رمضانيات / هن أخوات"ساعة الفروج"..!! قصة قصيرة بقلم عبد الرحيم هريوى خريبكة - المغرب



    هن أخوات"ساعة الفروج"..!!

/ قصة قصيرة /

   بقلم  عبد الرحيم هريوى

    خريبكة - المغرب

 

لما تتعطل ساعة المنزل منذ زمان طويل عن الحركة و العمل،وتتوقف عقاربها وتتساقط إحداها من مكانها.وتنسى الساعة القديمة، وتقبر في الذاكرة الجماعية بل تنسى  بوجودها ككائن آلي فيه من الروح..أي تدب منه الحركة والنبض، و بأنها قد كانت في وقت من أوقات زمانها، لها شأنها الكبير بين الأثاث المنزلي.. ولقد كانت فيما مر من زمانها الذهبي، الذي كنا شاهدين عليه، توضع في أماكن محترمة،وكان يتم توقيرها واحترام تواجدها من طرف الجميع بالبيت، لأهميتها كساعة تدور عقاربها لا ولن تتوقف، وغير مسرعة..متأثرة بالعجلة البطيئة التي كان يعيشها أناس زمانها..!

 


كانت تدور دورة حياتهم البيولوجية الطبيعية،كما كانت لها مكانتها وسلطتها المعنوية في تحديد الأوقات..! وإذ ظلت تسجل حضورها الآلي في كل بقعة ومكان جغرافي فوق هذه الأرض في ذاك الزمان الجميل،ما دامت لا تشتغل لا بالكهرباء ولا بالوقود ولا هم يحزنون ، وقد سموها المغاربة في زمانهم السحيق" "ساعة الفروج" أو بمعنى عام صاحبة الصرصار ،وقد اختير لها ٱسم الديك، ما دام هو أول من يصيح في كل يوم جديد:

-          طلع النهار ،طلع النهار..هيا استيقظوا يا بشر..!

-  "ولي عندو شي حرفة ينوض ليها "

 


- ساعة الفروج تلك؛ كانت تمتلك من القوة الضاربة بصوتها القوي، والمدة  التي تستغرقها بدون توقف في إصدارها لنغمات موسيقية من أجراسها بين قوسين، حتى لربما سيستيقظ أهل المكان كلهم، وباقي الجيران أيضا ، وكان بود الحي بكامله أو الدوار بالبادية أن تكفيه ساعة واحدة حتى يستيقظ الجميع بتنبيهها لكل الغافلين و النائمين و الشخارين و المدثرين.

وشعارها كان:

- استيقظوا أيها النائمون قبل فوات الأوان..!؟!

 


 - وبطريقة بديهية ودون سبق اهتمام ،أثارني المشهد الذي لا يهتم به أحد ،وهو يمثل للبعض أكثر من رؤية ووقفة وتأمل.. خاصة الكتاب والأدباء والفلاسفة الذين يبحثون دائما عن أشياء مثيرة للاهتمام في الواقع، قد يتحدون بها القارئ بطريقة ما..!

 أخذت لنفسي صورة لهذه الساعات القديمة والمعطلة من زمان..وبحمولة تراثية قديمة من زمان الطفولة خلال الستينيات.. وأنا في زيارة عابرة هذا الزوال للساعاتي عبد الراضي الذي تربطني به صداقة قديمة، وعادة ما يشرف على تغيير بطارية ساعتي ، وهو المنهمك والغارق في إصلاح الأعطاب بسرعة جنونية،وهمه الوحيد جمع البقشيش من الصرف،وصراعه الدائم مع الزمان الذي ينقضي بسرعة كقطعة ثلج بين يديه في حر الرمضاء ..!!

 

- وفجأة رمقني صاحبي، وأنا أقوم بالتصوير لهكذا أشياء قديمة قدم أجيال شاخت وهرمت..ولا يهتم بها العابرون من حوله ، وهو المتسمر واقفا في مكانه ذلك على الرصيف ، يتصفح الوجوه في انتظار زبون ما قد يعرفه، ثم أطلعته بعدها عن الصورة المأخوذة للساعات،وكأنهن يمثلن عجائز من عالم الساعات القديم.تجاوزهن الزمان بقرن ..!

- و طرحت عليه بعدها سؤالا فلسفيا ميتافيزيقيا تربيعيا إن شئت :

- ماذا تمثل له هذه الصورة،لهذه الساعات المعطلة ..!؟!

- لم يستطع الإجابة بالمطلق، في أول وهلة..!بل ظل يركز نظره صوبي ،وكأنه ينتظر مني أن أكشف له عن سر لغز غامض جئت من أجله في هذا اليوم، قصد التقاط هذه الصورة بالذات والغير منتظرة البثة، وخاصة لمثل هكذا مشاهد لأشياء وأدوات قديمة تجاوزها التاريخ، وقد نسيها الزمان قبل أن ينساها الإنسان،ولعل مكانها سيكون أفضل في الجوطية أو بين متلاشيات من الحديد والخردة، لكن لاعتبارات رمزية، ما زالت هذه الساعات المعطلة التي كانت مشهورة في زمانها، تجد لها مكانها فوق طبلة  هذا الساعاتي عبد الراضي طول السنة ،وهي تسجل حضورها رغم عللها.. وقد تجاوزها الزمان بعقود خلت..!؟!

