نبوءات الجائعين..!! بقلم الشاعر المغربي محمد لقعة



نبوءات الجائعين
الشاعر
محمد لقعة

 إذا رأيت شخصا أعصابه باردة ولم يعد يبالي، فاعلم أنه تخدر من كثرة الألم !

إبراهام لينكولن

إن كلماتي انبثقت من هذا الغليان الذي لم أفجره فجرني؛ وإن لم أفتح أمامه القنوات ليأخذ مجراه الطبيعي أهلكني..
أيمن العتوم
نبوءات الجائعين
محمد لقعة
في ذلك المساء.
همسات كاتب حزين
في ذلك المساء، عبثا كانت الريح تدفع ماتبقى من خلجات الشمس المحمرة إلى حتفها الأخير.. منذ وقت، لم أر الشمس في تلك الحمرة...
صديقي عبد الرحيم هريوى.
اعتدت أن أكتب إليك كلما داهمتني ريح معبئة بالحزن والقلق والتمرد.
صديقي المحترم.
أريد نايا لكلماتي، وأنت المقيم في أعشاش اللغة المعبئة بالصهيل، أريد ألحانا لحروفي على مقام الصبا، لقد أضحت متيبسة في حلقي، كسلى يعتريها الخمول و الفتور والملل، لا تريد أن تخرج إليك،. لاتريد أن تسألك عن ميمون المجنون المدفون في ملابسه الرثة، ينتهك كل حس بالذوق العام. أقدام قاتمة حافية، وأوساخ صارت هي قشرته الأبدية.

لاتريد أن تسألك عن عباس الفقير الذي يحمل مقراجا كبيرا ألصق به موقد فحم، تتقاذفه الأزقة. زقاق يسلمه إلى زقاق، أزقة تتشابك، تتفرع وتضيق.. عباس يعود في المساء مشوي الوجه محمر العينين، مسربلا بالعرق، بالحزن، بالألم العميق.
لاتريد أن تسألك عن بوعزة بائع النبق.
ولا تريد أن تسألك عن مسعود بائع الحلزون.
لكنها تريد أن تسألك عن ذلك المساء المليء بالضباب، حين راودتني امرأة عجوز في منامي، كانت ترتدي ثوبا كئيبا مصنوعا من صوف خشن. تخفي وجهها بلثام أكثر كآبة، ولما سألتها من تكون، سددت إلي عينين رماديتين، ساخرتين غامضتين، يفز منه إيماء كالسؤال، كالإستفهام، كالإبتسام، ثم دهشة، ثم حيرة، ثم استنكار. فجأة جلست قربي تحدثني بلطف ولباقة. بدت لي غريبة. قصت علي نتفا من حياتها. كانت راعية.. قضت مرحلة شبابها في القرية. إسمها رقية. كانت في قريتها هي " الأنا " في سيكولوجية فريد. فيها البدائية ، فيها العادات، فيها التقاليد، فيها الحضارة، فيها البراءة المطلقة. حكيمة تفهم كل كل شيء، تفهم ما يجري حولها،. تعرف كل الأماكن المظلمة..
قالت شيء ما يحدث وراء نوافذ الوطن.. قالت شيء ما يرتجف في الظلام.. قالت شيء ما غامض ومبهم، أعوج ومتموج..
وأنشدت تقول بصوت أجوف :
الوطن حزين
حيث الحزن يستمر
الألم يستمر
البؤس يستمر
القهر يستمر
الفقر الرهيب يستمر
صمتت لحظة.
ثم أرسلت تنهيدة تسبقها ضوضاء من أنفاسها المتعسرة.ثم قالت بهدوء ينذر بغضب وحشي، دون أن يكف المرجل في أعماقها عن الغليان :
- أكتب.
نظرت إليها وكأنني لا أفهم.
- ماذا أكتب؟ هل الكتابة مهمة إلى هذا الحد؟ من ذا
يكترث إن كتبت أو لم أكتب؟ لن يتجشم قارىء عاقل مشقة القراءة.
فردت بسؤال وقد اندهشت قليلا :
- الست كاتبا؟
- بلى.. أكتب لمتعتي ولأمتع الأخرين، ولا أتعالى على القارئ.
إنما أتعاطف مع الإنسان الذي يعاني من الفقر والإنشطار، إن لم يكن التشظي.
كررت أكتب.. انقبض وجهها بفعل الغضب.. كانت جادة فيما يتعلق بالوطن والفقراء.
قالت أكتب " كان الوطن جميلا قبل المفسدين" قالت "وسيبقى جميلا بعدهم" قالت " سيبقى عذبا، يشع نورا ودفئا وحرارة"
ساد الصمت لحظة.
تحت توهج الليل ، رفعت قلم حبر جاف، نفخت عليه لتدفئة الحبر الأخضر، فكتبت :
في هذا الزمن الغريب
الوطن كئيب
النهر كئيب
البحر كئيب
أعشاش النوارس كئيبة
الحقول كيبئة
سدر النبق كئيب
كلأ الأنعام كئيب
الحجر كئيب
الجراد كئيب
النمل كئيب
الفراشات
الزاهية الألوان كئيبة
البلشون كئيب
الحلزون كئيب
الثعلب كئيب
الذئاب كئيبة
الحشرات كئيبة
ولازالت الكآبة تتناسل
وأنا الفقير الأكثر كآبة، شارد في سهو الأيام، أبحث عن أوهام لاهثة، تحت ضوء فجر يتسلل باهتا إلى السماء كئيبا !
أنا الفقير الأكثر فقرا أتسكع في أزقة الحياة الجارحة، أحمل في جوفي مرارة مقدسة !
أنا الفقير الأكتر احتقارا أضحك بداخلي، شارد أبحث عن حرارة تذيب ذلك الجليد من الحزن المكدس في نفق الروح !
عندما توقفت عن الكتابة، ظل وجه المرأة العجوز خاليا من كل تعبير. بل ظلت ساهمة زائغة البصر، فجأة تمتمت بصوت مبحوح :
- أنت لاتبدو سعيدا.
- كيف أبدو سعيدا والفقراء الطيبون مثلي ومثلك جوعى يغمسون خبزا يابسا في حساء مائي.
قالت بصوت تهكمي :
إذا كان للفقير أن يموت جوعا فهو ميت أصلا، وإكرام الميت دفنه !
قالت بلهجة تفيض ألما :
الفقير يشتهي العدالة، يشتهي الحرية، يشتهي السلام أكثر مما يشتهي الخبز !
ابتسمت رغم ظلال الحزن على وجهها، وقالت وهي مفعمة بالأسى :الفقر هنا وهنا. ونقرت على قلبها و رأسها.

Toutes les réactions 

تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى