تورية لغريب و الأصابع المقضومة..! قراءة بقلم عبد الرحيم هريوى خريبكة // المغرب
قراءة بقلم
عبد الرحيم هريوى
خريبكة // المغرب
ببوحك الجميل نمضي صحبتك في سفرنا الفريد من نوعه عبر أجواء الكلمات العابرة للعالم الرقمي الحديث بمساحات شاسعة بمواقع التواصل الاجتماعي ..!
ولعل ٱستعمالك" لليت " للتمني والترجي في جانبه النحوي ..لم يأت محط صدفة أو من فراغ ولا لنفي الكلام بصيغة من الصيغ أكثرمن إثباته..وأنت الشاعرة التي نالت نصيبها وتواجدها الأيقوني من أعلى المنصات..!
وما فتئت ترسلين كلماتك سهاما من فوق أسوار طروادة لهكتور في وجه أخيل ابن بليوس.. !
وكلها تتساقط فرادى ..!
وتحمل ما تحمله معها من أخبار، بلغة الشعرالتي تتسم دوما بركوب أمواج عاتية وتحد عبر الكلمات المشفرة، وببلاغة لغة تحمل خلف الكلام ما تحمله الذات الشاعرة من الرسائل في أظرفة مختومة بٱسم الشاعرة تورية لغريب..!
لقد كنت وكان فجر الشعر يلوح بخيوطه البيضاء مستقبلا نهارك الحافل بألغاز عيش تتجسد بصور تم اختيارها بإيجاز من عالمك الذي رسمت لوحاته في قصيدة شعر..!
" أصابعك المقضومة ..!!!
جمل شعرية كثيفة، وبلاغة لغوية أعطت للكلمات الشعرية جمالية ما،وحسن إنصات للأصوات وأجراسها بين اللفظ والمعنى، وبروح لا يتحسسها إلا من ألف الإنصات لإيقاع وموسيقى الكلمات..وألف كذلك كيف يفك شفراتها .. ويعرف ما تحمله من أحلام و أحاسيس مدفونة في باطن الذات.. وما يفعله الخيال الشعري حينما يخط الحرف على الورق وهو سيد نفسه ..!
وهو المسير لسمفونية بأبدع الألحان وبشتى المؤثرات..!
ونعود ننبش بعمق في محطات من محطات قصيدة الشاعرة تورية لغريب تحت عنوان :
" أصابعك المقضومة ..!
عنوان مثير بالفعل وجامح في معانيه البعيدة إذ يعطينا صورة رمزية للمشاهد المؤثرة التي تتخلل القصيدة النثرية ،والشاعرة في حوار شعري بين الذات المتعبة والحالمة، وما بها من حنين وأشواق للآخر، الذي يبقى صورة في مخيالها الشعري والمتواجد كصورة خارج الذات..!
الأصابع المقضومة لها دلالتها وتعابيرها المجازية وٱرتباطها كذلك بحركة اللاإرادية، قد نقدم عليها ونحن تائهين نفكر في ما يشغل بالنا، وقد نكون حينذاك ننظر إلى مكان بعينه نتواجد فيه،لكننا في الحقيقة بصرنا لا تركيز له يذكر، كمثل الأعمى الذي لايرى أي شيء أمامه رغم عينيه المفتوحتين ..
لكن الشاعرة تورية لغريب قد تكون بالفعل أرادت من خلال هذه الحركة التعبيرالمجازي عن معاناة الآخر، في حياة عابرة قضاها بسلوكيات و قرارات غير صائبة ،وليس له من سبيل في إعادة إصلاح ما فات وانقضى بل انتهى مع الزمان ..!
استعملت حرف النداء وبذكاء خاص حتى يكون الوقع أقوى على مسامع المنادى عليه، وهو سيد القصيدة طبعا وملكها في سياق كلام الشاعرة..!
وهي المتعبة بقصائدها وأسلحتها وعدتها القديمة المتهالكة التي لا تصلح لهزم الآخر عبر معارك خاصة لا تعدو أن تكون سوى كلمات وأحاسيس ومشاعر تحملها الذات،و تعطي مساحة ما في فصول قصائدها الملقاة وهي تقول متسائلة بعد الهزيمة :
- ماذا لو أنني كنت شاعرة بالفعل..!؟!
- وتتمنى ذلك كحقيقة في الواقع لكنه غير ذلك رمزيا :
ليتني شاعرة..!
