رأس السطر"سيكون في نصنا الجديد ، من الجنوب.. كتبه حسن أوريد من رحلة أوجاع من سيرورة ذاكرة الحياة..خريبكة اليوم //المغرب
يقول نيتشه في كتاب هكذا تكلم زرادشت :
على المبدع إذا شاء أن يكون هو بنفسه طفل الولادة الجديدة أن يتذرع بعزم المرأة التي تلد فيتحمل أوجاع مخاضها..
هكذا تكلم زرادشت //نيتشه
/ من بين العبارات التي أثرتني من النص الرائع والجميل، أشارككم متعتها الأدبية../
- الماخور الذي كنت فيه قبل قليل هو فضلات المجتمع.هو نتاجه..هو ماخور صغير .الماخور الكبير يتستر بالفضيلة .بالزعم بالفضيلة .يتذرع بالمبادئ النبيلة..
- لاتنس أن الدين ظاهرة ديمقراطية تحقق الرضوان للجميع،ليس مثل الفلسفة التي هي ظاهرة أرستقراطية..
- الإنسان يجد عزاؤه في هذا التفكير التبريري،الذي هو ولا مراء،أسوأ تفكير.
- أحسن الكتب هي التي ترينا أنفسنا كمرآة..
تمنيتها أن تطول تلك الرحلة رغم مسارهما الزماني والمكاني العابران لذاكرة رسام تشكيلي بالكلمة للوحات مما دفن من مقابر محطات ظلت موشومة في خيالات لكاتب ما تركها في قبوها المظلم دون أن يجعلها تصعد لخارج الكهف قبالة شمس أشرقت من الجنوب لما حملت خيال ذاك الطفل التلميذ النجيب عبد الله من منطقة نائية كانت تسمى قديما بقصر السوق إلى العاصمة الرباط في ستينيات القرن الماضي ،كي يعبر كل المسارات في عالمه المجهول بكل تناقضاته وما يعيشه المجتمع المغربي من ازدواجية في الثقافة للنخبة الأرستقراطية التي كانت من مخلفات الاستعمار كي تبقى بمثابة عيون باريس وتبقى التبعية لقرن قادم ،وما خروج الاستعمار من باب المفاوضات إلا كي يعود من النافذة عبر أجيال من أبناء الأعيان من المدينة العلمية في ذاك الوقت فاس كي يتعلموا ويحصلون على دبلومات في الهندسة والعلوم الإنسانية بكل من فرنسا وأمريكا..ولعل الكاتب تجرع الخيبات حينما تلقى تعليمه الثانوي والجامعي بالفرنسية..ولقد كانت عقدة اللغة الفرنسية استمرارية لعقدة المستعمر كما يبوح بذلك صراحة ..
فعلا قد يكون حضور السياسي بفكره العقلاني في الرواية الجديدة أكثر تأثيرا في الوعي الثقافي والمجتمعي، لفئة من صنف من القراء، الذين يعرفون رأس الحرف وسلطانه المعرفي،لكل ذلك؛ استطاع حسن أوريد أن يجعل من هذا النص بلباس مغربي متداخل بين التقليدي والعصري، بل التناقض الصارخ في مجتمع ما زال منذ الاستقلال يتخبط خبطة سريالية في توجهه المستقبلي، عبر اتخاذ هكذا قرارات سياسية سيادية مهمة وملزمة،لعل أولها في شأن التدبير اللغوي الوطني، الذي يعطي للشعوب شخصيتها. وبلغتها الأصلية، وذلك ما نشاهده، ونتابع في تطور الشعوب، عبر تطوير لغتها الأم /اللغة هي الأرض وتورث كما تورث تلك الأرض عينها/ ومنها اللغة الميتة أو اللسان الذي يبقى محدودا في جانبه الجغرافي والديمغرافي (العبرية مثلا واليابانية والتركية واليونانية )..
وما طرح سؤال الهوية عبر النصوص الروائية، التي شغلت بال أكثر من كاتب مغربي عبر ثلة من الأقلام المفعمة بالحياة الشعبية المغربية ( رواية المغاربة عبد الكريم الجويطي) واليوم( رحلة من الجنوب لحسن أوريد)
والبحث فيها يرتكز حول تحديد الأجوبة الشافية عن الهوية المغربية حاضرا ومستقبلا..فهل نبقى في مشية الديك الأزرق أم نبحث لنا عن طائر الفينيق من بين رماده،كي نجعل منه صورة من صور البحث الميتافيزيقي في بديل نتفق عليه كساسة ومؤسسات ودولة ..؟!؟!
إن القراءة للنص الروائي لا تتطلب مكا السرعة المفرطة في قلب الصفحات ،ومطاردة الساحرات عبر ابتلاع طعم السرد والسارد ،بدون التمهل في التماهي مع الأفكار ورؤية الكاتب، وما يريد إيصاله، من خطاب سياسي اجتماعي أيديولوجي فلسفي عبر نصه ذلك..
لكل ذلك أقول: بأن هذا النص الروائي شبيه إلى حد ما بنص المغاربة، لأنه يطرح قضية الهوية من جديد عبر واقع المتناقضات.. لشعب يبحث له عن هويته الحقيقية، بعيدا عن التحكم، وما يعانيه من قهر كمجتمع بفسيفساء من التشكيلات..وتحت هيمنة كل من الأصوليات والعصبيات(قبلية،عشائرية،أسرية،طائفية ،إثنية،أو جهوية ..)الإنسان المهدور دراسة تحليلية نفسية اجتماعية .. د.مصطفى حجازي.
وحينما فكرت في كتابة بضع من الصفحات في حق رواية مغربية مائة في المائة ،ما فكرت في القراءة المألوفة في تحديد مستوى الخيال،وما مشيت في طريق الجامعي والناقد المغربي مصطفى الورياغلي ،عبر فكر المتخيل في الرواية المغربية..ولم يكن لي عين على الأسلوب الأدبي ولا الفضاءات المختارة،ولا الشخصيات.. ولاباقي العناصر المؤسسة للرواية الجديدة ،فنحن أمام قلم مغربي أدبي كبيروجرئ، ومفكر ومثقف ،يكتب بقلبه وذكائه ،وبعينه القديمة على مجتمعه كي يشرحه على مشرحة المختبر الأدبي المغربي.. وهويقول في نصه ما لم يستطع قوله عبر الرسمي ،وذاك من حسنات الرواية الجديدة، ومفهومها النقدي والأدبي. ونحو رواية جديدة لـ آلان روب جرييه،التي نظرت لها فلسفة الحداثة وما بعد الحداثة، وتجاوزت بأن الإنسان هو مركز الكون، بل أمسى شئ من أشياء الكون نفسه ،وهناك أشياء أخرى أهم من عناصر الكون، وهو سوى عنصر من تلك العناصر في مجال الكتابة الأدبية المعاصرة وفنونها..
وما أثارني في هذا النص الرائع والجميل، الذي خاض في سرد لواقع مغربي، يحتاج لأكثر من وقفة ،والكاتب نتاج هذا الواقع المأزوم ،يعيد شبه سير/ ذاتية عبر خيال يمتد للخلف،ليحيافي الحاضروصوب رؤية للمستقبل،وقد يشارك حسن أوريد سرده لمحمد شكري في تشابه إلى حد ما في الفقر والمعاناة والبحث عن الذات،والتسكع عبر لحظات من زمن خاطفة للكينونة ،لكن يبقى الاختلاف" الخبز الحافي" كتبه ذاك الطفل الأمي،الذي لم يعرف طريقه للمدرسة بل ظل في عناق أسطوري مع الشارع ،وما أدراك ما الشارع..!!وقساوة في العيش، وتحت سوط القهر للوالد الذي يحاكي سلوكات عديدة تتربص بصاحب رائعة الخبز الحافي، التي كسرفيها كل الطابوهات في مجتمع محافظ،و في عقليته ولباسه.. متحرر في ملذاته وشهواته بلا رادع قيمي ولا ديني،و باسم النفاق البشري والمجتمعي، أو ما سماه نيتشه حشرات المجتمع ..
في وقت حسن أوريد نهج نفس الطريق في إعطاء كل الحرية في السرد الحكائي.لذاك الطفل الذي ما زال صغيرا ولم يكبر، وبنى فصول مسرحيته في زمانها التاريخي بتدرج، مما أعطاه فرصة لبناء نص ممتع، يسهل التجاوب مع مضامينه وثقافته الفكرية والأدبية. ومن خلال صور جمالية وفنية للإنسان المغربي "عبد الله" الذي ظل يبحث عن نفسه وصورة حقيقته بين تناقضات مجتمع منافق مريض يحمل علله التي لا يراها إلا من وصلت له العدوى من حيث لا يدري، وما ينخره من فساد، في الإدارة والسلطة والعلاقات المجتمعية..!!
لعل قراءتي الاستباقية لهذه الرواية وأنا أقتحم عوالمها المجهولة ،لم يكن من فراغ، بل تداخلت فيه عدة اعتبارات في مجال القراءة الممتعة للنصوص،والتي تشد القارئ والقارئة لمتعة تحملها فصولها،وحضور حاسة القراءة بالحكم عن النص.و بأنه عبارة عن مذكرات من سيرة ذاتية للكاتب ،وذاك ما سيفاجئنا به عند نهايتها لكن بأسلوب روائي مغربي شرب من ثقافة بلده الممزوجة بين العربي والأمازيغي وبعد عودة الغريب لأرض أجداده،والنبش في ذاكرة الطفل الصغير الذي لم يكبر في دواخل كيانه،هو يعيد ترميم ما بناه من كتاباته القديمة التي ظلت كظلال خفية حملها بين جوانح الألم المدفون عن وطن ما فتئ يحمل قضاياه الكبرى والمصيرية،وكأنني أما موليير الذي يكتب صفحات فيحولها لكتاب متكامل الأركان والأوصاف..
سيرة ذاتية كتبت صفحاتها ورقمت في صيف من سنة 1985 ولم يتم إخراجها لحياة كي ترى النور وتعيش حيوات جديدة بين جمهورالقراء المغاربة مناصفة في صيف 2016.. وكانت متعة في تصوير واقع مجتمعي مغربي أثخم بالنفاق اﻻجتماعي إلى حد لم يعد قادرا على المزيد من النفاق بمافيه الثقافي والسياسي وهو يقول بلسان حال الجندي الذي يحارب بالليل والنهار:((التعب أخذ مني مأخذه ..وما يزال الطريق طويلا.أشخاص محتبون أمر أمامهم.يرمقونني بنظراتهم الشزراء.حتام يحتبون..؟ أفلا ينهضون فنمشي سويا .أتراهم ﻻ يقدرون على ركوب المخاطرة؟سأمشي ،أخبط الظلماء ،سأمشي لعلي آتي بقبس ،ينيرني وينيرهم وأصيح على أثرهم،لا احتباء بعد اليوم.حتى متى نستظل بشجرة تقلص ظلها.حتى متى نشرب السم ونحسب أن الشفاء فيها.لك العتبى يا أبا حيان التوحيدي..
تعليقات
إرسال تعليق