قراءات نقدية في نص قصيدة" وأنا أمشي؛ وسط كومات من خيالات"عبد الرحيم هريوى / خريبكة اليوم / المغرب
قراءات نقدية في نص قصيدة
" وأنا أمشي؛ وسط كومات من خيالات"
تحت عنوان " يحلو المساء في منتدى فرسان الفكر و الإبداع للثقافة والأدب والفن..
مرحبا بكم من جديد في فقرة: "قراءة نقدية في قصيدة" نلتقي من خلالها الليلة بالأديب والشاعر المغربي عبد الرحيم هريوى في قراءة تحليلية نقدية لنصه :
وسط كومة من خيالات..
***
وأنا أمشي ..!
بقلم الشاعر و الناقد المصري
***
وسط كومة من الخيالات تتراقص كأشباح
تحملني كطائر الفينيق !..
وأنا أمشي ..!
مشيت بخيالي أقصى المسافات
عابرا أمشي عبر كل الفضاءات
فأفتش وأقلب أوراق الصفحات
في سجل مرقوم قديم في ذاكرتي
وصرت وكأني أتواجد بعالم غير مرئي
حيث أرى السحاب الازرق
وحيث أتنسم الهواء الأزرق
و أراقص فراشات زرقاء
عالم هناك من الأعالي
متواجد…
بين كفتي فضاء حياة قد مضت
وأنا التائه .. أحملق
بين ما نسيه الزمان في ذاكرتي
من أحداث وصور ومسرحيات الحياة
وقد طالت مراودتنا للوقت.. تعبنا وتعب الزمان
وأنا الماشي
أنا الماشي بخلجات فؤاد
متواجد بين سحب سماء
تجمعت فوق كل أسطر البدايات
تجمعت فوق نقط كل الحكايات
كل النهايات
قد لا ندري
أيها تلك الرؤى ولا ما تحمله تلك الخطابات..!!
تليق بالسمع وأجراس تطرب من بعض الكلمات..!!
منهمك بروح شاعر
أفتش عنها وسط غبار متطاير
وقد كسى غلاف ما ورثته مذكرات الحياة
فلا حقيقة ترجى..!
ولا حقيقة تريح..!
وأنت الذي تمشي بين زحمة قساوة الحياة
ولا حقيقة قد تنالها بدون توهم
وبدون مساحة تحسبها وسط كومة من خيالات
وكل المسير تقطعه ..يبقى على عتبات شرفات الزمان
كل الحب كان بالأمس القريب..والحياة بألوانها الصفراء الشاحبة
توحي لك بقحط قريب بين قاموس من المفردات
كم من فعل لم نصرفه في أي زمان شئنا
أي حينما كنا أقرب للسعادة
وكان بنشوة الحياة
واليوم ؛ صارت كل الأفعال في زمانها
ممنوعة من الصرف
واليوم؛ لا تبحث لي ولك عن أعذار
تنال بها شرف وجودك على منصة التشريفات
ولكي تبكي عن ما مضى من زمانك المفقود
عبر أماكن تدرجها..
وعبر مشاهد خلفها الزمان
بين أتربة وأحجار
وحينما تضع وجهك قبالة زمنك الماضي
لن تستنشق عبيرا..كان في ما مات من أزهى اللحظات
تلك ذكريات بنيت أدراجها عبر زمانك المفقود..
كي تعيشها بعد مرور عمر انقصى
ومنه تتراءى لك أكبر المساحات
عبد الرحيم هريوى
- كومة من خيالات :
وأنا أمشي ..! بقلم الشاعر و الناقد المصري
عنونة شاهقة العروج الرؤيوي وارفة التحليق ماتعة الحضور ..
دامغة المثول تلك اللجة من الترهات التي تحيط رؤية بطل الحبر فلفظ / وسط / الذي سبق التعبير وضعه في حلولية ظرفية تعني " بين " وهذا لا يتأتى إلا إذا كان هذا المتوسط بين مجموعة من أجزاء مختلفة هو ليس منهم في شيء فلا يقبل حضوره الإضافة إليهم بل هو مجرد قابع بين الشاطر والمشطور من الرؤية...
من هذا التفسير ننتقل نحو هذا المشهد الذي تحول فيه المعنوي صاحب الأثر
/خيالات /
إلى كمية مجتمعة من شيء أي حيز يعني الكثرة ليتحول من المعنوي إلى مجسد يستطيع هذا المسطح الكمي احتواء حضوره ليتم تحويل معنوي هو حد تخيل سواء في اليقظة أو المنام إلى كومة من الصور التي تراود ذهن بطل الحبر ليأخذنا المشهد نحو تطويع تم به تحويل الصور الخيالية تلك يقظة أو مناما إلى ركام / كومة / مرتفعة في إسقاط على حالة من الهذيان أصابت رؤية بطل الحبر حد الغرق بينها فهي تحيطه من كل جوانبه فلا يستطيع منها الفكاك .
العنونة تشي بحالة من الصراع والضياع التي تؤثر على محيطه بما هو في داخله ..
وإلى العتبة ثم النص ككل من خلال الحراك الذي نتمنى أن يصبح في أبهى صوره مع نص بديع كهذا يحتمل كل التأويل ..
أمنياتي بأمسية وارفة التحليق // هشام صيام ..
-قراءة أدبية للنص من طرف القارئ
من الشعر ما يُضني و من القصائد ما تتمنّع ..لا تبوح بدلالاتها إلا بعد طول مراودة و معاشرة و ترفُّقٍ ...وقتها يطمئن القارئ للنص و يبوح النص للقارئ بما يكتنز من المعاني ..في لحظة المكاشفة الشعرية تتداخل الأجناس و تتعانق في حميمية أدبية تروق و تؤرّق ..
قلنا ما قلنا لأن عبد الرحيم هريوي راوغنا كما أراد و شوّقنا و داعبنا و لاعبنا على أراجيح اللغة حتى اختلط الإحساس بالمتعة و الاحساس بالدّوار و مَن لا يضيق صدره و هو يصّعّد في معاريج الفضاء في رحلة ذهنية بإيهاب الرومنطيقية التي تذكّرنا بالأرواح المتمرّدة لجبران خليل جبران و استراحة الشاعر في حضن الطبيعة وإغفاءته ليرى رؤاه و تهبط البجعتان تجرّ عربة تنقله لتطوف به في ملكوت الخيال..
إنّ أجواء هذه القصيدة و رؤيا جبران متماهية يبدو الواصل بينها طائر الفينيق الذي يحترق و ينبعث من رماده ليعانق الحياة من جديد .
عبد الرحيم هذا المتجدّد كالصقر حين يبلغ الأربعين .. تقول الحكاية أن الصقر في سن الأربعين يُقدم على أقسى قرار في حياته إمّا أن يتجدد و يواصل الحياة إلى السبعين و إما أن يموت و يستريح ..
ذلك انّ منقاره المعقّف يستكمل شكل استدارته فيعيقه عن الأكل ..و ريش جناحيه يخشوشب فيُعيقه عن الطيران ...حينها يُجهد نفسه و يأوي إلى مكان قصي في الجبل و ينتف ريشه ثم يكسر منقاره و يبقى ملقًى بين حياة و موت مدة ثلاثة أشهر بعدها يتجدد كما كان فتيّا قويّا ...
كذا الشاعر في ( كومة خيالاته) _ أمشي - مشيت - و أنا أمشي- مشيت بخيالاتي - عالم غير مرئي - بين كفتي فضاء حياة قد مضت - و أنا التائه - و أنا الماشي - بروح شاعر -..و( تلك الذكريات) من( شرفات الزمان) ..
مدارات القصيدة إذن ؛ نظرة في سيرورة الوجود و تفلسف في أسرار الموجود ..رحلة ذهنية في ما كان و في ما يجب أن يكون ..بحثٌ عن أسباب الطمأنينة و السكينة ..تنقيبٌ في جيولوجيا الذاكرة عن خامات الذكريات لتكريرها إكسيرًا صافيا لمعدن الكيان المنشود الذي يجب تأصيله ..
