قراءة بين ثنايا السطور لرواية الخبز الحافي// بقلم عبد الرحيم هريوى




كلمة من أعماقي ككاتب مولوع بحبي للكلمة في حق الراحل محمد شكري وأسطورة روايته الذاتية "الخبز الحافي" ..

بقلم عبد الرحيم هريوى


صباح الخير أيها اللليليون

صباح الخير أيها النهاريون

صباح الخير يا طنجة المنغرسة في زمن زئبقي 

ها أنذا أعود لأجوس ،كالسائر نائما،عبر الأزقة والذكريات.عبر ما خططته عن "حياتي"الماضية-الحاضرة...كلمات واستيهامات ونذوب لا يلثمها القول...!!!!

 كلمة افتتح بها الراحل "محمد شكري" الذي أشهرته روايته بل "أسطورته الروائية " التي خط فيها سيرته الذاتية المجروحة بقلب الكاتب الكبير.. و لا شك أنها جعلته يتفوق على كتاب كبار في زمانه بل أكثر من هذا أمسى" الخبز الحافي" عنوانا يعرفه جل المغاربة في زمانهم ويتبادلون نسخه ويتسابقون على طبعاته بلهفة شديدة في زمان ثقافة الكتاب.قصد معرفة ما سمعوه وما تتداوله الألسن الثقافية في كل ربوع الوطن عن هذه الرواية الأسطورة..!!!

"فلتنم روحك مطمئنة ؛ هادئة عند ربها أيها الكاتب المغربي المتميز !!! الذي خرج من رحم المعاناة والبؤس والفقر والقهر إلى عالم المجد الفكري والثقافي في زمن الكبار بهذا الوطن وبالعالم العربي ...

"الخبز الحافي " سيرة ذاتية روائية لمحمد شكري ابن الريف التاريخ والمقاومة والمجد والوطنية الخالصة...!! الذي سطع نجمه متلأليء في عالم الكتابة الأدبية. و صار اسمه معروفا عبر العالم من خلال هذه الرواية التي ترجمت لعشرين لغة . والتي سنقول فيها كلمتنا المتواضعة بعدما عشنا مع الراحل ذكرياته التي جعلها تحيى وتمشي بين مناطق شتى من مدن وأحياء وبلدات وأجناس من البشر. وعاشرناه وهو طفل صغير يعيش قساوة الحياة وعيش الضنك وقهر الأب والفقر.ذلك الأب ،السلطة القاهرة .و الذي قال فيه كلمات كالجبال ولعمق معاناته نفسه و بكلماته الثقيلة سأنقل لكم النص كما خطه الراحل في روايته.

يقول محمد شكري عن أبيه:

** أراه يمشي إليه. الوحش يمشي إليه.الجنون في عينيه.يداه أخطبوط .لا أحد يقدر أن يمنعه.**

رواية "الخبز الحافي"أعتبرها بصراحة سيرة ذاتية فريدة من نوعها و يمكن أن نعتبرها مثل بعض الأفلام السينمائية أو الوثائقية التي يكتب عليها منذ بدايتها حتى نهايتها ينصح بعدم متابعته لأقل من18سنة .فبالفعل فقد سبق لي أن صادفت هذه الرواية في طريقي في عمر الزهور وقرأتها بميولات ورغبات وأحاسيس سن المراهقة . و كلما مررت على فصل من فصولها ترآت لي تخيلات وتصورات لا أقول خطيرة ولكنها لا تلائم ظروفي النفسية البثة،  في انعدام التربية الجنسية لدى المغاربة .واعتبار قاموس كبير من اللغة العامية المغربية ثم استعماله في الرواية من المحرمات في الاستعمال اليومي وخاصة وسط أفراد الأسرة الواحدة ، لأن مجرد النطق بأحد المرادفات التي لها علاقة بهذا "القاموس الأحمر" يعتبر من "قلة الترابي"ولا يتداولها إلا فئة من المجتمع التي تعيشه في وسطها أو تربت فيه (البورديل)...

نعم كانت قراءتي لفصول " الخبز الحافي " منذ عقود كثيرة خلت ، كما كان الاسقاط حينذاك لكل الحمولة الثقافية والاجتماعية والسياسية لرواية الكاتب الراحل محمد شكري في غير محله تماما . لأن القراءة لها ارتباط بالشخص وميولاته ورغباته وسنه وأفكاره ووضعه الاجتماعي والثقافي هو الآخر. لكن في مجمله فلعامل السن دوره الخطير و تأثيره الطبيعي على نوع القراءة الواقعية ، والفهم العميق للأشياء من خلال هذه السيرة الذاتية لمحمد شكري "الخبز الحافي"..

فتلك قراءة قد ماتت ونسيناها خلال فترة الشباب والمراهقة  !!

 واليوم لنا قراءة نوعية أخرى مختلفة جدا لكل فصول وأحداث وشخصبات و زمان ومكان هذه الرواية الأسطورة في زمانها المغربي . والتي ستبقى لا محالة !! كتابا مفتوحا عبر التاربخ الأدبي المغربي سيقرؤه كل جيل حسب ظروفه واسقاطاته وواقعه الاجتماعي والثقافي.!!


فالحقيقة كل الحقيقة ، عشت هذه الرواية بكل مشاعري وأحاسيسي وكأنني أعيش مع محمد شكري .. كظله الذي يرافقه فقد حملت الرواية أينما تحركت وكأني خائف أن تفلت مني أو تضيع. ولا يوجد منها إلا نسخة واحدة، أو كأنني في بلد يعتبر فيه الناطقون باللغة العربية من الأقليات..

 فأحداث الرواية حملتها معي إلى و سادة نومي ، و كلما أردت أن أسافر في أحلامي أعيد السيناريوهات العجيبة والغريبة التي كتب عنها هذا الكاتب عن طريق الفطرة في زمن صعب جدا ، كان جل المغاربة خارج زمن المدرسة والتعلم .!! وحينها أتساءل كأي مهتم بالرواية والقصة في هذا الوطن . كيف للإنسان في بيئة اجتماعية مخنوقة أن يصير في يوم من الأيام من كتاب الرواية المشهورين على الصعيد العالمي ؟؟؟ وحينها قلت في نفسي بأنه عادة ما تنتج مثل هؤلاء الأقلام الذين لا يخرجون من الأرض كالفطر بل هم نتاج لظروف القهر والبؤس والمعاناة والفقر المدقع والمطلق. لا شك أنه يولد لنا هذا الصنف الفريد من نوعه من الأدباء الذين يتركون بصماتهم في السجل الأدبي العالمي عبر التاريخ مفتوحا...!!


نعم من الأشياء التي أثارتني كثيرا ، وشدتني إليها باهتمام وبشكل غريب ما !! وجعلتني أطرح عدة أسئلة لعلي أصادف الجواب ، وأنا أجوب فصول ومنعرجات هذه السيرة الذاتية العجيبة ، وهو العنوان "الخبز الحافي"و كنت أقول مع نفسي من يملك هذا الخيال الثاقب والواسع حتى جمع كل هذا وذاك في عنوان غريب وعجيب غرابة الرواية وأحداثها وأسلوبها وهلم جرا...!!

فعادة ما كنا نقرأ العنوان بعفوية دون أن نعطي لأنفسنا مساحة للتفكير فيه ..فالقدم الحافي؛ أي بدون نعل ..وحافي القدمين :فهمناها!! لكن الخبز أي علاقة له بالحفي؟؟؟ ..نعم جميل جدا هذا العنوان وقد لا نصادف مثله مرة أخرى في عالم الكتابة الروائبة المغربية مستقبلا.!!

نعم محمد شكري ظل طيلة طفولته وشبابه يبحث له عن قشرة خبز يسد بها رمقه هو وأسرته الصغيرة. والبؤس والفقر في رفقته وهو طفل يرافق أسرته المهاجرة من الريف بنواحي الناظور صوب تطوان ثم طنجة والهجرة مع والده نحو وهران بالجزائر ، والعودة لنفس المدينتين. ومعاناته مع السلطة بأصنافها، و قهر وظلم والده لأمه وإخوته وبالأخص الكاتب الذي تمنى الموت لوالده نتيجة العذاب الأليم الذي ظل يعانيه من جانبه.. الذي فر من الجندية الاسبانية وتم اعتقاله لتصبح زوجته المسكينة المعيل الوحيد لهم أجمعين. باحترافها بيع الخضر والفواكه. أما صاحبنا محمد شكري فعاش طيلة فصول سيرته الذاتية الهم والغم بكل أصنافه وأشكاله و كانت علاقته بالبغاء والبورديل كما كان يسميه ، تجري في دمه " الحشيش والكيف والمعجون وأنواع شتى من الخمور والتهريب والتشرد و السرقة ومطاردات الشرطة الاسبانية و السكارى والأب وغيرها...


سيرة ذاتية روائية كشفت لنا عن عالم الظلام وخفافيش الليل وكل ما يدور في هذا الفلك المنحط في بيئة اجتماعية متعفنة فاسدة كتبها بأسلوب سردي -حكائي بالتفاصيل الدقيقة عن كل شيء صغير وكبير و يحمل أنواعا شتى من الألفاظ والتعابير التي نعتبرها قبيحة في مجتمعنا، و التي لا نستعملها في حياتنا الاجتماعية العادية البثة ، لأنها وباختصار تنتمي للقاموس المحضور والأحمر الخطير والممنوع في لغة كلامنا اليومي وتواصلنا وتربيتنا سواء داخل الأسر أو في العلاقات الاجتماعية العامة و العادية.


إذا ما أردنا أن نلامس كل شيء عن هذه الرواية "الأسطورة" نحتاج لمزيد من الكتابة و والنسخ...فلنتوقف ها هنا

  لكن في الأخير يمكن لنا القول : إنه بحق مولود أدبي فرض ذاته رغم أن البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية للمغرب ترفضه ولربما رفضته لعدة اعتبارات موضوعية وذاتية نفسية ثقافية اجتماعية سياسية.. ولا يمكن أن تلمسها إلا بعدما تقرأ هذه السيرة الذاتية الغريبة والعجيبة على مجتمعنا الثقافي المغربي و العربي في كل شيء..


 وكم من قاريء( ة) يبدأها ولم يستطع اتمام قراءتها لما صادفه من قاموس عامي وعربي "فيه لحشومة بزاف " وهو يعري عن حياة أخرى لكنها حياة واقعية نعيشها للأسف.....!!!


بقلم عبد الرحيم  هريوى

تعليقات

في رحاب عالم الأدب..

سي محمد خرميز أيقونة من أيقونات المدينة الفوسفاطية.. بقلم عبد الرحيم هريوى الدار البيضاء اليوم/المغرب

عزيزة مهبي؛ المرأة الفوسفاطية بخريبكة ، العاشقة لمهنة التعليم على السياقة، وسط الكثير من الرجال..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

ماذا أصابك يا إعلامي زمانه و يا جمال ويا عزيز الصوت واللحن..!! بقلم عبد الرحيم هريوى

العين التي أعطت ضربة الجزاء للفتح الرياضي بدون الرجوع للفار هي العين نفسها التي ألغتها بنفس القرار بعدما شوهد الفار- بقلم الكاتب الفوسفاطي /:عبد الرحيم هريوى

"السوليما" الإفريقية بخريبكة بين قوسين..!ومحمد درويش يقول على هذه الأرض ما يستحق الحياة..!! عبد الرحيم هريوى..!

كلمة عن بعد ؛ عبر العالم الافتراضي كمشاركة منا في حق تكريم أستاذ لغة الضاد الأخ مصطفى الإيمالي بالثانوية التأهيلية عبد الله بن ياسين بٱنزكان - عبد الرحيم هريوى

ياسين بونو توأم لبادو الزاكي حارس مايوركا في زمانه..!! بقلم عبد الرحيم هريوى