدد،عندي،سحائب الارتياب والحيرة والضياع.هل غيابها هو ما يجعلني أرسم ملامح مثلى لصورتها؟؟حتى في لحظات التوتر بيننا كنت أجد فيها ذلك الوجود لذاته الذي يتحدى غضبي و تمرداتي وأوهامي المصطنعة،هي هنا كانت كالجذر الضارب في أعماق التربة،لا تزعزعه عواصفها تطالع أعاصير،سابق وممتد ،وجودها،تسرب إلى ما بين المسام ليذكرني ،كلما غفلت أن شعلته المحرقة لا تخبو،كالحنين للوطن،كالشوق إلى تربة مسقط الرأس،وكأهازيج الشعر الكامنة في الوجدان.
تعليقات
إرسال تعليق