وأداة ليت هاهنا، لا هي للتمني ولا للترجي بل هي صورة من صور الإخفاق المحسوس في الانتصار في معارك أخذتها عبر فضاء وأجواء الكلمات العابرة ..!
وتنتقل بنا للغة الاستعارات والتشبيه والمجاز بلغة الشعر الحديث، وبكل الأوصاف الجمالية المنشودة..
ونتساءل في البحث عن صور مخبأة في جملها الشاعرية :
- فماذا تعني بكلمة الفتات من الخبز اليابس ..!؟!
- وماذا تعني كذلك بسرير القمر..!؟
هي ظلال شتى لحقائق وموسوعة من الهمس في كلمات، كالفتات من الخبز اليابس يصور لنا حياة تعيسة وفقر معاش في علاقة مع مراسيم البؤس الوجداني وما سرير تحت ضوء القمر إلا تتمة لحياة لا تطمئن لها النفس التي تبحث عن مأوى ومسكن دافئ بين جدران تحمينا من كل العواصف والعوائد في الحياة ورغم كل هذا وذاك فذات الشاعرة تشيء بهسيس عشق مارد يتخطى كل الحواجز الممكنة ويستقر ككائن حي في أعماق الذات..!
وتعود الشاعرة كي تعطي للقارئ صورة من صور الشوق وٱرتباطها بشكل من الأشكال بحركية العينين ومساحتها ولون الكحل وما يعطيه من جمالية للمرأة في عرسها ..!
وتذهب بعيدا من خلال التقاط صورها الرائعة والجميلة في تحد لمشاعرها وهي تتمنى لو أنها تتحكم في بوصلة القدر وتوجهها الوجهة السعيدة وبذلك تكتب قصيدة الفرح لو أنها كانت شاعرة بمفهوم ما تستطيع أن تنتصر لنفسها من خلال ما تكتبه من قصائد لكنها تثور على سيد قصيدتها في نهاية المطاف، بعدما تدعوه بشرف وفي صورة ٱمرأة ثائرة غاضبة و متحدية بأن يقوم بتقليم أظافر صبرها المتآكل، وبأن لا يعبث أي عبث غير محمود في قصائدها الأخيرة، وهو يمسك بفجره الهارب بشغب ولا ندري أي شغب ذاك الذي تريد الشاعرة ذكره ويبقى أقرب للمجهول كما أن العبث يبقى في صورة من صور عدم الاهتمام وما تقليم أظافر الصبر إلا صورة من صور الخفر البلاغي العميق في اللغة يعطينا مدلوله الواسع في مضمون وسياق البوح الجميل..!
ولعل الصبر هو الآخر يسجل حضوره لذا الشاعرة بالتآكل في الطريق المسدود الذي ذكرته.. وفيه صفة من النوع، لمآل الغير المرغوب فيه..!
في نهاية هذه القراءة نكتب ما يلي :
هي قصيدة من الشعر تحمل صورها المشبعة من الإبداع في مجال الحوارات الشعرية التي تزين القصيدة الحديثة، خاصة إذا ما كانت كلها توحي للقارئ والقارئة بكثافة ما، وسعة في الأفق، وأبعد ما تحمله الكلمات الشعرية من معنى..إننا عشنا عملا شعريا جميلا حاولنا أن نغوص بكل الوسائل في تفكيك أسطره كي نقترب من المعاني بين ثنايا السطور رغم ما تحمله القصيدة من مجاز وتشبيه واستعارات .
النص الشعري المنثور للشاعرة تورية لغريب
أصابعك المقضومة ..!
يا سيدي..!
تعبتُ بقصائدي دون عناء
وعُدّتي متهالكة
لا تصلح للمعارك
ماذا لو كنت شاعرة..؟؟
ليتني شاعرة !!
لأخبرك عن فتات الخبز اليابس
تحت سرير القمر
وهو يشي بهسيس عشق مارد
ليتني شاعرة !!
أسحل الشوق المحتل لمساحة عينيك
بلون الكحل في يوم العرس
لو أنني أكتب شعرا..
لغيّرتُ بوصلةَ القدر الثّائرة
في اتّجاه واحد
لجمعتُ شتات المشهد
في قصيدة فرح
لكنني لست بشاعرة
وأنا أدعوك..
مثلما تفعل امرأة ثائرة
لتقلم أظافر صبري المتآكل
لئلاّ تعبث في قصائدي الأخيرة
وأنت تمسك بفجرك الهارب
في آخر محطات الشغب
تعليقات
إرسال تعليق