الرواية الرائعة" المغاربة" مغربية مائة في المائة في تجليد الشخصية المغربية وطرح أسئلة الهوية والوجود ..!! عبد الرحيم هريوى خريبكة - المغرب

ولعل كل من قرأ رواية المغاربة يقول

 هذه رواية مغربية 100/100 

ولا يكتبها إلا مغربي من أبناء الشعب ..

                      

▪️يوميات_رمضانية 

بعد عامين ها أنا أعود إلى هذا العمل الباذخ، عمل قرأته المرة إلكترونيا مرغما، لكن هذه المرة سافرت عبر صفحاته ورقيا ليتضح لي مرة أخرى أن القراءة عمل إبداعي حقا بل و أكثر أهمية من فعل الكتابة أحيانا، تتجدد الرؤى و تنكشف تفاصيل غفلنا عنها و نطرب لعبارات مررنا عليها مرور الكرام .

عدت إلى " المغاربة " كي أجدد الوصال مع هذه الحكاية التي تشبه الشجرة التي تخفي وراءها الغابة. حكاية أخوين يقطنان مدينة بني ملال كل منهما يجسد وجها من وجوه المأساة المغربية بكل بشاعتها و تفاهتها في الآن ذاته .

في هذا العمل استطاع Abdelkarim Jouaiti أن يطوع التاريخ و يعيد استنطاقه كي يكتب من خلاله تاريخا منسيا و مدفونا و مسكوتا عنه .

" المغاربة " رواية تعري واقع نحتت تفاصيله لقرون مضت، واقع يجمع بين الشئ و نقيضه، كوميديا غارقة في السواد و تراجيديا تحكي كل آلام البشرية .

خلال قراءتي هاته شعرت روح " كتيبة الخراب " و هي تحوم حول أحداث الرواية، فكما عودنا الصديق و الكاتب جويطي فكل أعماله تحتفي و تعيد كتابة بعض من شذرات تاريخ مدينة بني ملال دون أن يكرر نفسه .

هناك الكثير من المتعة بين صفحات هذا العمل الروائي الذي جمع بين دفتيه القصة و المسرحية و الوثيقة التاريخية و الشذرات ليمنح الرواية بعدها الشمولي، و ليمنح القارئ فرصة قراءة عمل سردي يشد القارئ إلى آخر صفحة دون أن يفقد التشويق خيوطه.

                           

▪️فرام/بشر،،،!!!!!

                              ****

دعني أشاركك أخي بشر طبقك الأدبي هذا والمتميز ..وبتوابل على مقاس من المطبخ الأدبي المغربي في كتابة النص الروائي المعاصر..أي ما بعد الكلاسيكية والواقعية إلى نصوص أكثر نضجا في أحكام البناء والحبكة والخيال واختيار الشخوص والفضاء والأزمنة  على حد قول أحمد بوزفور ، وهو الذي يقبل عن الرواية وبعدئذ يحكم عليها من خلال بداياتها ،فإما أن يتمم مسيرة قراءتها أو يرميها جانبا، كباقي النصوص التجارية الرديئة و الكثيرة التي صارت تخرج كالفطر في هذا الزمان .وتعتبر رواية المغاربة من أفضل النصوص التي كتبت خلال مائة عام تقريبا، وبشهادة النقاد.. وهو نص قوي من كل الجوانب استطاع أن يصبر مع الزمان ،وبقي تباع نسخه في الأكشاك بنفس الوثيرة المرتفعة لكثرة الإقبال على قراءته.. وهذا هو الدليل على أنه وجد له مكانته عند القراء مناصفة.. وأما الباقي فقد قلته بمسحة فنية لقارئ محترف.. وقد أتفق معك لأنه نص مغربي لا يكتبه إلا ابن الشعب ..وهو يحيلنا على طرح الأسئلة الكبرى حول الوجود والهوية المغربية وتجليد الذات.. وهو كذلك صورة عاكسة للإنسان المغربي المقهور و بكل تناقضاته، وبما يحمله من ثقافة ..وما يعانيه في حياته من ألوان من العذاب.. وما ينتظره من مجهول..!!  

 لكل ذلك يبقى النص لسان حال كل مغربي يعاني في صمت ويعيش بين أطياف وتوجهات وتباينات وتناقضات عميقة  في مجتمعه السياسي أولا والثقافي ثانيا والمجتمعي أخيرا..!!!

                               

 ▪️عبد الرحيم هريوى

تيمة العمى في رواية المغاربة لعبد الكريم جويطي#

العمى تعريفا هو حالة من فقد الإدراك البصري، تُعْزى لعوامل فيزيولوجية أو عصبية. وقد تم تطوير عدة مقاييس لوصف مدى فقدان الرؤية وبالتالي الإصابةبالعمى.

رواية عبد الكريم جويطي تحت عنوان: المغاربة. تنطلق سرديات أحداثها من محور العمى الذي سيصيب بطل الرواية ( محمد الغافقي)،وسيجعله مقعدا كسيحا لا يقدر على التحرك إلا بواسطة أخيه الأكبر عبد الهادي العسكري المعطوب، الذي سيكون دليله في الحياة ومرشده للإنفتاح على العالم الآخر.عالم مشوه مبعثر الأركان، وكأن رجلي أعمى داست أرضه، أو كأنه عالم أعمى لا تستقيم فيه الأشياء إلا بالمعكوس المشوه.

لذا نجد أنفسنا مقتنعين برؤية الكاتب وهو ما يجعل من العمى تيمة رئيسية في المتن السردي لروايته؛ بحيث نجدها منتشرة الإستعمال والاستخدام الأدبي داخل بنيات الحكي الرئيسي والعرضي في الفصول. وفق سياق تتشابك فيه الأحداث وتتعقد لدرجة كبيرة. لتتحول وفق منسوخ الحروف وتوالي النكبات إلى تراجيديا عميقة الأثر منسابة الفعل السلبي في الشخوص وأوضاع المحيط.

كلمة العمى تتردد وتكرر بين دفتي الرواية متناترة هنا وهناك. مسجلة إحتجاج الكاتب على لسان شخوصه؛

ناعثين أو واصفين مشاهد أحوالهم أو أحوال واقعهم بالعمى؛ وهو العمى الذي تتلون زخارف نسجه داخل الحكي المقصود: كالعمى السياسي/ والعمى الثقافي/ والعمى العمراني/ والعمى الأخلاقي و.....و...

كلها مخرجات فنية أدبية، إستطاع بواسطتها الكاتب المتميز عبد الكريم الجويطي أن يمرر خطابه النقدي البناء الذي يوجهه للقارئ لكي يقاسمه هم المغاربة العاجزين عن الرؤية الواضحة التي بإمكانها تجلية الحقيقة وإبرازها بالشكل الحقيقي الذي يجب.

عمى مطلق يستبد بالسير العادي للناس في الشارع والمرفق العمومي والإدارات وشؤون التدبير اليومي للناس.(عمى أزرق )كما يسميه المغاربة في المتون الشعبية: بعينين وضاحتين، كبيرتين، جاحظتين تخالهما لواحظ تتفحص الدقيق والصغير ،لكن يبدو أنهما مصابتان بظاهرة التغاضي والتفادي والمحاباة والتعايش المقرف.

وينطلق مسلسل تيمة العمى في رواية المغاربة انطلاقا من بدايتها التي يمثلها الطفل محمد الغافقي الشخصية المركزية والمحورية في النص الروائي الذي سيصاب بمرض في عينيه لكن عمى أفراد العائلة واتباعهم طقوس التقاليد البالية دفعت بابنها وهو في الحادية والعشرين من العمر إلى فقدان نعمة البصر.ومن تم ولج عالم الظلام الذي سيلازمه ليتعرف من خلال أخيه الأكبر عبد الهادي العسكري المعطوب على الخبيرين المكلفين بإنجاز تقرير حول الجماجم التي عثر عليها في مقبرة جماعية. وتلكم صورة أخرى عن عمى تدبير أمر الخبرة التي سيقودها خبير أعمى رفقة مساعده وما سيرافقها من مسرحية سيتقنها كل من المتحرِّيان القصير والطويل (هاملت وهوراشيو) لأجل كتابة تقرير نهائي عن جماجم المقبرة المكتشفة، تحري مشبع بمتناقظات غرائبية سيعلق عليها محمد عرضيا بحكمة بليغة،قائلا في الصفحة 151: ماذا تنتظر من أعمى وأبله؟!!

وسيتواصل سير العمى في روايتنا ليقف عند حب محمد لخادمة الجيران صفية وهو ما سيغير حياته ويدفعها إلى التيه في شوط مهالك لا حد لها. خصوصا وهو الأعمى الأعزل الذي سيستعين في مفارقة عجيبة بصديقه الأعمى، ليقوده لخطبة الخادمة صفية من أهلها بأعلى مناطق جبال الأطلس وهو ما سيوقعه في أتون شرك نصاب محترف، سيتزوج خطيبته بالحيلة. الأمر الذي سيعرض حياته للإنقلاب رأسا على عقب.خيانة عبثية قاسية حد الضحك، ستزج به في عوالم ليالي جنونية يرابض فيها تحت نوافد بيت خائنه.

مشهد آخر ينم عن عمى نوعي آخر سيلوِّن مجريات الأحداث وسيسقيها بمعتوق روح العمى، لما يجتمع ضيوف عميان في حضرة الباشا بالقصبة ليصول ويجول بينهم بالحكي عن مغامراته.

خلاصة:

لقد حاولت رواية المغاربة لمبدعها عبد الكريم جويطي خلخلة الكثير من التوابث والقناعات التاريخية والاجتماعية، وكذا إيمانيات الموروث التقاليدي من أعراف وعادات وطقوس معاملات مكتسبة، عشعش فيها العمى واستأسد وصار قاعدة تضليل عن الرؤية الواضحة التي تستجلي الأمور على حقيقتها.

وكخاتمة لابد منها نقول: أن تيمة العمى الطاغية في أسلوب الرواية إذن عند عبد الكريم جويطي هي بمثابة سلاح نقدي للحكم على الأشياء إنطلاقا من أفواه شخصيات الرواية التي يتقمص أدوارها الكاتب وخصوصا دور بطلها محمد الغافقي الذي يقاوم الواقع المعاش بمنظور عين العميان التي تصغي لحديث البصيرة وهي تتأمل وهي تعشق/ وهي تحب/ وهي ترى العالم الملخبط/ وتسأل وتسأل.. وتظل طيلة الرواية تسأل في ترنيمة منطق بصيرة العميان الفريدة التي ترى مالا يراه الشخص الطبيعي.

ذ/حسن الوافي