 

- تركت الساعاتي عبد الراضي في تركيزه القصير على مشهد الصورة المفاجئة و لسان حاله يكاد لا ينطق بأية إجابة  بعيدة المنال،وكأنه يود أن يقرأ كتابة ما للغة قديمة من الرموز..!

أما أنا؛ فقد أجبت إيجابتي عن ذاك السؤال المهم الذي طرحته،وكأنني أريد أن أختبر ذكاء الساعاتي عبد الراضي عينه، وما تمثله له هذه الأجسام الميتة لساعات قديمة تؤثث طبلته،وقد لا تعدو أن تكون سوى ذاكرته مع عمر طويل قضاه في إصلاح الساعات صحبة من علموه هذه الحرفة وقد رحلوا، وماعرفته من تغييرات مع التطور البشري في مجال الصناعة الالكترونية في جميع المجالات،مما صعب مهمته في إصلاح ساعات من هذا الجيل الإلكتروني الذكي،وظل اشتغاله في تركيب أحزمتها وغسل محركاتها بمادة الجبيتير و تغيير البطاريات على أصنافها وأنواعها ..!

ولا غرابة ؛ أن نجد صانع الأسنان يهتم هو الآخربجمع كميات منها فوق مكتبه..كدليل على مهاراته وكفاءاته في إزالة الأضراس على اختلاف أشكالها وأنواعها..!

وقد يبقى الاختلاف بَيِّنٌ بين الساعاتي وصانع الأسنان فيما يؤثث مكان اشتغالهما ..!

غادرت المكان وأنا أحمل أثقال ورتابة الزمان والمكان..!

قلت ما قلته عن ساعات جد معطلة قد عطلها الزمان بغبن ،أم عبثت بها يدي بني الإنسان،وهذه الساعات القديمة في عطلة مفتوحة وموت حقيقي،لأنها لم تعد تهتم بالعبث في الزمان،وتغير زمانها مع تغير سريرة بني الإنسان،ولعب لعبته في جعل الليل يمتد للنهار ،وتوقيت الثالثة البيولوجي صار الرابعة بمرسوم قانون يصادق عليه من ينوب عن البشر في الدفاع عن مصالحه أمام الدوائر التي تقرر ما تقرره لصالح مصالحها على مر الأزمان..!

تلك هي الساعات الثلاث في مشهد لصورة، وقد اتفقن على حضورهن جسدا بدون روح، كتمثال في باحة أو ساحة مشهورة عالميا في مدينة كبيرة،وهو يعيدنا لحدث ما في الماضي أو لحقبة من حقب الزمان المدفون، كذكرى لما جمعته الذاكرة الجماعية ..! 

-هاته الساعات تيقن أخيرا، بأنه لا فائدة لهن في تحديد الوقت في زمان السرعة والثورة الرقمية، و ما دام هذا الوقت لا يهتم به بني البشر في هذا الزمان،وغابت عن الأذهان في زمنهم هذا، ذاك المثل العربي الشائع :

- الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك..!

كان ذلك ممكنا ،وذو أهمية بالغة.. لما كان الناس مهتمين بدورة الزمان الطبيعية ، ومرور الوقت ببطء، واستغلاله بشكل عقلاني ونافع..(ولي بغا يربح العام طويل ..والأيام طويلة على زر يويلة..ولا زربة على صلاح..وهلم جرا)

-          وقس على هذا..!

 

 أما في هذا الزمان بالذات، الذي تعطلت فيه أشياء وأشياء كانت فيما مضى جميلة لحركتها الطبيعية ونموها البيولوجي.. وهؤلاء الحداثيون بين قوسين،تراهم غيروا حتى الساعة البيولوجية، وقد تعاملوا معنا معاملة السوفلور  Le souffleur من وراء ستار خشبة المسرح، ومن الخلف عمدوا  للعبث بساعتنا وبوقتنا..وهم الذين يتهكمون على زماننا و إقناعنا بأن الزمن يمكن لنا أن نتحكم فيه بإضافة ساعة أو ساعتين..وصار الزمان يعيش و يتحرك بسرعة آلة صنعها وطورها هذا الكائن الذي جعل من نفسه قوة مركزية في الكون كله ، وأفسد حياته ظلما وعدوانا وتعدى على الطبيعة برمتها برا وبحرا وجوا ، وكائناتها الحية بغرور..!

وفي النهاية ؛ تضامن الراوي عينه وذلك لشئ في نفسه مع عائلة ساعة الفروج، وتألم لحالها وما صارت إليه أوضاعها.. ولم يعد يعرفها أحد.. ولم يتم الاعتراف بجميلها ويتم تكريمها كأدوات قديمة بالمتحف الوطني وذلك أضعف ما يقدم لها..!


 ساعة الفروج

         L'heure du coq

 

تلك صور ة ساعة قديمة

تجاوزها الزمان..!

وعبثت فيها وبها يد بني  الإنسان..!

تلك ساعة الفروج القديمة

صار لا تهتم ولا تعير لأي قوة وأي سلطان..!

والناس ألفوا زمان  عيش بلغط وقبح اللسان..!

وكل واحد يكلم نفسه غير آبه بمر الزمان..!

واختلط عندهم الليل بالنهار

وغاب عنهم مفهوم الزمان..!

 

 


تعليقات

  1. عالم حروفك جميل وهادف وصادق
    تقديري

    ردحذف

إرسال تعليق

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى