إطلالة نقدية ذرائعية / عبدالرحمان الصوفي / المغرب
إطلالة نقدية ذرائعية / عبدالرحمان الصوفي / المغرب
- تقديم الشاعرة : سوار غازي .
قصيدتي "صياد الظباء"
على مائدة النقد والتحليل ،من خلال دراسة نقدية ذرائعية مستقطة ،بقلم الناقد الذرائعي الأديب المغربي الأستاذ عبد الرحمن الصوفي
ومن خلال هذا النقد الإبداعي الماتع أدعوكم زملاء اليراع وأصدقاء الفكر المتواجدين على صفحتي بتذوق هذا الزاد المعرفي من خلال هاته الدراسة الذرائعية المستقطعة التي اتسمت بأسلوب نقدي سلس وبيان للفكرة والمقصد
كما أود أن أشير أيضا بهذه المناسبة ،أن النقد فن إبداعي يجذب ذائقة المتلقي ويفهم إذا بان خطابه وكلما ابتعد الناقد عن التعقيد والحشو ..
وأوجه شكري وخالص إمتناني للأستاذ عبد الرحمن الصوفي على هذا الكرم والإهتمام الذي أغذقه على حرفي المتواضع..
دمت سامقا بهذا النبل والعطاء احترامي وتقديري.
دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة عنوانها ( قصيدة في ميزان فن الشعر / أرسطو / والخلقية الأسلوبية عند الجاحظ /
الدراسة المستقطعة تخص قصيدة ( صياد الظباء ) للشاعرة : ( سوار غازي ) الدراسة بقلمي : عبدالرحمن الصوفي / المغرب
ملاحظة : نقصد بدراسة مستقطعة الاشتغال في دراسة النص الذي بين أيدينا بمدخل واحد من مداخل النظرية الذرائعية المتعددة ..طبعا سبق أن نشرنا العديد من الدراسات المستقطعة .. واختيارنا كل مرة مدخلا ليس اعتباطيا او عفويا أو صدفة بل إن المدخل المختار يكون الأقوى والأبهى والأجمل الذي يساعدنا على الغوص ، وهذا لا يعني أننا غيبنا، أو أبعدنا المداخل الأخرى أثناء دراستنا المستقطعة ، بل حاضرة معنا تساعدنا على استخراج اللؤلؤ المخبوء في النصوص ..
نعتذر لقرائنا كالعادة على تغليب الجانب النظري على التطبيقي في دراستنا المستقطعة هذه ، والسبب هو تعسير المهمة على من يبحث عن الجاهز وينسبه إلى نفسه دون خجل أو صحوة ضمير ..
- تقديم :
بسم الله الرحمن الرحيم
الشعر هو فن من فنون المحاكاة ، كما سماه بذلك أرسطو ، فحين يستعمل لفظة ( المحاكاة ) ، أي الانعكاس أو التقليد أو الرسم ، أي لغة الاستعارة كصور ناطقة هدفها في ذلك التلقين والمتعة ...فالشعر من حيث أنه شعر له غاية وهي أن يخلق أثرا معينا في جمهوره ، فهو يستعمل المحاكاة وسيلة لتحقيق المتعة التي تصبح وسيلة وغاية نهائية أي تلقين القيم الخلقية .
الشعراء الحقيقيون هم من يستعملون المحاكاة من أجل المتعة والتلقين ، فالمتعة تحث الإنسان على القيم الخيرة ، وهي مبتغى الجمهور ، والأرض الخصبة كذلك للميزات النقدية ومعاييرها .. فالشعراء في تلقينهم يدخلون المتعة إلى نفوس جمهورهم ، فالشعراء في غايتهم هذه لا يقلدون الأشياء الموجودة، أو التي وجدت، بل يقلدون ما ينبغي أن يكون ، وهكذا تغدو الأشياء ذاتها التي يقلدها الشاعر ضامنة للغاية الخلقية التي يهدف إليها الشعر .
عالم الشعر تخفى فيه الأفكار مما يجعله يستميل كل أنواع السلوكات الإنسانية ، فيعجب به ( الشعر ) الأشرار والأخيار ، والشجعان والجبناء ، والأصحاء والمرضى .. الكل يقبل على الشعر وكأنه دواء لذيذ الطعم .
النصوص الأدبية الرصينة في مجملها تبنى على موضوع خاص إما سياسي أو اجتماعي أو إنساني أو ذاتي ، يلاحق فيها الأديب الشاعر السلبيات ويثبت القوائم الأخلاقية في المجتمع ، فالشاعر الحقيقي ملزم باحترام قواعد المنظومة الاخلاقية العالمية العامة مع احترام الأديان وعدم إشاعة الفوضى والإرهاب في المجتمعات ، وكل هذا يدفعنا لطرح الأسئلة التالية :
- ما الإبداع ؟
- لماذا الإبداع ؟
- لمن الإبداع ؟
.......
سنحاول تقديم أجوبة لهذه الأسئلة ونحن نغوص في نص الشاعرة ( سوار غازي ) المعنون ( صياد الضباء ) من خلال مدخل الخلقية الاخلاقية للإبداع .
لنتأمل الجزء الأول من القصيدة المعنونة ب ( صياد الضباء ) للشاعرة المغربية ( سوار غازي )
صيــــــــادُ الظبَـــــــاء
بقلـــــــم ســـــوار غـــــازي
لِما مَشيتَ تَزرعُ العَذابَ فَوقَ قَلبِي..؟
وَكَيف تَركتُك تَعبثُ بِدواخِلي..؟
صَيادُ الظبَاءِ أَنتَ ولَم أَدرِ!!!!
فَتكْت بِمُقاومَتي رَغمَ جَلدِي
تَشابَكتْ خُيوطُ وَجعِي
نَزفتْ جِراحَاتي..
سُيولاً عَلى مَبسَمي
فَلا يُسمعُ مِنِّي..
إِلاَّ صَريرُ صَمتِي ..
وَأزيز مَواجِعي ..
- الخلقية الأخلاقية : الصدق والتظهير النفسي / المتعة
الجزء الأول من القصيدة تطالعنا بتدفقها العاطفي الجياش ، المنسجم مع لغة الشعر وأثره وقيمته ، فالشاعرة تمتاز بالتعبير عن عن عواطفها من خلال عملية للخيال ( صنعة الخيال ) ، وتكييف للصور الذهنية مع الأفكار والعواطف في شكل إعادة للصياغة . فهذه الطريقة في التعبير تغدو فيها الشاعرة العنصر الأساس الذي يخلق عالم المتعة المصحوبة بمعايير يقوم على أساسها هذا الإنتاج والذي منبعه ومنطلقه فكر المتكلم ( ياء المتكلم / قلبي / دواخلي / جلدي / وجعي / جراحاتي / مبسمي / مني / صمتي / مواجعي .. ) ، وعواطفه . فالإنتاج الفني لبداية القصيدة عناصر أفعال لفكر الشاعرة نفسها مع تفاعل للموضوع مع العالم الخارجي ( الآخر ) ..
هو عالم شعري عند الشاعرة تحولت فيها الحقائق إلى شعر عن طريق عواطف الشاعرة والعمليات العقلية عندها ، فالشعر ينبع من روح الشاعرة مشبعا بطاقاتها الخلاقة المحاكية لصور العالم الخارجي ، وهنا يصبح الشعر عند الشاعرة ليس شكليا كما هو الحال عند أرسطو ، كما انه ليس محكاة لأعمال الإنسان وصفاته كما هو معروف في النقد الكلاسيكي ..بل إن فعل الشعر وازع داخل الشاعر من العواطف و والرغبات ، فيسعى هذا الوازع للتعبير عن نفسه ، أو هو الدافع القسري للمخيلة الخلاقة التي تشبه الشاعر نفسه ، في أنها تمتلك منبعها الداخلي للفعالية ، أي التعبير بصدق عن العواطف والقدرات العقلية ..
ونواصل غوصنا في قصيدة الشاعرة سوار غازي
صيــــــــادُ الظبَـــــــاء
بقلـــــــم ســـــوار غـــــازي
يُصارعُني هَذا الهَوى الشَّقِي
يَسلُك مَسامَ أَغْوارِي
يُغرزُ أَنيابَ اللَّظَى بِذاتِي
وَيَسْتلِذ بِاحترَاقِي..
يَحتفِي بِسقُوط حُصونِ كِبرِيائِي
وَخِلسَة يَفرُ مِن رُبوعِي
بَيدَاء عَارِية يَتركُنِي..
تَصهُل فِيهَا آهَاتِي..
وَالريحُ تُعرِي كُثبانَ وَجعِي
يُراقِصنِي مَشهَد خِداعِك
فَأشهَق المَرارَ بِسرِي
وَجمرُ النَّارِ يَتقدُ فِي كَبدِي
حَولِي رَمادُ أدْمعِي
وَكُحلِي بِمحْجرِي بِلونِ دَمِي
مَكسُورَة الحنَايَا والتِّيهُ مَسكَني
- الخلقية الأخلاقية للنص / اللغة و معيار التلقائية :
تحتل اللغة مكانة هامة كالكائن لغوي حي ، وهي التي تفعل فعلها الخاص في كل نص أدبي ، خاصة الصور البلاغية كالتشبيه والاستعارة وغيرهما ، والسؤال الذي يطرح نفسه علينا ونحن نقرأ القصيدة .
- هل اللغة النصية هي لغة الكلام الطبيعي التي يعبر به عن العاطفة والخيال ، ام أنها تقليد مقصود لتقاليد شعرية ؟
- فهل القصيدة صورة صادقة لطبيعة الذات ؟
- هل هي ملائمة لمتطلبات أحسن أحكام الذوق أو الصفات العامة عند البشر ؟
- بمعيار آخر هل القصيدة صادقة ؟
- هل تلائم نوايا الشاعرة وعواطفها وحالتها العقلية الحقيقية وقت كتابتها لنصها ؟
لقد أصبحت طبيعة الذات مرآة شفافة تقدم للقارئ نظرات ثاقبة في عقل الشاعرة وقبها من خلال الزمن الفعلي اللغوي أو الدلالات ( يصارعني / يتركني / يراقصني / ..) ، يسطيع القارئ أن يصل إلى منابع التفاصيل والنتائج في النص على أساس فعل العامل الفعال في الجمهور الذي عنده الشعر هو عاطفة تعبر عن نفسها لنفسها في لحظات العزلة .. فجميع الشعراء يلتقون في طبع مناجاة النفس ، للتأثير في الناس ، وهو طبعا الغرض من الشعر طيلة قرون عديدة .
الإحساس العاطفي في النص عند الشاعرة إحساس فطري وهي شاعرة بالطبع لا بالتطبع ، حيث أصبح الإحساس معبرا عن طبيعة الذات المفعمة بالتعبير التلقائي للعاطفة ..
ونواصل غوصنا في قصيدة الشاعرة ( سوار غازي ) ، حيث تقول في قصيدتها :
صيــــــــادُ الظبَـــــــاء
وَجمرُ النَّارِ يَتقدُ فِي كَبدِي
حَولِي رَمادُ أدْمعِي
وَكُحلِي بِمحْجرِي بِلونِ دَمِي
مَكسُورَة الحنَايَا والتِّيهُ مَسكَني
لِمصيرٍ مَجهُول أنْتهِي..
غَدركَ أيُها الهَوى الشَّقِي
ثُقبٌ فِي حِزامِ خَاصرَتِي
نَذرْتُ أَن أَقتَلعَكَ مِن عَصبِ قَلبِي
وَأَن أَسْتلَكَ مِن عَجِينَة رُوحِي
وَوعدٌ أَن لاَ أَرْكَن لِذكْراكَ تُراوِدنِي
وَأنْ لاَ أَبكِي..
عَلَى مَنْ بَاعَ عَبثا حُبِّي
وَأقْبضَ عَلى الجمْرِ بِجَوَارحِي
كَيْ يَكُون الكَيُّ ..
تِرياقًا لِنسْيانِ وَجعِي
- الخلقية الأخلاقية / الاغتراب والتمرد في النص :
من خلال غوصنا في القصيدة تبين لنا اغتراب الشاعرة عن محيطها وبيئتها ، فهذا الاغتراب يتطور بشكل تدريجي في النص ، وكذلك ينفجر عبر مراحل متعاقبة نبين بعضها كما يلي :
- الموضوع / البطل الذات الشاعرة تعيش حالة التقبل والاستقبال الذي يتوضح مع بداية النص . أي وعي الذات بذاتها ، ( الفكرة + الوعي + اليقظة + المعرفة + الادراك الذاتي ) ، وكل هذا صنع تجربة الذات الشاعرة التي تتشابك فيها العلاقات الاجتماعية مع الحياة الشخصية في آن واحد .
القصيدة متنوعة الدلالات التمردية التي يمكن تقسيمها إلى أربع :
- المحور الألسني العام
- المحور اللغوي النفساني
- المحور المنطقي الألسني
المحور الأسلوبي
وكل هذه المحاور يمكن التفصيل فيها في مدخل آخر من مداخل النظرية الذرائعية .
أن المدلول الواحد في القصيدة يمكن بثه بواسطة دوال مختلفة تحيلنا على الاغتراب والتمرد في النص وهذا نؤوله بتعدد الأشكال التعبيرية بالرغم من وحدانية الصورة الذهنية .
- خاتمة :
وأختم دراستي المستقطعة بتعريف ورد في كتاب ( النظرية الذرائعية في التطبيق ) حول صفات الناقد الأدبي :
( " من الضروري أن تتوفر في الناقد الأدبي مجموعة من الشروط وهي : سلامة الذوق ، والذكاء ، والخبرة المتمثلة في معرفة الناقد بشكل كامل ، ودقة الإحساس ، أي انفعالات الأدب في الناقد وأثرها ، التعاطف ، أي المشاركة الوجدانية ، والثقافة الخاصة والعامة ، والفردية أي الذاتية ، والصدق والجدية ، والصبر بالمواصلة ، وحب صيد الأفكار المخبوءة ، ومحاولة صيدها بأي شكل من الأشكال ..)
- القصيدة كاملة :
صيــــــــادُ الظبَـــــــاء
بقلـــــــم ســـــوار غـــــازي
29/10/2018
لِما مَشيتَ تَزرعُ العَذابَ فَوقَ قَلبِي..؟
وَكَيف تَركتُك تَعبثُ بِدواخِلي..؟
صَيادُ الظبَاءِ أَنتَ ولَم أَدرِ!!!!
فَتكْت بِمُقاومَتي رَغمَ جَلدِي
تَشابَكتْ خُيوطُ وَجعِي
نَزفتْ جِراحَاتي..
سُيولاً عَلى مَبسَمي
فَلا يُسمعُ مِنِّي..
إِلاَّ صَريرُ صَمتِي ..
وَأزيز مَواجِعي ..
يُصارعُني هَذا الهَوى الشَّقِي
يَسلُك مَسامَ أَغْوارِي
يُغرزُ أَنيابَ اللَّظَى بِذاتِي
وَيَسْتلِذ بِاحترَاقِي..
يَحتفِي بِسقُوط حُصونِ كِبرِيائِي
وَخِلسَة يَفرُ مِن رُبوعِي
بَيدَاء عَارِية يَتركُنِي..
تَصهُل فِيهَا آهَاتِي..
وَالريحُ تُعرِي كُثبانَ وَجعِي
يُراقِصنِي مَشهَد خِداعِك
فَأشهَق المَرارَ بِسرِي
وَجمرُ النَّارِ يَتقدُ فِي كَبدِي
حَولِي رَمادُ أدْمعِي
وَكُحلِي بِمحْجرِي بِلونِ دَمِي
مَكسُورَة الحنَايَا والتِّيهُ مَسكَني
لِمصيرٍ مَجهُول أنْتهِي..
غَدركَ أيُها الهَوى الشَّقِي
ثُقبٌ فِي حِزامِ خَاصرَتِي
نَذرْتُ أَن أَقتَلعَكَ مِن عَصبِ قَلبِي
وَأَن أَسْتلَكَ مِن عَجِينَة رُوحِي
وَوعدٌ أَن لاَ أَرْكَن لِذكْراكَ تُراوِدنِي
وَأنْ لاَ أَبكِي..
عَلَى مَنْ بَاعَ عَبثا حُبِّي
وَأقْبضَ عَلى الجمْرِ بِجَوَارحِي
كَيْ يَكُون الكَيُّ ..
تِرياقًا لِنسْيانِ وَجعِي
عبدالرحمن الصوفي / المغر ب
تعليقات
إرسال تعليق