كلمني أيها العابر...! بقلم خالد أخازي
كلمني أيها العابر...!
كلمني أيها العاثر...!
علمني الشعر كما تفعل كل صباح..
حين تلقي بكل الجراح ...
وتفضحك قمامة المساء..
علمني الشعر كما تفعل دون صياح
فَجِّرْ في الخيال مجاز الصبر الأنيق...
آه... !صبرنا أنيق كحزننا...
وحزننا مغرور كأشعارنا...
لا تخف... فالشعراء أنانيون...
نخبويون متهمون بالغربة...
هم شهية كل شبهة...
لكنهم طواحين من دم
تطحن حبات الضجر...
لنتحمل نحن الرحل...
فتاوى الخليل الضليل..
ما كان للشعر بحر ولا حذو
الشعراء كانوا هنا...
قبل الضوء والظلام
قبل الماء والأحلام...
أيها العابر...!
العاثر في طرف ظله..
الميت صمت..
والحي نحن ..نحن..الحي
فلا تفرغ وليمة الكلام..
من نبيذ الأولين..
قل كناية وامض
تنسينا رماد البائدين..
فالفراغ لا يموت بالفراغ..
العدم لا يقتله غير الامتلاء..
لنمتلئ ملء خصاصتنا..
فنحن في الرجاء دوما فقراء..
ونحن في العزاء كأهل الصفة..
حكماء.. تقاة.. لكن غرباء..
لنجلسْ ونحتسِ فنجان نشوة..
لنتبادل أطراف حديث ممل
عن الأسعار والأغراب
عن تراب دكالة والمطر
عن أعراس الشاوية والقمر
عن سكارى الدار البيضاء..
عن المصلين حين يأثمون..
عن الآثمين حين يبهرون..
توقف..كما الأمس..
مد يدك لأصافحك
لننعش ما تبقى..
من ضوء القلوب
برائحة كف
لا تخشى الغروب
بخائنة عين
تطعم أيام المخبرين
لنقترف الغيبة..
لنفتعل حادثة غريبة..
ونتحدث بلا ضجر..
لنتحمل كالعادة بعضنا البعض
حين نضيف للحكايات ..
غربتنا الخفية..
فيضحك منا رجع الجدات
وحين نصير حبكة الأحداث..
ونحن لم نولد بعد
ننسى البدايات والشخصيات ..
ألم نروض زيغ الذوات..
فلا كاذب فينا ولا رقيب..؟
نحن نحكي لنحيا..
لنحيا فقط ..
كي لا ننسى الأماكن القديسة
كي لا تتلاشى صور الطفولة
كي لا تختفي خربشات الحيطان..
كي تظل فينا..وبنا..
حياة الناس مضيئة..
لا تسرع الخطى إذن..
لا تلوح للوعتي من بعيد..
وتغلق باب كل حديث..
إننا في حاجة
إلى التورط الجميل
لننظر بلا خوف
في عين الأسقام
فالوباء قاتل رحيم
يشهر كل أسلحته
لا يطعن في جنح الظلام
لا يختار الضعيف من القطيع
كفارس من قصة جميلة
يرحم جريحا
تأهب للطعن..
وأنت.. يا أنت..
يا من تخليت عن الهسيس..
يا من تحججت عند كل منعطف
برحيل آخر فارس..
عن بوابات صدورنا المرتعشة..
حتى أنت..
تخلدين للغياب قبل الغياب
وتلعنين من أغلق الحانات..
وضيق زمن الشهوات..
عابرة..في عيون الدهشة..
كلميني أيتها العابرة..
كم مضى من الزمن
عن آخر بسمة ولمسة
فالمعقمات افترست البهجة
وكل عبق خاب وخبا..
والكمامات جلاد قديم
أغلق بوابات الحياة..
ونال حظه الجديد..
من وليمة الخوف الناعم..
ها هي الحياة تترك فقط ظلها..
آه.. يا ويلي..
صار ظل الوجود
سقف الرغبات..
الحياة طفل مشاغب
يقفز بين الشفاه
لنكن كما كنا..
فقط كما كنا..
نجرب الموت المألوف
نمشي في الجنازات
ونختلط في الأسواق
فقط كما كنا..
لا نهرب منا إلى خوفنا..
أيها العالم المزيف..
توقف عن السخرية
لم نعد نطيق الطوابير
وعدادات الخوف
تتوزعنا كالأشياء..
مجرد أرقام في نشرة المساء..
توقف عن هذا الجنون..
فما زلنا ندون الفرح
بلون الشفاه
ومسافات السفر
خلقنا رحلا
نموت ونحن على سفر
فلا تهزمنا أيها الوباء المزاجي
بالحرمان من المطر والسفر
فكل المظلات حزينة
والأبواب المغلقة
تموت بلا سفر
تعليقات
إرسال تعليق