سرديات في مسار مهني2✍️الحلقة الثانية❤️❤️ذ/ حسن الوافي برشيد 29/09/2022
سرديات في مسار مهني. (2).
الحلقة الثانية
من قلب القطر السوسي، ومن قلاعه الحصينة ببلدة مجاط القصية، شقت بي سفينة التعليم الإبتدائي أولى خطواتها في فن الإبحار وسط يم محيط، لم أكن أعلم بخباياه، ولا كنت مدركا بأسرار ما كان ينتظرني به هناك. ولم أكن متزودا حينذاك إلا دبلوم مركز تكوين المعلمين بمدينة سطات لموسم:91\1992،وإجازة في الإجتماعيات تخصص تاريخ فوج:1990/91 بكلية الآداب بعين الشق،ودروس تطبيقية عملية في مجموعة من مدارس المركز الحضري لمدينة سطات، ساعدتنا في إكتساب أبجديات أولية لولوج عالم الطفولة وعقد علاقات تواصلية معهم لأجل تنمية مهاراتهم في التعليم والتعلم والتربية.
غير أن واقع الحال في المناطق السوسية لم يكن يرادف ما تدربت عليه من واقع أرض سهل الشاوية ورديغة، حيث النطق باللهجة المغربية القريبة كثيرا من اللغة العربية، الله بل كان أمرنا صعبا للغاية في تلمس أول خطوات انطلاقتنا التمهيدية في ميدان التدريس.فاللغة الوسيطة التي يمكننا بها ربط جسور التواصل لم نكن نتقنها؛ أي لهجة تشلحيت، لذلك تطلب منا ذلك كثيرا من الصبر والتمرن على فهم بعض من رموزها الأساسية وفك شفراتها، وهكذا وبفعل ديمومة اللقاءات فيما بيننا نجحت بيننا علاقة تبادل ومقايضة في الأخذ والعطاء بين لهجتنا ولهجتهم لنتفوق في الأخير في تدشين معالم نجاحات أولية تهم ترسيخ مبدأ تعليمهم قواعد كتابة و قراءة ونطق اللغة العربية.
استقرار المدرسة في المناطق السوسية يتم اختياره بعناية فائقة بحيث يتم إبعادها أكثر ما يمكن عن الدوار تجنبا للإختلاط وحتى لا يمكن للمدرسين الغرباء الإقتراب من مكامن حرماتهم الشريفة العفيفة. وهو ما زاد من عزلتنا وزاد في تكريس واقع الهوة التي تفصل بيننا. لتزداد مسافات الأمان بيننا وبينهم؛ اللهم تلك الزيارات الخاطفة التي كان بعض من الآباء أو الأجداد يقومون بها لمركز المدرسة مما كان له وقع إيجابي على أنفسنا، الشيء الذي مكننا من التعرف عليهم وإكتشاف أنهم يتحدثون العربية بإتقان نظرا لسابق اشتغالهم في كل المدن المغربية ومعرفتهم الجيدة لجغرافية المغرب. فهم رواد التجارة وهم رأسمالها الحي الذي يحرك عصب تجارة المواد الغذائية بالدكاكين وجل محلات المحلبات المنتشرة في كل الأرجاء.
إستضافتهم لنا سرعان ما ستتحول مع توالي الأيام إلى عادة جارية وألفة تجمع بين الألف والمألوف. إذ بعد تيقنهم من أخلاقنا وكنه جوهر آدابنا صار حبل التواصل بيننا وبينهم مباشرا لا تشوبه أية شائبة، لنصبح آية واحدة من الأخوة. ولكم كانت لنا الحضوة في حضور أعراس ومناسبات بل وولائم يتم بواسطتها استدعاؤها لها كواحد من الجيران.
لم أكن لوحدي معلما من قلاع مغرب الداخل، بل كان في مجموعتي المدرسية شلة من شباب كل من :بني ملال، سيدي سليمان، تارودانت، الناضور، أكادير، الرباط، سلا، تيفلت، الحسيمة، إفني، مراكش، قنيطرة..سطات، برشيد. وكلهم اندمجوا في خدمة وطنية واحدة وواجب وطني واحد أسهموا فيه في بلورة فكرة المغرب الواحد المتعدد الثقافات والغني بجهاته الكبرى والغني كذلك بسواعد شبابه الذين يعبرون عن خدمته حتى ولو كانوا من مناطق بعيدة. وهو ما يذيب الفوارق الإجتماعية ويوحد الانتماءات القبلية ويجعلها بوتقة كيان مغربي واحد من طنجة إلى الكويرة...يتبع..
ذ/حسن الوافي
برشيد 29/09/2022
·تعليق على الهامش
تدوينة فيسبوكية
كتبت سيدي حسن ما جمعته ذاكرة الزمان والمكان لديك كي تشاركنا أطباقك الشهية في عالم الحياة والإنسان ألا وهو عالم التربية والتكوين ،والذي لا تخلو محطات عناصره البشرية من قصص وروايات تستحق أن تروى وتنسخ إن وجدت لذلك سبيلا ..ولقد كتبت بعض النصوص الأدبية في ذاك الشأن ، ونذكر منها رواية "ملاذ التيه..!" لصديقي العزيز الأستاذ عبد الكريم العباسي،و الذي استطاع أن يحيل القراء مناصفة على عوالم عجيبة وغريبة ومدهشة عن ساعات الألم و المكابدة والمعاناة لرجال والنساء التعليم في الفيافي والمداشر والجبال والقرى البعيدة .. ألف تحية لجنود العلم والمعرفة المغاربة مناصفة في كل ربوع الخلاء البعيدة في هذا الوطن العزيز،وذلك لما يقدمونه من التضحيات الجسام في سبيل العلم نور والجهل عار..
عبد الرحيم هريوى
تعليقات
إرسال تعليق