▪️توطئة عامة للنص القصصي //عبد الرحيم هريوى
توطئة عامة للنص القصصي عبد الرحيم هريوى
حين يتبحر روائي بالقارئ بخيال متشعب بالأفكار ويعطي لعالم الفن الأدبي مكانته وهو يسرد لنا أحداث قصة مشوقة ٱختار لها عنوانا كبيرا " ربوة الثعابين " إذ أنه يحمل ما يحمله من دلالات ومعاني، ويعالج ما يعالجه من مواضيع ترتبط بقضايا الإنسان وكينونته وواقعه المجتمعي ،والذي يتبادل معه في تفاعل مستمر بلغة التأثير والتأثر..
▪️قراءة ممتعة ؛ وذلك من خلال سرد قصصي متحكم فيه بلغة الأديب الذي يقرأ كثيرا ولا يكتب إلا حينما ينتهي من قراءاته اليومية لأمهات الرواية والكتاب العالميين، وأنا أعرفه لقربي منه وعلاقاتي بشخصه كأديب وقارئ ومهندس ومربي يساهم في الدفع بعجلة جودة التربية والتكوين من خلال ٱنخراطه بجديته المعهودة في عالم التعليم الخاص الذي يحتاج في وطننا لمستثمرين لا يجعلون من التعليم بضاعة مطلوبة في السوق من طرف أصحاب الشكارة من خلال ٱستغلال قطاع ٱستراتيجي للوطن من أجل الربح السريع وتكوين الثروة على حساب مستقبل الأجيال..!
▪️أخي نور الدين الزرفاوي مثقف زمانه، نال نصيبه من التعليم والتكوين ..وكله ساهم في في قلم متميز لا يسود الأوراق من أجل الغزارة في النشر أو لسرعة في الدفع بصورته عبر العالم الأزرق بل لإعطاء الكتابة القصصية مكانتها وقوتها في واقع ثقافي تشابكت فيه الأيادي والمطامح الشخصية والشهرة وتبيض الأسماء المغمورة في غياب نشر ثقافة الكتاب وأهله ، والذين ساهموا في تربية وتكوين أجيال متميزة من المفكرين والأدباء ساهمت في التجديد والحداثة المعرفية والفكرية في عصرنا الحاضر..
ربوة الثعابين
- " معلمي!.. معلمي!.. لقد تبوَّل!.."..
بذلك صاحت جليستي في الطاولة..
مدهوشاً، نظرت حيث كانت تنظر.. رأيت رقعة السائل الأحمر تنتشر بسرعة بين قدميَّ.. تلقائياً، انحنيت وأنقذت دفاتري وكتبي من غرق محتوم.. فيما تدحرجت القنينة الزجاجية من محفظتي، فارغة من شاي بارد هو كل زادي مع كسرة يتيمة من خبز شعير.. عند رأسي، رأيت معلمي يقف واجما وقد تلاشت نظرة الغضب من عينيه، لتحلَّ محلها نظرة حنان وإشفاق.. من خلال النافذة، رأيت السماء تتلبَّد بغيوم دكناء..
"سميح الشجاع".. ذاك الطفل الذي استطاع أن يقضي على ثعبان ذو سبعة رؤوس قضى فرسان أقوياء نحبهم في مواجهته.. ظلَّ يضرب بسيفه الرأس تلو الأخرى حتى إذا انتهى إلى الرأس السابعة، ضربها بقوة.. وبقوة - ودون وعي مني - ركلت أنا محفظتي الموضوعة عند قدمي، فاندلق الشاي من القارورة الزجاجية بالكامل..
والرجل العجوز، محدودب الظهر، بالي الأسمال يخرج علينا يومياً من وسط الفدادين، ونحن عائدون أسرابا من المدرسة عصرا.. يقتعد حجرا على قارعة الطريق، ثم يشير إلينا بعكازه نحو الربوة محذّراً:
- حذار يا أطفال!.. هناك.. في تلك الربوة.. يسكن ثعبان!..
اقتربت منه، ثم سألته وقد غلبني فضولي:
- وهل هو ثعبان بسبعة رؤوس؟..
لاهثا أجابني بنبرة أكثر جدّية:
- نعم.. وقد تكون هناك سبعة ثعابين لكل واحدة منها سبعة رؤوس!..
في البداية تملَّكني خوف شديد.. لكنه ما فتئ أن تحوَّل إلى حمّى حبّ استطلاع جارف..
السماء أمطرت قليلا.. وأنا أخطو على الطريق عائداً إلى البيت وحيداً متسلّياً تارة بالنظر إلى آثار أقدامي الصغيرة على التراب.. وتارة أخرى متملياً ضوء الشمس الساطع من خلال انفراجات الغمام، حيث يتشكل قوس قزح في الأفق البعيد بألوانه الزاهية.. كما أتملى بقطرات المطر وهي تتأرجح لامعة على حواف أوراق النباتات والأزهار.. أستنشق ملء رئتي هبات النسيم العليل الدافيء الذي يطبع عادة أمطار شهر أبريل..
الرجل العجوز غير موجود على قارعة الطريق كعادته.. وإلى يميني تطالعني تلك الربوة منتصبة في شموخ بين حقول القمح المترامية.. أتذكره وهو يحذّرنا بصوته الخشن أن هناك ثعابين.. لكل واحدة منها سبعة رؤوس.. فكَّرت في تحدّ: " الثعابين تكون أقل خطورة في مثل هذا الجو المطير.. هذه فرصتي! ".. ملت يميناً، وأخذت في ذلك المسرب الذي يطلع علينا منه كل يوم.
والآن.. أنا "سميح الشجاع"، بطل أقصوصتنا في حصَّة القراءة.. صوت المعلم الجهوري يقرع أذنيَّ، فيملأني حماسة، ويزيدني شجاعة كلما اقتربت من تلكم الربوة.. وسنابل القمح والشعير تكاد تخفيني عن الأنظار.. بيسراي أتأبط محفظتي، وبيمناي أحمل حجراً تحسّباً لكل طارئ.. قطرات المطر المتأرجحة على حواف السنابل والأوراق تتساقط كلما لمستها، وقد بلَّلتْ أسفل سروالي وصندالي..
وفجأة!!.. وأنا قاب قوسين من ربوة الثعابين، ألفيتني وسط حقل فول!..
طيبة أزهاره تملأ خياشيمي.. وقرونه تفتح شهيتي، فتغرغر لها أمعائي ويسيل لها لعابي.. أقطف واحدة، فألتهم بشراهة ما بداخلها من حبّ.. أتبعها بثانية.. ثمّ ثالثة .. وأخيرا أقرّرُها حربا شعواء على حقل الفول ذاك.. في تلكم الأثناء، نسيت حكاية الثعابين ذوات السبعة رؤوس!..
من وراء ظهري، سمعت خشخشة بين سيقان القمح، وزفيراً يكاد يكون صفيراً.. قفزت من مكاني، وجريت لا ألوي على شيء.. وعندما التفتُّ خلفي، كان الرجل العجوز يحاول جاهداً اللحاق بي، وهو يتوعّدني بعكازه.. لكن عبثاً حاول..
وقد أصبحت في مأمن، تحسَّست قدميَّ.. لقد أضعت فردتيّ صندالي... لكنني لم أفرّطْ في محفظتي..
تعليقات
إرسال تعليق