الشاعر والناقد المغربي
علال أب أشرف الجعدوني
قبل الخوض في تفاصيل كتابة الشاعر عبد الرحيم هريوي لابد من الإشارة إلى اعتبار الشعر وميض من النبض الذي يتملك الإنسان ،وغالبا ما يكون مرجعيته القلب ، ومطيته الخيال الواسع فالنص الذي بين يدينا هو تجربة إبداعية لشاعر مبدع خلاق ، تاهت روحه الفكرية لا تكف تحمل عرصات وجدانية وتجلو معاني حروفه مضامين قوية المعنى والدلالة .صحيح إن سي عبد الرحيم هريوي من رواد الشعر الحديث انخرط وهو يستقي من معجم الشعر همسات تتقاطر عذوبة تناغي عالمه بألوان خصبة تنفجر حيوية ونشاطا وهي تشدب خيبات الشجن وهذا قد يعود لتمزق روحي أو لجرح وخذلان مؤلم أجهضوا أحلامه مما جعلته الوضعية يحلق في مديات الخيال وهو يطرز نصه بكلمات مجازية مستعارة ليكتب نصا بجمالية الإحساس لعله بها ترتق كل الخيبات .. نص يستجلي كوامن النفس ، يناغي سكينة الذات ، ينتقي كلماته بحذق وأناة . فسي عبد الرحيم هريوي يمتلك ناصية اللغة الشعرية الشاعرية بامتياز مما تؤكد أنه قادر على إنتاج حروف قد تعانق الإبداع بتقنية مستملحة لها طلعة لاتجف وعطاء فكريا لا ينضب. إنه يتمتع بحساسية توازن بين جرس الكلمات ونغمة المفردات وكذا بين الأحداث المصورة حسب فكرة أبو هيف عبد الله . أتمنى له التوفيق والنجاح الدائم والمستمر مع إثبات الذات الشعرية الشاعرية كما عودنا .
تعليق عام عبر تدوينة للكاتب
ع.الرحيم هريوى
لا يقرأ الشعر بشكل صحيح إلا من جاء من رحاب القصيدة عينها ،كما قال الناقد المغربي صلاح بوسريف..لذلك كانت القراءة من طرفكم سيدي،شاعرية، جبرية بالخصوص، قبل أن تخاطب العوالم المتشعبة فيها كعناصر متداخلة قد ترمز للوجود واللغة والإنسان والحياة في ماضيها ومستقبلها(الشعر الحديث يأتي من المستقبل) .. وما راقني في قراءتكم،و بكل صراحة هو ملامستك الفنية والجمالية للمعنى الفلسفي للنص ،وذاك بيت القصيد .. ولعل الفلاسفة ما كان لهم أن يكون رفقاء الفكر لولا عشقهم للشعر ، وما صاحب مأساة الحياة نيتشه ببعيد عن الموسيقى والشعر..تحياتي الجميلة لكم أخي الكريم على مشاركتم أطباقنا..
..فلايولد الشاعر شاعرا في أول وهلة ولا يولد الكاتب كاتبا كذلك،بل يحتاج ذلك إلى ذاكرة من ثقافة اللغة ..الشعر يحيي أو يميت اللغة ..وما عرب الجاهلية عنا ببعيد فقد كانوا يظنون بأن البارع المجنون هو الشاعر في زمانهم ،وكانوا أهل لسان عربي فصيح به وله تحاكموا ،وكانوا يرسلون أولادهم لواد عبقر لعلهم يتعرضون لمس من جن يأخذهم كي ينبغوا شعراء بقبيلتهم ..لذلك أقول ما قاله من هم قبلي ،وسينقلونه لمن هم بعدي ،أكثر من يتلاعبون باللغة هم الشعراء ،ومنهم شاعر إنكليزي ظل لا يهتم بالنحو أكثر من الإيقاع الموسيقي والمعنى عبر أفق واسع من صور للخيال الشاعري ،لذلك قال المفكر الفرنسي بودلير أي أن الشعر الحقيقي هو الذي يحدث الدهشة لدى القارئ والقارئة، وهو الذي يحدث رقصا وموسيقى وليس ممشى على حد قول بول فليري ،والشعر كثرة وجمع وليس مفردا على حد قولة الناقد المغربي صلاح بوسريف، والشعر من يأخذه رفيقا وصديقا ومؤنسا حينما ينصت للقصيدة أو يكتبها..شكرا لكم جميعا على مشاركتكم أطباقنا.
تعليقات
إرسال تعليق